ألغام جبريل «تزنـّر» هيئة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني
بقلم: باسمة عطوي
حين طرح في جلسة هيئة الحوار الاخيرة ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، وضرورة تنفيذ القرارات الصادرة وتفعيل لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، بادر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الى القول بـ"ضرورة تدعيم هذه اللجنة بغطاء سياسي"، ما يعني ان معالجة هذا الملف تبدأ بالشق السياسي أساسا لتمتد الى الشق التقني وليس العكس وهذا ما ثبت بالتجربة.
قبل ذلك كان الاهتمام بالملف الفلسطيني يتصاعد ويخبو تبعا للحسابات الخاصة للفرقاء اللبنانيين والاقليميين المعنيين بهذا الملف وتحديدا بند السلاح الفلسطيني. أما وقد تمت إعادة طرحه من جديد، فإن كلام رئيس الجمهورية يبيح السؤال عما إذا كانت هناك نية حقا لدى القوى السياسية المشاركة في هيئة الحوار (لا سيما حلفاء النظام السوري) في المساعدة في حل هذا الملف، الذي لا يتطلب فقط "الخدمة الاستشارية" التي تقدمها لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني، بل أيضا حكومة فاعلة، ليس لديها النية في "النأي بنفسها" عن معالجة هذا الملف الشائك على غرار ما تفعل في الملفات الشائكة الاخرى، خصوصاً أن الرد لم يتأخر على لسان الامين العام للجبهة الشعبية أحمد جبريل الذي ربط سلاحه بالدفاع عن النظام السوري و"حزب الله".
النظرة الى طبيعة العلاقة اللبنانية الفلسطينية على مدى ستين عاماً، تُظهر أن المعالجة لا يمكن ان تكون فقط تقنية، بل ان تكون هناك نوايا سياسية صادقة لمعالجة هذا القرار، خصوصا ان العلاقة بين الطرفين كانت على مدى العقود الماضية علاقة قلقة ومتفاوتة، ولا يمكن حلها في الجانب الامني فقط بل بحزمة من الاجراءات والقوانين. علما ان أسلوب التعامل بين الطرفين له اعتبارات أبرزها الاعتبار الديني والاقتصادي والامني والسياسي على السواء.
في السياق التاريخي لهذه العلاقة كان هناك غياب للمرجعية الفلسطينية، وتأثيرها في محطات مفصلية عدة عاشها اللبنانيون والفلسطينيون معا (أبرزها حرب المخيمات وما نتج عنها من بؤر أمنية في عين الحلوة وشاتيلا والبارد والبداوي). ما يعني ان العلاقة مرت بمطبات، واكثر من مرة حاولت الدولة اللبنانية، بسلطاتها ومؤسساتها المعنية، وضع الملف الفلسطيني على بساط البحث، من دون التوصل الى نتائج كافية ونهائية.
كل ما سبق يدفع الى التساؤل عما إذا كان القرار المتخذ بإحياء لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، نابع من يقين بأن الملف الفلسطيني شائك ومحفوف بمخاطر الانفجار الأمني والانساني على السواء، وبالتالي قد تكون لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، الكيان المعنوي الصالح للعب دور في فك ألغام هذا الملف وتداعياته على الساحة اللبنانية من خلال ثلاثة عناوين، معالجة الحقوق المدنية والسلاح خارج المخيمات وداخله، وإتمام المرحلة الثانية من إعمار نهر البارد. كما يبرز السؤال عما إذا كان هذا الامر ممكناً في ظل طاولة حوار لم تتمكن الى الآن من ترجمة الخيارات التي تم الاتفاق عليها من جهة، وفي ظل وجود حكومة متشظية سياسيا، ومتباينة الآراء حول طرق المعالجة في ملفات عدة. وبالتالي ما هي الضمانات التي تبعد لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني عن أن تكون أرضاً خصبة لظهور هذه التباينات؟
لا شك في أن تأسيس لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في العام 2005، كان من أهم المداميك التي وضعت لتقويم العلاقة الشائكة بين اللبنانيين والفلسطينيين. يومها رأس اللجنة السفير خليل مكاوي، وكانت مهمتها تحسين الاوضاع الانسانية والاجتماعية في المخيمات، وإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات بناء على مقررات لجنة الحوار. وضبط السلاح الفلسطيني داخل المخيمات تحت السيادة اللبنانية وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية.
