«أردسطينية».. ما زلت أبحث عن وطن
بقلم: هناء الكحلوت
فتاة أردنية غزّية فلسطينية، أو بالأحرى "أردسطينية
متعددة الجنسية"، بجواز سفر بلا رقم وطني، لكن عندي هوية.. أعيش في عمّان، ويقولون
لي فلسطينية، وعند حديثي عن غزة يقولون: "أنت لست غزّية! أصلك من نعليه"
وغيرهم يقولون "من المجدل" وغيرهم يشرحون ويفسرون كيف كنا ونزحنا، وأين استقرّت
عائلاتنا، وأين خُتم على جوازاتهم وأوراقهم.
يُسهبون في الشرح والتوضيح والتفصيل، وأنا أقف مشدوهة أتأمل
المشهد، ومن فرط لا مبالاتي في كلماتهم لا أفكر فيها، وأعود لأقول لهم: بلا يأس، أنا
من غزة، وفي داخلي انتماء يجتاحني لغزة وأهلها وشعبها، ويسيطر علي حب كبير لهم، لها..
رغم أني لم أزرها، ولم أدخل حتى فلسطين.
لا يهمّني إن كنت من غزة، الخليل، أريحا، حيفا، يافا... ما
يهمّني فعليا هو أنني من فلسطين، وأنني عند عودتي لها لن أسأل إن كنت سأعيش في غزة
أم القدس أم نابلس، فكل أراضيها جنّة وكل سكانها أهلي. قد يبدو للبعض خطابا عاطفيا
وكلاما هامشيا وآمالا وأحلام وصفّ لحروف متكررة لا تسمن ولا تغني من جوع.
ولكني في قرارة نفسي أؤمن وأعلم أن العودة قريبة لا محالة،
وإن النصر حتما سيكون. رغم علمي بأن ما نبذله إزاء تحقيق أحلامنا لا يتعدّى الـ1%،
وأننا نحتاج لشوط طويل حتى نصل، وأن حالنا "يبكّي الحجر"، ولا داعي لعرض
كمّ الاقتحامات والدم والقتل والسفك الذي يجتاح العالم العربي، بل الكرة الأرضية بأكملها،
فالمشهد بات أوضح من أن يوصف، فهو يشرح ذاته بذاته.
بتنا عند تصفحنا لمواقع التواصل الاجتماعي نراها مخضّبة بالدماء،
نهرب للتلفاز منها، لنرى الأخبار أشد وقعا في النفس مما سبق، حتى المسلسلات أضحت تتحدث
عن داعش واليهود، وتدسّ السمّ في الكؤوس، وتصوّر المشهد كما تراه الآلة الإعلامية مناسبا
لها ولتصوراتها، وكما يخدم سوقها ورؤيتها، ونتجرّع الكأس ونحن نعلم مسبقا أننا ستؤذينا
وتشوه ما بداخلنا.
لطالما دعونا أن نكون سببا للنصر المحتوم الذي وعدنا به الله،
ونسعى للخلاص.. لكن ما في وسعنا أن نفعل؟ سؤال يتبادر إلى ذهني كل يوم، عند كل مشهد
يُدمي القلب. بت أرت أن المشاهد تتسابق أيها أكثر ألما وأشد على النفس!
نعم، أبحث عن وطن، أعيش فيه لا يقال لي أردنية أو غزّية أو
فلسطينية أو سورية أو حتّى صومالية! وطن أعيش فيه بكلّي دون أن أشعر بظلم أو فقر أو
عوز أو مقارنة بين أحد وغيره. وطن يساوي بيننا جميعا صغرنا فيه أو كبرنا.
نريد وطنا يحتوي ما فينا، يسعنا، يتمدد لآمالنا وأحلامنا،
ويكبر معنا، لا يتكبّر علينا. وطن نتغلغل بداخله كما يتغلغل فينا، يبادلنا الحب بحب،
والرغبة بالقرب بقرب، وطن يشدنا إليه حين نفتر، ويصلنا حين نبتعد، وطن كأمّ. كأمّ لا
أكثر.. هل ذلك بكثير؟
المصدر: العربي21