أكاديمية دراسات اللاجئين : صرح علمي.. ومولود طبيعي لتطور العقل الجمعي الفلسطيني
بقلم: فايز أبو عيد
شهدت القضية الفلسطينية مفاصل تاريخية متعددة من الصراع مع عدو شرس وصعب المراس، سخّر كل المقدرات الممكنة والمتاحة له لتكريس دولة لقيطة أسماها "إسرائيل". ومع تنامي الوعي الجمعي لدى الفلسطينيين، وإدراكهم لأهمية تطوير أدوات النضال، في مواجهة عدو لا يفهم إلا لغة القوة، ولأنها حرب حضارية وثقافية وحرب وجود أو لا وجود، لهذا كله كان لزاماً على الفلسطينيين والعرب مقاومة الكيان الصهيوني ومجابهته ليس بالسلاح فقط وإنما بابتداع أساليب وأنواع أخرى للمقاومة لكشف زيفه وتحريفه للحقائق والتاريخ، لذلك ظهرت "أكاديمية دراسات اللاجئين"، كنتيجة طبيعية لهذا التطور في الوعي، وكصرح علمي فريد من نوعه في هذا المجال، فهذه الأكاديمية التي مقرها البحرين ومسجلة في بريطانيا أطلقت "دبلوم دراسات اللاجئين" بالتعاون مع الجامعة الآسيوية المفتوحة في ماليزيا، حيث يعد هذا الدبلوم برنامجًا أكاديميًا تم تصميمه بعناية، بمشاركة فريق من المختصين، مدته حوالي ستة أشهر، ويعتمد نمط التعليم عن بعد أو الفصول الافتراضية عبر الإنترنت، الأمر الذي يوفر قدراً من المرونة للطلاب والمحاضرين الذين ينتمون إلى مناطق جغرافية متنوعة، حيث يقدر عدد الدارسين فيه حوالي 288 طالباً من مختلف أماكن اللجوء والشتات الفلسطيني من أوروبا ودول الخليج والأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة ومن كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية الموجودة في بقاع العالم.
ويتناول الفصلين العديد من المحاور كقضيتي اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة من الجوانب القانونية والسياسية والشرعية، وواقع الأونروا كوكالة دولية معنية بأوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وأدب العودة والتراث الشعبي، وغيرها.
حاجة ماسة وملحة
وعن فكرة إنشاء هذه الأكاديمية وجدواها وما يمكن أن تقدمه قال د. محمد ياسر عمرو مدير الأكاديمية " أنه وبعد اثنتين وستين سنة من النكبة غدت الحاجة ماسة وملحة إلى تحصيل مستوى من الثقافة العامة في موضوع اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المغتصبة، وعلى رأسها حق العودة، فكانت هذه الأكاديمية بمشاريعها المختلفة وعلى رأسها مشروع دبلوم دراسات اللاجئين الفلسطينيين"، وأردف د. محمد أن هذه الأكاديمية تأسست سنة 2010 في العاصمة البريطانية لندن، لتطلع برسالة أكاديمية سامية موجهة نحو قضية سامية وإنسانية بامتياز، قضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي تعتبر بمثابة عقل وروح القضية الفلسطينية، لأن الكيان المغتصب أسس بنيانه على حقوق اللاجئين، ولأنه رفع قواعده على أطلال من ذبح واقتلع وشرد من اللاجئين الفلسطينيين، أملا منه أن يموت الكبار وينسى الصغار، فكانت هذه الأكاديمية لتمثل نقلة نوعية في التعاطي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، لتنقلها من جانب الذكريات والماضي إلى تأصيل أكاديمي يدرسه الدارسون وفق أسس علمية ومعايير أكاديمية، وستعمل على تخريج المئات من أبناء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم ليقفوا على حقيقة قضية اللاجئ الفلسطيني، هذا وعملت الأكاديمية على طرح برامجها التعليمية تحت مظلة الجامعة الآسيوية في ماليزيا، التي منحت الأكاديمية الاعتراف ببرامجها، ومنحتها كل التسهيلات الممكنة مشكورة على ذلك.
