صحف فلسطينية قبل النكبة.. شاهد على هوية الفلسطينيين
نبيل السهلي
في الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون الذكرى
الرابعة والسبعين للنكبة الكبرى (1948- 2022)؛ وتحاول إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة
الأمريكية تغييب الأونروا وتالياً الشاهد الدولي على نكبة الفلسطينيين الكبرى عام
1948؛ والمسؤولية البريطانية الغربية وإسرائيل عن بروزها؛ أعلنت الوكالة الدولية في
آذار/ مارس المنصرم عن انتهائها من مشروع تجميع أرشيف ومعلومات ضخم ورقمنته؛ أي تحويله
إلى صورة و"ديجتال" تستطيع أجهزة الكمبيوتر التعامل معها؛ والهدف من تلك
العملية التي استغرقت مدة ثلاثة عشر عاماً ( 2009- 2022)؛ استحضار ذاكرة اللاجئين حول
نكبتهم وتفاصيل الحياة في فلسطين قبل ذلك؛ والمشفوعة بوثائق؛ ككواشين ملكياتهم والضرائب
المجباة المستحقة عليهم والصحف والدوريات؛ التي كانت تصدر بشكل يومي أو دوري في الوطن
الفلسطيني.
أرشيف ثري
زرت خلال عقد التسعينيات أكثر من مرة مركز
التطوير في الأونروا في دمشق؛ والذي كان مقره في منطقة الحجر الأسود إلى الجنوب الغربي
من مخيم اليرموك، وقد ساعدني المشرف على قسم التوثيق والمكتبة الأستاذ الباحث كمال
جبر الذي يقيم في السويد حالياً، واستطعت تصوير عشرات الوثائق الفلسطينية والاحتفاظ
بها في بيتي الكائن في مخيم اليرموك حتى عام 2012، وقد تضمنت صور كواشين ملكية للاجئين
الفلسطينيين في سوريا تؤكد امتلاكهم لعقارات وأراضي في فلسطين وكذلك وثائق ضريبية عن
الممتلكات، فضلا عن صور لصحف ودوريات كانت تصدر في فلسطين قبل نكبة عام 1948، وتمّ
الحصول على تلك الوثائق من خلال حملة قامت فيها الأونروا في 120 مدرسة لجمع آلاف الوثائق
من ذرية اللاجئين وتجميعها في مركز التطوير؛ وقد تكون الأونروا عممت فكرتها المذكور
في مناطق عملياتها الخمسة للحصول على مزيد من الوثائق لإضافتها إلى أرشيف الأونروا
الخاص بها من الصور والمقتنيات التي تؤرخ لقضية اللاجئين الفلسطينيين والنكبة الكبرى.
وطبعا لنشاطها باتت الأونروا تمتلك أرشيفاً
ضخماً سمعياً وبصرياً، يضم أكثر من نصف مليون مادة من صور "النيجاتيف" والصور
المطبوعة والشرائح المصورة والأفلام وأشرطة الفيديو التي تغطي جوانب الحياة الاجتماعية
والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين من الرجال والنساء والأطفال داخل المخيمات والتجمعات
التي انتشرت في المنطقة العربية، وذلك منذ بدايات النكبة الفلسطينية سنة 1948.
وثيقة عثمانية لكواشين ملكيات فلسطينيين لأراض في وطنهم فلسطين
وبشكل عام استطاعت الأونروا من جمع وتوثيق
(430) ألف صورة فوتوغرافية، وكذلك عشرة آلاف صورة مطبوعة، إلى جانب صناعة (85) ألف
شريحة عرض وخمسة وسبعين فيلما وثائقيا، فضلاً عن (1190) شريط فيديو، وقامت الأمم المتحدة
للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" خلال عام 2009، بإدراج توثيق الأونروا
للاجئين ونكبتهم وحياتهم في المخيمات ضمن ذاكرة العالم في اعتراف أممي بقيمته التاريخية.
