أزمة (الأونروا):
أسباب وحلول
بقلم: أيمن أبو
ناهية
إن أزمة (الأونروا) المالية
ليست حديثة ولا طارئة، فبمراجعة بسيطة لتقاريرها يظهر التراجع المتواصل منذ نحو عشرين
عامًا، وتحديدًا بعد اتفاق (أوسلو)، ولكنها كانت تتعايش معه دون أي تأثير على الخدمات
الأساسية، وذلك بتقليص النفقات على البرامج غير المهمة والحد من المصروفات الثانوية،
كشراء الأثاث والحواسيب، وتقليص معدلات السفر إلى الخارج، وتجميد التوظيف في مؤسسات
الوكالة بضعة أشهر إلى حين بدء موازنة العام الجديد، بجانب تكثيف الاتصالات والجهود
مع الدول المانحة لتساهم في سد العجز فور حدوثه، وكل ذلك يكون على قاعدة "تقديم
خدمة أقل جودة أفضل من عدم تقديم خدمة على الإطلاق".
ولعل أهم أسباب الأزمة المالية
التي تعاني منها وكالة الغوث هو الفساد المالي وهدر الأموال بمبالغ طائلة، وتحديدًا
في السنوات الخمس الأخيرة، وعلى سبيل المثال: هناك مشروعان نفذتهما الوكالة في المدة
الماضية تسببا بهدر نحو 100 مليون دولار، في الوقت الذي أعلنت فيه الوكالة وجود عجز
مالي في موازنتها العامة يقدر بنحو 101 مليون دولار.
يتعلق المشروع الأول بمبادرة
التطوير الإداري، وكلّف مبلغًا يقدّر بنحو 50 مليون دولار، حصلت عليه شركة بريطانية
مقرها في سويسرا، كان صاحبها صديق المفوض العام السابق فليبو، ونتيجة لبرنامج التطوير
الإداري ألغيت المركزية في التحكم، الأمر الذي تسبب في العديد من المشاكل الإدارية،
بعدما أصبح لكل مدير عمليات في المناطق الخمس إمكانية اتخاذ قراراته الإدارية الخاصة
به دون التنسيق مع باقي الإدارات، وأصبحت كل منطقة تدير موازنتها الخاصة، الأمر الذي
منع تحويل الفائض في إحدى المناطق إلى منطقة أخرى لديها عجز مالي.
أما المشروع الثاني فيتعلق
بإيجاد نظام محوسب جديد كلف قرابة 50 مليون دولار، مع أن (الأونروا) ليست بحاجة له،
في ظل وجود نظام محوسب يؤدي الغرض دون معيقات ومشاكل تذكر، ولكن أموال المشروع هدرت
على حساب تقديم خدمات الصحة والتعليم والخدمات الإغاثية.
ويحتاج المشروع لنحو سبعة
ملايين دولار سنويًّا كمصاريف تحديث وصيانة دورية للبرنامج، مع العلم أن الذي نفذ المشروع
شركة إيطالية من جنسية المفوض العام السابق، وفي المشروع نفسه يعمل مستشارون وخبراء
يتقاضون رواتب مرتفعة جدًّا، حتى إن منهم من يحصل على 1500 دولار يوميًّا، وذلك مقابل
خدمات يقول عنها نظراؤه من العاملين في المشروع نفسه: "إنها لا تستحق هذا الأجر".
وإضافة إلى ما سبق هناك
هدر أموال في أمور ثانوية غير ضرورية، كالحراسات الشخصية وبرامج التدريب الخاصة بها،
وتكاليف السيارات وما تحتاج له من صيانة دورية ووقود دوري، بجانب ارتفاع كلفة سيارات
الدفع الرباعي المصفحة جيدًا ضد عمليات إطلاق النار، فتبلغ كلفة السيارة الواحدة المصفحة
نحو 230 ألف دولار.
وعلى إثره برز هذا التراجع
أكثر ما برز في إلغاء برامج كاملة، أو الاستعاضة عنها بتدخلات طارئة، وتقليص خدمات
أساسية نوعًا وكمًّا، ووقف التوظيف واستبدال تعاقدات سنوية به، واعتماد التدخلات الطارئة
نهجًا وسياسة، واستثناء قطاعات من اللاجئين من إمكانية الانتفاع بخدمات (الأونروا)
بموجب معايير تمييزية، وبروز توجهات مشبوهة إلى توكيل أطراف وشركات متعاقدين في الباطن
بتقديم الخدمات للاجئين تمهيدًا لبيعها لهم.
ولا يرجع تراجع أو بطء ومماطلة
الدول الممولة لوكالة الغوث لدواعٍ اقتصادية، بل أرادت ربط المساهمات بشروط سياسية
وبرامجية غير مرتبطة بالأزمة الاقتصادية العالمية، فالتراجع قد بدأ قبلها بعقدين، ويلحظ
أن تراجع مساهمات أكبر الممولين الثلاث (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكندا)
كان مطردًا، ومرتبطًا بشروط أثّرت جوهريًّا في مستوى خدمات (الأونروا) وبرامجها.
وقد ترافق ذلك _على سبيل
المثال_ ووقف برنامج الإغاثة العام بحجة أن الدول المانحة للسلطة الفلسطينية هي نفسها
التي تمول (الأونروا)، وأن المنتفعين من (الأونروا) هم أنفسهم المنتفعون من المنح المقدمة
للسلطة الفلسطينية، كما ترافق هو وتراجع المساهمات الأمريكية مع سن مشروع قانون أمريكي
لتعديل تعريف اللاجئ الفلسطيني، الذي بموجبه يقصر انطباق صفة "لاجئ" على
الشخص الذي هجر عام 1948م دون نسله، أو كما في اشتراط كندا إنفاق تبرعاتها على برامج
محددة، مثل برنامج بناء السلام الذي طبق في نهاية التسعينيات، وبرامج ترويج حقوق الإنسان
والترفيه.
إن الخطورة في الأزمة الحالية
أنها تمس قطاع التعليم، الذي يخدم نحو نصف مليون تلميذ، ويوظف أكثر من اثنين وعشرين
ألفًا من المدرسين، ويشكل 54% من إجمالي البرامج والأنشطة التي تقدمها الوكالة، التي
تصرف نحو 18% من موازنتها لدعم البرامج الصحية والعيادات التابعة لها، و10% على برامج
الإغاثة والخدمات الاجتماعية، و18% لمصاريف المفوض العام والنفقات التشغيلية للمكاتب
المساندة.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ
بالنتائج المترتبة على إلغاء دور الوكالة في مناطق العمليات الخمس (الأردن، وسورية،
ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة)، ولكن الأمور ستكون كارثية وستؤدي إلى انفجار شعبي
واجتماعي على مختلف الأصعدة في مختلف مناطق وجود اللاجئين الفلسطينيين، إذا ما قلصت
بعض الخدمات أو ألغي بعضها الآخر، أو فرض واقع جديد متعمد غير مرض لحق اللاجئين، والنيل
من قضيتهم العادلة بقصد إزلالهم لتخليهم عن حقهم الإنساني، وهو إما استمرار الوكالة
في تقديم المساعدات الإغاثية التي تعهدت بها، أو عودتهم إلى ديارهم التي هجروا منها.
المصدر: فلسطين أون لاين