خطوة على الطريق الصحيح
بينما رأى أحمد حسين المدير التنفيذي لتجمع (واجب) وراعي برنامج الأكاديمية في سورية أن خطوة إنشاء صرح علمي يُعنى بتدريس قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل علمي ومنهجي هو خطوة على الطريق الصحيح لأنها تعمل على تشكيل حالة نهوض في الوعي بقضية اللاجئين الفلسطينيي وهي فرصة مميزة للشباب الفلسطيني لرفع كفاءتهم المهنية والعلمية كما أنها تقوي ثقافتهم بقضيتهم وإدراكهم لحقوقهم، فهي تنمية مهنية وثقافية لأبناء المخيمات الفلسطينية في الداخل والشتات.
تمهد لعقلية منهجية جديدة وواعية
واعتبر الصحفي الفلسطيني غسان أبو حبل وهو طالب في دبلوم دراسات اللاجئين أن أكاديمية دراسات اللاجئين الفلسطينيين تسهم في التطوير والاستثمار في العقل الفلسطيني، في سبيل تأصيل الوعي بالقضية الفلسطينية، وما تواجهه من تحديات على صعد مختلفة، وهذا يمهد لعقلية منهجية جديدة وواعية، تعتمد الأسلوب العلمي والموضوعي في تشخيص الأسباب التي تدفع بالقضية في الاتجاهات التي تسير فيها، وبالتالي إمكانية التحكم الواعي في مآل القضية، ومعرفة كيفية مواجهة العدو سواء بشكل مباشر، أو أمام المحافل الدولية، والأهم من ذلك معرفة ماذا نريد نحن كفلسطينيين، وما هي الأدوات المناسبة في مواجهة العدو، وأضاف أبو حبل :"إن أهم ما يمكن أن تقدمه الأكاديمية هو المساهمة في تشكيل إدراكنا لقدراتنا الكامنة، وفهمنا العميق لعدالة قضيتنا، ولماذا هي عادلة، لأنه لم يعد يكفي أن أقول أن من حقي العودة إلى فلسطين، الأهم من ذلك هو "لماذا أنا أمتلك الحق بالعودة لفلسطين"، هنا تكمن المسألة، وهنا يتحقق اليقين الذي يمكن من خلاله أن ننطلق بثبات، كمدافعين شرسين، في مواجهة عدو، لم يتوانى يوما عن تزوير الحقيقة، في ظل غيابنا الطويل عن ساحة الحقيقة.
منارة لبث روح حق العودة
بدورها اعتبرت أسماء تيسير السعدي لاجئة فلسطينية من قضاء عكا تقطن في حي القدم بريف دمشق، وهي من الذين كانت لديهم الرغبة والاندفاع والحماسة الشديدة للتسجيل في أكاديمية دراسات اللاجئين، أن لكل إنسان عاطفته المغروسة فيه، وقد فطرنا الله عز وجل على حب الوطن وحب الأرض، ونحن كلاجئين في المهجر تتوق قلوبنا للعودة في زمن أصبحت فيه قضية العودة واللاجئين طي النسيان، وبعد تعاقب ثلاثة أجيال بعد جيل النكبة يأتي جيلنا ليحي هذه القضية، ومن أجل ذلك كانت أكاديمية دراسات منارة لبث روح حق العودة والمطالبة به، ونبعاً نستقي منه الحقائق والمعلومات التي غُيبت عن أذهاننا عبر السنوات، فأتاحت لجميع أطياف الشعب الفلسطيني أن يستنير أكثر ليشعر بالقوة والثقة حين يتكلم ويدافع عن جوهر القضية الفلسطينية وهو قضية حق العودة.