وبغرض الحفاظ على كافة الوثائق من التلف عبر الوقت، قامت وكالة "الأونروا"
بإنجاز مشروع الرقمنة (الديجيتال) والإعلان عنه مطلع آذار 2022، ليس فقط لإنقاذ المواد
الموثقة والمؤرشفة بشكل علمي، بل لكونه مصدرا مهما يؤرخ لتاريخ فلسطين ونكبة عام
1948 وحياة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات التي كانت وماتزال خزان للثورة المستمرة
حتى العودة إلى الوطن.
يذكر أنه تمّ طرد (850) الف فلسطيني من
وطنهم عام 1948، كانوا يشكلون آنذاك (61) في المائة من إجمالي مجموع الشعب الفلسطيني
والمقدر بنحو مليون وأربعمائة ألف فلسطيني خلال العام المذكور، ليتجاوز عدد اللاجئين
الفلسطينيين أكثر من ستة ملايين ونصف المليون لاجئ خلال العام الحالي 2022.
مواجهة زيف الرواية الإسرائيلية
إضافة إلى عملية توثيق الأونروا المهمة،
يجب تبادل الخبرات التي قامت بنفس العملية التوثيقية لتاريخ فلسطين وتداعيات النكبة
وحياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، سواء أكان من قبل مؤسسات وجامعات فلسطينية
كجامعة بير زيت والجامعة الإسلامية في قطاع غزة؛ وكذلك مؤسسة الدراسات الفلسطينية في
بيروت ومتاحف خاصة، مثل متحف الراحل محمود دكور في مدينة صور بالقرب من مخيم برج الشمالي،
فضلاً عن متاحف خاصة أخرى داخل فلسطين وخارجه.
وكانت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت
اقامت معرضاً عام 2018 بعنوان "النكبة.. على طريق العودة"، بمناسبة مرور
سبعين عاماً على النكبة. وضم المعرض أرشيف المؤسسة التي أٌنشئت عام 1963، بهدف
"استعادة حيثيات النكبة التي ألمت بشعب امتلك تراثاً تاريخياً غنياً وعرف، قبل
وقوعها، حياة اجتماعية مفعمة بالحيوية، وإلقاء الضوء على نضال الشعب الفلسطيني المستمر
على طريق العودة عبر اطلاع الجمهور على مختارات تربط الماضي بالحاضر وتبرز ما يحويه
هذا الأرشيف من صور فوتوغرافية، وأوراق خاصة، وملصقات، وخرائط، وكتب نادرة، وأفلام
وثائقية، مع عرض صور عن نكبة 1948".
كما تضمن الأرشيف قرابة العشرة آلاف صورة
منها مجموعة "متحف الحرب البريطاني"، وأخرى من "الأونروا"، وهي
تؤرخ باللقطات لحظات اللجوء الأولى ومدارس الأونروا ومواكبتها للخارجين من بيوتهم منذ
كانوا لا يزالون يقيمون في الخيام. وهناك مجموعة منظمة التحرير التي تنطوي على صور
لمقاتلين ولقطات من معارك، ومجموعة أخرى للمصور الأمريكي إريك مدسون.
والأهم من ذلك تتطلب الضرورة العمل على
جبهة واحدة لجهة "رقمنة" كافة عمليات التوثيق وجعلها "ديجتال"
والاحتفاظ بها وبمجملها عبر التنسيق؛ بمراكز بحث فلسطينية كمركز الأبحاث الفلسطينية
في رام الله والجامعات الفلسطينية؛ حيث يعتبر ذلك جزءا من التاريخ الحقيقي للشعب الفلسطيني
وهويته الوطنية؛ فضلاً عن كون ذلك يمثل الرواية الفلسطينية في مواجهة الرواية الصهيونية-الإسرائيلية
حول احتلال فلسطين ونكبة فلسطين وتهجير غالبية الفلسطينيين عبر المجازر الإسرائيلية
المرتكبة بحقهم، وسيعزز التوجه المذكور تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية من تركيا قبل
عدة سنوات كافة الوثائق العثمانية حول فلسطين .
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا