القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأربعاء 27 تشرين الثاني 2024

أحداث مخيم الحلوة وسبل احتواء الأزمة

أحداث مخيم الحلوة وسبل احتواء الأزمة

بقلم: أحمد الحاج

هي أزمة الواقع الفلسطيني في لبنان، وليس أزمة مخيم عين الحلوة فقط. أن يكون في عام 1950 مدير مدرسة في المخيم (أحمد اليماني) يأبى إلاّ أن يتفوّق تلاميذه اللاجئون، وتحقق مدرسته النجاح الكامل، متجاوزة المدراس اللبنانية. وأن يكون في المخيم مناضل سياسي (جلال كعوش) يموت بين سياط جلاّديه مبتسماً لكي لا يمنحهم متعة صراخه. وفي عقد الثمانينيات يسقط رسام من المخيم (ناجي العلي) مضرجاً بدمائه في شوارع لندن، دون أن تسقط الريشة من بين أصابعه. ثم تظهر في العقدين الأخيرين بعض قيادات تخطب كرؤساءعصابات، وتتصرف كزعماء قتلة. إذا هي أزمة واقع، وأزمة قيادة، وأزمة برنامج، وأزمة مشروع ربّما تصل يوماً إلى أزمة هُويّة إن لم يتم تدارك الوضع.

مخيم عين الحلوة، أو عاصمة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بسبب عدد سكانه الكبير نسبياً (45 ألفاً حسب إحصائيات الأونروا، و70 ألفاً وفق أرقام اللجنة الشعبية)، أكسبته جغرافيته أهمية إضافية، فعلى حدوده تقع تجمعات سنية وشيعية ومسيحية. هو بوّابة الجنوب، وتمرّ بجانبه قوافل اليونيفيل، وفيه قوى إسلامية ووطنية متعددة الاتجاهات والولاءات. لكل هذا هو اليوم في عين العاصفة، وعين الاستخبارات.

قد تغمز عين الاستخبارات لعيون في داخل المخيم، فيعلنون الحرب على التكفيريين. وقد تجد بعض الجماعات ضالّتها في مخيم بعيد عن قبضة السلطة اللبنانية، التي نقضت عهدها مع الفلسطينيين عام 1991 حين تسلّمت السلاح الفلسطيني مقابل إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، لكنها عادت ونكثت وعودها.

قبل يوم واحد من اغتيال العميد طلال الأردني، الذراع اليمنى للمسؤول الفتحاوي محمود عيسى الملقّب بـ "اللينو"، كان الأخير يعلن حربه على ما سمّاهم التكفيريين. ثم يغادر إلى القاهرة، ليحضر حفل زفاف نجل محمد دحلان. لترتفع بعدها التهديدات، والتدخّلات، والاغتيالات.

يخشى سكان المخيم من تكرار تجربة مخيمي نهر البارد واليرموك. وإذا كان لا بدّ من توفّر عوامل داخلية، ومحلية لبنانية، وخارجية إقليمية ودولية لاقتحام المخيم، وإنهائه، فيبدو أن العامل الداخلي الأضعف بعدما فشل، إلى حدّ كبير، في الحفاظ على تماسك المبادرة الفلسطينية لحماية الوجود الفلسطيني (آذار/مارس 2014)، بتوافق كل القوى الفلسطينية المؤثّرة آنذاك، وتبع ذلك بأشهر انتشار حوالي 250 عنصراً من كل القوى في مخيم عين الحلوة.