تعطي المعلومة بشكل منهجي وأكاديمي
أما عن سبب اختيار الدراسة في دبلوم دراسات اللاجئين والفائدة المرجوة منها بالنسبة للاجئ الفلسطيني فقد قال نضال المشني وهو من خريجي الدفعة الأولى من الأكاديمية " إن السبب الرئيسي الذي دفعني وشجعني على التسجيل هو نقص المعلومة لدي وأردت أن أعرف كل شيء عن قضية اللاجئين لأكون مدافعاً جيداً عن حقي في العودة إلى دياري"، وتابع المشني بالنسبة للمواضيع والمواد التي تتناولها هي مواد شيقة ومفيدة حيث تعطي المعلومة بشكل منهجي وأكاديمي وتعريفي بالنكبة وما رافقها من مآسي والوضع الذي آل إليه اللاجئون الفلسطينيون ومعاناتهم المستمرة في شتى النواحي الحياتية والمعاشية والاقتصادية والقانونية في المخيمات التي تأويهم". وأضاف لقد حصلت على الدبلوم وبكل اعتزاز من الأكاديمية في دفعته الأولى أنا ومجموعتي فقد كنا من أول المتقدمين والخريجين ففي طيلة فترة الدبلوم عملنا على البحث والدراسة عن وضع الفلسطيني اللاجئ وعرفنا الكثير عنهم وما زلت أتناول وبدقة أي موضوع يخص اللاجئين لعلي أستطيع المساهمة في رسم طريق العودة.
فكرة رائدة يجب تعميمها على القضايا الفلسطينية المركزية
من جهته رأى وائل عبد الحميد المبحوح وهو فلسطيني من قطاع غزة يدرس في دبلوم اللاجئين أن الأكاديمية فكرة رائدة في إنشائها لأنها تهدف إلى تخريج مجموعات خبيرة في الدفاع عن حق العودة بشكل أكاديمي يمكن من خلاله مقارعة الآخرين بالحجة والبراهين والدلائل العلمية والمنهجية، وأضاف المبحوح أنه من الأفضل لو عممت مثل هذه الفكرة على القضايا الفلسطينية المركزية الأخرى وأعني بذلك القدس والاستيطان وغيرها من القضايا التي تمس بجوهر قضيتنا الفلسطينية.
حبذا لو كان للأكاديمية فروع أخرى
وشدد موسى محمود كراعين لاجئ فلسطيني يقيم في الأردن على أن تأسيس الأكاديمية فكرة رائدة، وخطوة في الاتجاه الصحيح نحو الوصول للوعي الثقافي والتاريخي للقضية الفلسطينية من قبل أبنائها، وإن كانت متأخرة بعض الشيء، وأضاف أستطيع أن أؤكد أنني أصبحت أكثر فهماً وإدراكاً للأحداث التي حصلت في تاريخ فلسطين، وأكثر قدرة على الدفاع عن حقوقي كلاجئ بعد أن اطلعت في الأكاديمية على أحداث الصراع الدائرة حول القضية واللاجئين وحقوقهم، وأتمنى لو يتم التوّسع في هذه التجربة لتشمل قطاعات أوسع من أبناء اللاجئين والمتضامنين معهم من العرب والمسلمين وغيرهم، ويا حبذا لو كان للأكاديمية فروع أخرى في بعض الدول، وأن تكون هناك نشاطات وفعاليات متنوعة لجميع أفراد العائلة.
إعادة الوعي الجمعي لدى المجتمع الفلسطيني
أيهم السهلي صحفي فلسطيني مقيم في سورية رأى أن الأكاديمية ودبلومها الخاص باللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم، مهم للحد الذي إن لم يكن هناك كادر فلسطيني مهيأ للتكلم عن حقه بأسلوب عالمي وعلمي، فإن حقوقه والعودة خاصة أصبحت في خطر أكبر مما هي عليه الآن من جراء تراكمات السنين في التلاعب في هذا الحق. فالمسارات التي نتلقاها في المحاضرات جعلتني أعرف تفسير عدد من المصطلحات التي نطلقها عادة بحكم تكرار الديباجة حين ذكر حق العودة واللاجئين.
فالأكاديمية بعد أن تخرج عددا من المؤهلين علميا ـ وهذه إحدى مثالب العمل في الساحة الفلسطينية ـ سيكون بمتناول أيدينا على الأقل من بإمكانهم أن يعملوا ضمن المجتمع على إعادة الوعي الجمعي لدى المجتمع الفلسطيني في الشتات كي يدرك حقوقه ويعمل لأجلها بشكل جماعي حسب موقع كل لاجئ وخبراته (كل أفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم)، وسيكون على عاتق مؤسسات حق العودة الكثيرة العمل في هذا المضمار مستفيدة من الكادر المؤهل لهذا العمل بعدة أساليب ".
المصدر: تجمع واجب