أبو نضال و"حبة الأونروا السحرية"
بقلم: جلال قبطان
يخرج من منزله مع شروق الشمس متحاملاً على جسد أثقلته هموم
الحياة القاسية التي فرضها اللجوء عليه... يسرع الحاج السبعيني، أبو نضال خطاه في أزقة
المخيم، يحذوه الأمل في الوصول مبكراً الى عيادة الأونروا الوحيدة في المنطقة عله يحجز
دوراً كيلا يضطر الى تكرار انتظار روتيني يمتد بين أربع وخمس ساعات لإجراء معاينة،
يعلم مسبقاً أنها لن تتعدى الدقائق الخمس وأن الدواء هو نفسه الذي يصفه أطباء الأونروا
لكافة الأمراض العرضية والمستعصية على حد سواء في هذه العيادة الأممية، وهو مسكن البنادول،
حتى بات الأهالي يطلقون عليه باستهزاء اسم "الحبة السحرية".
وعلى الرغم من عدم جدوى هذه الزيارات لإنهاء الآلام المستوطنة
في جسد أبو نضال إلا أنه لم يقطع الأمل منها منذ أكثر من ثلاثين عاماً... ينجح في الوصول
الى العيادة قبل أن تفتح أبوابها ليجد طابوراً طويلاً من الانتظار يحطم كافة أحلامه
بالعودة باكراً الى المنزل، يجلس يسترق السمع الى من حوله وكل يشكو للآخر هموماً لا
تعد ولا تحصى..
وفي وقت قصير يبدأ أبو نضال بالتململ من الأحاديث وأصوات
الأطفال التي تبكي من الألم، ينسحب بهدوء تجاه كرسي خشبي مقابل لتلفاز صغير يصدح من
الدكان الملاصق للعيادة، يستمع من خلاله الى نشرة الأخبار الصباحية محاولاً قتل الوقت
الى حين وصول دوره، لا يبدي أي اهتمام بأخبار الموت والحروب التي تعصف بالمنطقة، الى
أن سرق اهتمامه خبر نية الأونروا تقليص خدماتها الاستشفائية في مخيمات لبنان، يعدل
من وضعية جلوسه مقترباً من التلفاز كي يتأكد مما يسمع، ليجد المذيع يتحدث عن نقص بالتمويل
الدولي دفع الوكالة الأممية لقرار تخفيض خدماتها الطبية، وحالة الاحتجاج الشعبي الغاضبة
التي تتصاعد ضد القرار المجحف بحق مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لم يستغرب أبو نضال الخبر، فهو كان يعلم منذ زمن أن مثل هذا
القرار آت لا محالة، غير أنه يعلم أن وقع الإعلان سيكون صادماً على اللاجئين على غرار
الموت الذي دائماً ما يكون مفجعاً وإن كان متوقعاً..
يمر الخبر سريعاً والحاج ينظر حوله ببطء متسائلاً. ماذا سيحل
بكل هؤلاء عندما يتوقف عمل العيادة، فهم لو كانوا قادرين على تكلفة المستشفيات الخاصة
لما اضطروا الى الانتظار على أبواب الأونروا؟
يطيل أبو نضال التأمل قبل أن يتقطع حبل أفكاره على وقع هتافات
مجموعة من الشباب الغاضب أمام باب العيادة، معلنين التصعيد ضد الأونروا لينضم إليهم،
شيئاً فشيئاً، المرضى وبعض سكان المنطقة، أما أبو نضال المتيقن أصلا بعدم جدوى مثل
هذه التحركات التي لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، آثر الانسحاب الى منزله وأمر واحد
يجول في فكره، كيف سيقاوم آلامه دون "حبة الأونروا السحرية"؟
المصدر: العربي الجديد