أجواء
انتفاضة الأقصى والأجواء الراهنة
ياسر
الزعاترة
الذي لا شك فيه أن الأجواء الراهنة من
حيث وضع الشارع الفلسطيني والممارسات الصهيونية تبدو أكثر قابلية لتفجر انتفاضة
جديدة من تلك الأجواء التي توفرت نهاية أيلول من العام 2000 حين اندلعت انتفاضة
الأقصى.
جاءت انتفاضة الأقصى بعد 7 سنوات من
التعويل على مسار أوسلو، بينما مضى الآن 10 سنوات من التعويل على مسار محمود عباس
التفاوضي دون جدوى، فما يُعرض عليه هو
أسوأ مما عُرض على ياسر عرفات في قمة كامب ديفيد صيف العام 2000.
وفي حين كان الشرارة لانتفاضة الأقصى هي
زيارة شارون للمسجد من أجل تأكيد حق اليهود فيه، فإن الزيارات المماثلة، والأكثر
استفزازا لم تتوقف، وهذه المرة من أناس داخل الحكومة، وليس من المعارضة كما كان
حال شارون عام 2000.
الانتهاكات الصهيونية بحق المسجد الأقصى
والاستيطان والتهويد هذه المرة تبدو أكثر بكثير مما كانت عليه في العام 2000، بل
إن حكاية التقسيم المكاني باتت مطروحة دون
تفاوض، بينما طالب بها الصهاينة؛ فقط خلال المفاوضات صيف العام 2000.
الشعب الفلسطيني بدوره هو ذات الشعب،
ولا يمكن القول إن هناك جيلا أفضل من جيل، لكن الفارق هنا هو السلطة وحركة فتح،
بخاصة قيادتهما، ومعهما منظمة التحرير.
هذه المرة كان المسار مختلفا، فخلال
سنوات أوسلو السبع قبل انتفاضة الأقصى كان رجال الأمن وطنيون، ومن خريجي مدارس
نضالية، أما الأمن الذي نحن بصدده الآن، فهو من ماركة «الفلسطيني الجديد» الذي
أسسه الجنرال دايتون (المصطلح من اختراعه)، واستدعى تشكيله بعد اغتيال عرفات ومجيء
من تآمروا عليه أن يحال إلى التقاعد ما يزيد عن 3000 ضابط لأنهم لا ينسجمون مع
المعيار الجديد الذي لا يرى أن جزءا من مهمة الأمن يتمثل في مقارعة الاحتلال بأي
حال.
هناك بالطبع عمليات إعادة تشكيل الوعي
التي بدأت منذ 10 سنوات عبر إشغال الناس بالمال والأعمال والرواتب، والتي شملت
السيطرة على المساجد والجامعات وكل المؤسسات التي يتسرب منها فكر المقاومة.
هل أدى ذلك إلى تغيير الوعي الفلسطيني
حقا؟ ربما أثر بعض الشيء، لكن المؤكد أن ما نتابعه من احتفال شعبي بعمليات
المقاومة، وانحياز الناس إلى برنامجها كما تابعنا خلال العدوان الأخير على قطاع
غزة يؤكد أن الوضع لا زال يعيش روحية الانفجار، وإن حاصرته أجهزة الأمن بكل ما
أوتيت من قوة.
بل إن بالإمكان القول إن العمليات
الفردية التي تابعناها في الآونة الأخيرة هي نوع من الرد على حالة العجز عن تشكيل
خلايا مسلحة تواجه الاحتلال، وهي الخلايا التي لم تتوقف عمليات إعادة تشكيلها طوال
الوقت، لكنها كانت تضيع بين رحى الاحتلال والسلطة التابعة، ويتحوَّل أعضاؤها إلى
أسرى.
وإذا كان ذلك كله يمنحنا إمكانية القول
إن الوضع برمته يبشر بانتفاضة جديدة، فإن البعد الآخر الخارجي يبدو مختلفا. فعلى
الصعيد العربي لم يسبق أن حظي الكيان الصهيوني بوضع عربي كالذي يتوفر الآن، والسبب
أن من يريد استهداف الشعوب وحريتها بعد موجة ثورات لا بد أن يصالح عدوه، وهو ما
كان، ولا تسأل عمن ينفذ انقلابا ضد إرادة شعبه، ويحظى بدعم الصهاينة، وما يمكن أن
يقدم لهم من ثمنٍ لقاء ذلك.
ولا يتوقف الأمر عند الوضع العربي الذي
سيبذل كا ما في وسعه من أجل لجم خيار الانتفاضة، بل يتجاوزه إلى وضع دولي يدرك
أنها ستخرّب على حربه ضد تنظيم الدولة، وقد يعيد أجواء الثورات إلى المنطقة، بما
يهدد مصالحه، فضلا عن حرمانه الكيان الصهيوني من استثمار الأجواء الجديدة في
المنطقة من أجل فرض ما يريد على صعيد القضية الفلسطينية.
ولأن المعادلة على هذا النحو، فإن مهمة
الشعب الفلسطيني بتفجير انتفاضة جديدة تبدو مقدسة، إذ أنها لن تحول فقط دون تصفية
القضية الفلسطينية، بل ستشكل رافعة للوضع العربي برمته، وستمنح ربيع العرب دفعة
جديدة، لاسيما أن موقف الأنظمة على بؤسه لن يكون هو ذاته، وستضطر تحت وطأة
الجماهير إلى دعم الانتفاضة بدل التآمر عليها. أما مساعي التهدئة الأخير، فلا
ينبغي أن تؤدي إلى تغيير المسار، لأنها محض مهدئات لن تغير في سياسات نتنياهو
وخياراته السياسية.
الدستور، عمان