القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

أجواء أوسلو تعود بقوة

أجواء أوسلو تعود بقوة

د. يوسف رزقة

يعود محمود عباس إلى المفاوضات بقرار منفرد بعد انقطاع دام ثلاث سنوات. ثمة خطورة حقيقية في هذا القرار الشخصي الذي لا يستند إلى تفويض شعبي. القرار لم يخرج من مؤسسة مفوضة من الشعب. كل فصائل الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج رفضت قرار العودة، وخرجت بعضها في مظاهرات احتجاج انتهت بالبطش و التفريق.

لا توجد مبررات سياسية مقنعة لهذه العودة البائسة في ظل حكومة يمينية متطرفة في ( إسرائيل )، وفي ظل انحياز أميركي شبه كامل للرؤية الصهيونية، وفي ظل عالم عربي مرتبك ومشغول بنفسه وهو في مواجهة مع مخططات التمزيق التي تحاك ضده.

لم يقدم محمود عباس مبررات سياسية موضوعية تقنع منتقديه، أو توضح خارطة الطريق التي يسير فيها أمام الشعب. ولا أظنه يمتلك خريطة طريق من أصله.

نعم ثمة رشوة لهذه العودة البائسة تمثلت في قرار إسرائيلي بإطلاق سراح (104) أسرى فلسطينيين ممن اعتقلوا قبل اتفاقية أوسلو في عام 1993م. الرشوة الصغيرة سيتم تقسيمها إلى أربعة أقسام وتوزيعها على أربع مراحل زمنية، الجزء الأول منها عند بدء اللقاءات، والجزء الأخير عند نجاح المفاوضات ؟! وفي حال فشل المفاوضات فلن تتم عملية إطلاق الجزء الأهم من الرشوة؟. بالطبع لا يوجد في ( الرشوة ) أي من أسرى حماس أو الجهاد الإسلامي، أو من المناوئين لمشروع مفاوضات التصفية، وسيشرف نتنياهو بنفسه على تحديد الأسماء المستفيدة، ولن يكون فيها أحد من أسرى فلسطين 1948 م.

عباس أرسل ( صائب عريقات – ومحمد اشتيه ) لينوبا عنه في المفاوضات التفصيلية، لا عن الشعب ولا عن مؤسساته، في وقت يقال فيه إن جون كيري تمكن من الاتفاق مع الطرفين على الخطوط العامة، والمبادئ الحاكمة. وإنه يتوقع نجاح المفاوضات في غضون ( 9 أشهر)؟ وهي مدة قصيرة بالقياس إلى( 20 سنة) مفاوضات. لست أدري ما مبررات تفاؤل جون كيري، غير أن مصادر فلسطينية تقول إن محمود عباس استسلم للرؤية الأميركية، بعد أن شعر بقرب انهيار السلطة، وانتهاء مشروعه الشخصي للتسوية إلى الفشل.

إن أخطر ما واجهته القضية الفلسطينية تاريخياً يكمن في القرارات الشخصية المنفردة لقيادة منظمة التحرير، التي أهملت فيها المؤسسات إهمالاً تاماً، كما حدث في اتفاقية أوسلو، وفي أحداث الأردن، والكويت، وغيرها، وقد دفع الشعب ضريبة باهظة من حياته ومن قضيته.

الشعب الفلسطيني شعب قلق، ومثقل بالهموم، وليست له قيادة محترمة تحنو عليه، وتقدر مشاعره، وظروفه، لذا تجده ينصرف عن متابعة تصرفات القيادة، وينشغل بهموم حياته اليومية مرغماً، بينما قضيته الكبرى تتآكل يومياً على يدّ قيادة تشعر باليأس والإحباط، و لا ترى في الشعب عوناً أو صديقاً تناجيه، وتستفز قدراته؟.!

قلنا في مقال سابق إن القضية الفلسطينية تعيش الآن المرحلة الأخطر على مدى عمرها وبالذات بعد أوسلو 1993 م، وهي مرحلة تشبه ما كان قبل توقيع أوسلو، وقد تلتقي الأطراف على تصفيتها بوضع الفصل الختامي من فصول التنازل، في ظل هذه الحالة التراجيدية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وتعيشها شعوب المنطقة و أنظمتها. إنه إذا تمكنت الأيدي الصهيونية من إجهاض الربيع العربي في مصر، فهي تملك كل الإغراءات اللازمة لإجهاض مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وبتوقيع طرف فلسطيني في نهاية المطاف، لذا يجدر بالشعب أن يتنبه لنفسه ويستعيد قراره بيده قبل أن تقع الكارثة بالتوقيع المحتمل.