المسؤول السياسي لحركة (حماس) في مدينة صيدا أبو أحمد فضل وصف في حوار مع "المركز الفلسطيني للإعلام" الأوضاع في مخيم عين الحلوة بقوله "إن الأحداث الأخيرة، وحوادث الاغتيال المتكررة، وأبرزها الأحداث التي جرت في شهر رمضان المبارك، عكست نفسها على أحوال الناس في المخيم، من توتّر، واستنفارات مسلّحة. وبعد الحادثتين الأخيرتين (مقتل طلال الأردني ثم طلال المقدح)، تشنجت الأوضاع في المخيم، وخلت الشوارع من المارّة. ومن المتوقّع أن ينفد مخزون الخبز والأغذية خلال ساعات. المحلات والمؤسسات والمدارس توقفت تماماً، وكذلك معظم المراكز الصحية. فهناك شلل كامل يسود المخيم، وحال من الحذر والترقب. ومن وجد مأوى خارج المخيم لجأ إليه".

واستدرك فضل بقوله "في الوقت نفسه هناك جهود مضنية من الفصائل الفلسطينية، بمختلف مشاربها، إن كان على صعيد المخيم أو لجنة المتابعة العليا الفلسطينية في لبنان، من أجل إيقاف المسلسل الدموي في ظل التربّص الدولي. خاصة ونحن نشعر أن هناك استهدافاً للاجئين، وقضيتهم، إن كان من خلال تصفية بعض المخيمات الفلسطينية، أو إنهاء الأنروا كشاهد على اللجوء. ونحن نعترف أن الحريق في المخيم يشغلنا نسبياً عن مواكبة بعض القضايا الوطنية وما يجري من استهداف للمسجد الأقصى المبارك. مع ذلك، فإننا نلمس تجاوباً من المعنيين في الإشكالات، وتفهماً لضرورة حلّها بعيداً عن لغة السلاح. لا بدّ أحياناً من العض على الجراح إدراكاً للمخاطر المحيطة، ودرءاً لها".

وحول إمكانية أن تجري تصفية للمخيم، يردّ فضل "تجربتا مخيمي نهر البارد واليرموك ما زالتا ماثلتين أمام القوى الفلسطينية ومختلف شرائح شعبنا. ولا حصانة ممنوحة للمخيمات الفلسطينية، ولدى الفصائل كل الإصرار على عدم تكرار ما حدث في هذين المخيمين. وإذا انتهى مخيم عين الحلوة، بما يمثّل من عنوان للتمسّك بحق العودة، فتصبح الطريق سالكة أمام المشاريع الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية. وعلّمتنا التجارب أن أي مخيم يجري تدميره، فإنه لن يُعاد إعماره، ولن ينعم أبناؤه بالعودة إليه".

وفي ردّه على الأصوات التي تنادي بموت مبادرة حماية الوجود الفلسطيني في لبنان يقول المسؤول السياسي لحركة حماس في مدينة صيدا أبو أحمد فضل "إن المبادرة والآليات التي انبثقت منها؛ كاللجنة الأمنية، والقيادة العليا، ما زالت موجودة وصالحة للعمل بها. لكن أحياناً تعصف الأحداث ببعض الإنجازات، فتعود القيادة العليا للفصائل للاجتماع لاستدراك المخاطر، والتصدّي لها. والمبادرة جاءت بعد نقاشات طويلة، لذا فمن الصعب البحث عن بديل لها في ظل هذه الظروف. خاصة أن العلّة في التطبيق أحياناً، وليس في جوهر المبادرة، التي نأمل أن تُطبّق بشكل كامل حتى تستعيد المخيمات أمنها وعافيتها".

حديث العالم عن مخيم عين الحلوة هو حديث عن الأمن، متجاوزاً نسبة البطالة التي تبلغ أكثر من 60%، ونسبة جامعيين لا تتجاوز 5%، واستقالة تامة للدولة اللبنانية من واجباتها تجاه لاجئيها. مع ذلك تبقى ضرورة التحرّك العاجل، واستشعار المسؤولين الفلسطينيين لأخطار قادمة، قد لا تعني الكثير لعالم يشهد احتراق دول بأسرها، لكنها يجب أن تعني الحياة من عدمها لمن تبوّأ المسؤولية من الفلسطينيين.

المصدر: المركز الفلسطيني للإعلام