القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الخميس 28 تشرين الثاني 2024

أطفال غزة يموتون.. من يهتم؟

أطفال غزة يموتون.. من يهتم؟

بقلم: نجلاء شاوا

في قطاع غزة ينحصر النشاط اليومي للعائلات في تأمين الاحتياجات الأساسية من الطاقة والكهرباء وترشيد استخدامها ما أمكن، وهو الترشيد والاقتصاد الذي لا تسلم منه حتى تلك الأسر المصنفة بالمحظوظة والتي لم تتعرض بيوتها للتدمير إبان الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، أو التي تملك بعض المال لدفع ثمن الطاقة المتضخم بسبب كثرة الوسطاء والمتدخلين، فالتيار الكهربائي ينقطع في اليوم لما يقارب 18 ساعة كاملة، وما أن يعود مجدداً حتى يُهرع الناس لإعادة شحن البطاريات، وتسخين المياه، والتحقق من مستوى الوقود في المولدات الكهربائية، وأيضاً مستواه في السيارات وغير ذلك، أما عندما تنقطع الكهرباء فينصرف البحث عن وسائل أخرى لتأمين الدفء الضروري للبقاء على قيد الحياة، وكذا للحصول على ما يلزم لممارسة الأنشطة الاعتيادية من الطبخ في المنازل إلى العمل في المكاتب.

هذه المعاناة تجسدها أكثر من أسرة في غزة من بينها أنا وزوجي، حيث اضطررنا للانتظار لعدة أسابيع لملء أسطوانات الغاز، فبالنظر إلى مظاهر انعدام الأمن في غزة كنا نفضل الحصول على أسطوانات إضافية كاحتياط، لكن الموزعين لم يكترثوا لطلبنا بسبب العدد المحدود من الأسطوانات الذي تسمح إسرائيل بمروره إلى القطاع، وهو ما يدفعنا للانتظار في قوائم طويلة حتى يصل دورنا، وحتى قبل موجة البرد والصقيع الحالية وغير المسبوقة في تاريخ القطاع كنا نجهد أنفسنا لتأمين احتياجاتنا والحصول على الوقود الضروري لإبقاء ابنتنا حديثة الولادة دافئة. لكن هذا الجهد لا يكلل بالنجاح بالنسبة لجميع الأسر في قطاع غزة فقد آلمنا كثيراً وفطر قلوبنا ما سمعناه من معاناة العائلات لتدفئة أبنائهم، فبعد خمسة أشهر على وقف إطلاق النار الذي أنهى الهجوم الإسرائيلي على غزة والذي دام 50 يوماً، مازال يقيم أكثر من 100 ألف شخص في المدارس التابعة للأمم المتحدة، أو يتدبرون أمرهم في بيوت شبه مدمرة، وفيما كنا نعتقد أن الأمور لن تكون أسوأ مما كانت عليه أثناء الحرب، بتنا اليوم على يقين أنها أسوأ من ذلك بكثير.

فالآلاف من الأسر تكابد البرد القارس الناجم عن عاصفة «هدى» الثلجية التي ضربت سواحل قطاع غزة لتهوي بدرجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وفي منطقة معروفة عادة بطقسها المعتدل جاء البرد فيما كان الآلاف من الناس في وضعية نزوح عن بيوتهم سواء في غزة، أو سوريا، وفي اليوم الثاني على هبوب العاصفة سمعنا أخباراً مفجعة عن موت الأطفال بسبب قساوة البرد وانخفاض الحرارة، ومن هؤلاء رهف أبوعاصي من خان يونس التي كانت في غرفة اعتُقد أنها الأكثر دفئاً في بيت العائلة الذي بالكاد يتوفر على سقف، إلا أنه تفقدت الأم رضيعتها وجدتها في حالة سيئة وتعاني من صعوبات في التنفس، وحتى بعد نقلها للمستشفى لم تتمكن الطفلة من النجاة، حيث تسبب البرد الشديد في سد الشعب الهوائية في صدرها. ولم تكن رهف الوحيدة التي قضت بفعل البرد وانعدام الإمكانات الضرورية لتوفير الدفء، بل فقد حياتهم ثلاثة أطفال آخرون على الأقل، وفيما تفضل إسرائيل إلقاء اللوم على «حماس» وتحميلها مسؤولية المعاناة التي يقاسيها سكان غزة، إلا أننا نحن المواطنين في القطاع نلوم إسرائيل والمجتمع الدولي الذي نسي نضالنا من أجل الحرية.

فقطاع غزة الضيق يتكدس بداخله 1.8 مليون نسمة محشورين في إحدى المناطق الأكثر كثافة على وجه البسيطة، والأكثر من ذلك يخضع القطاع لمقاربة إسرائيلية كاملة وحصار شامل يتحكم في الاقتصاد والموارد الطبيعية والاتصالات، كما تمنع إسرائيل الغالبية العظمى من سكان القطاع من السفر إلى الخارج، وعلى مدى السنوات الست الأخيرة واجه سكان القطاع الذين يعتبرون في أغلبهم لاجئين فقدوا بيوتهم وأراضيهم التي كانوا يقيمون فيها داخل إسرائيل، ثلاثة اعتداءات إسرائيلية أنهكت قواهم ودمرت منازلهم، حيث سقط في الأولى بين 2008 و2009 ما يزيد على 1391 قتيلاً، وفي العدوان الثاني خلال 2012 سقط 167 فلسطينياً، أما الأخير والأكثر دموية فحدث في صيف 2014، ملحقاً دماراً واسعاً في البنى التحتية والمدارس والمستشفيات، وسقط خلاله 2139 قتيلا، أكثر من 500 منهم كانوا أطفالاً.

ورغم الحديث المتكرر عن إعادة الإعمار تحولت العبارة إلى ما يشبه الوعود الزائفة التي لم يتحقق منها حتى الآن الشيء الكثير، كما أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته الأمم المتحدة لم يخفف قيد أنملة معاناة الفلسطينيين مع الحصار الإسرائيلي الخانق إلى درجة أن البعض صار يتهم الأمم المتحدة بتسهيل الحصار بدل تخفيفه.

* كاتبة فلسطينية من قطاع غزة

المصدر: الاتحاد