ما يمكن استنتاجه من هذه الخطوة هو قرار لبناني اتخذ، بأن إبقاء الملف الفلسطيني على ما هو عليه ينذر بعواقب وخيمة، ويشرح مكاوي ذلك بالقول" حرصت اللجنة على معالجة وضع المخيمات ككل، إيمانا منها بأن استمرار عيش الفلسطينيين تحت المستوى الانساني أمر لا يجوز ويؤدي الى التطرف والاصوليات، وهذا ما شهدناه لاحقا في نهر البارد، وقد استطاعت اللجنة خلال خمس سنوت نقل التمثيل الفلسطيني من مستوى ممثلية الى مستوى سفارة، وحين اندلعت مشكلة نهر البارد دعونا الى مؤتمر دولي في فيينا لإعادة بناء المخيم، وتمكنّا من جمع 120 مليون دولار والمطلوب هو 450 مليون دولار، ناهيك عن عمل اللجنة مع منظمة الأونروا لتحسين أوضاع المخيمات من خلال زيادة مساعدتها للمنظمة والمطلوب اليوم هو بذل جهد مع الدول المانحة لإكمال بناء الاجزاء المتبقية من المخيم".
سجلت اللجنة منذ تأسيسها نقاطاً عدة لجهة استعادة الفلسطينيين بعض حقوقهم المدنية، ويلفت مكاوي الى ان "اللجنة قامت بجهد كبير في ما يتعلق بالحقوق المدنية. فقبل العام 2005 لم يكن يحق للفلسطيني العمل بأي مهنة. أما في ما يتعلق بقانون حق التملك فهو موضوع حساس وقد حرم هذا القانون الفلسطينيين من التملك منعا للتوطين وهذا الأمر يجب معالجته بحكمة ودقة".
في موضوع السلاح، لم تستطع اللجنة تحقيق إنجاز يذكر، ويفسر مكاوي ذلك بالقول "الأسباب كانت متعددة (حرب تموز وأزمة العام 2008) أما رأيي الخاص فأقول إن السلاح خارج المخيمات يخص فئة معينة من الفلسطينيين، وقرارها السياسي موجود في سوريا التي يمكنها المساعدة في هذا الامر إذا أرادت، وعلى الدولة اللبنانية أن تحسم أمرها في هذا الملف خصوصا ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال ان هذا السلاح تحت السيادة اللبنانية".
هذه النظرة "التقنية "للعلاقة اللبنانية - الفلسطينية، يقابلها رأي سياسي يعتبر ان الملف الفلسطيني يجب ان يكون حاضرا بشكل دائم على طاولة مجلس الوزراء اللبناني، لما له من تأثير وتداعيات، وقد حاول رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط أن يصوّب هذه العلاقة ويعيد ترميمها من خلال اقتراحه إنشاء وزارة لمتابعة الشؤون الفلسطينية، لكن طلبه رفض من العديد من الاطراف اللبنانية والاقليمية، ويفسر رئيس مفوضية الاعلام في الحزب "التقدمي" رامي الريس بأن حراك الحزب تجاه هذا الملف نابع من قناعة بأن هذا الملف ليس تقنياً بل سياسي ومقاربته تتطلب بناء رؤية متكاملة حول كيفية التعاطي معه انطلاقا من مجموعة تراكمات تاريخية ومستجدات حديثة". وعلى الرغم من إجهاض الاقتراح، ألا أن الريس يلفت الى أن "ترجمة رؤية التقدمي يمكن ان تتم من خلال إعادة بناء مقاربة جديدة للعلاقات اللبنانية- الفلسطينية ترتكز على احترام وجود اللاجئين والاقلاع عن النظر إليهم بعنصرية واستكمال إقرار الحقوق المدنية بما يساهم جزئيا في رفع الحرمان عنهم".
يوافق الريس على ان هناك تقاذفا للمسؤوليات لتطبيق مقررات طاولة الحوار المتعلقة بالسلاح الفلسطيني بعد ست سنوات من صدورها، ويعتبر ان هذه المهمة هي اكبر من قدرة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني على تنفيذها، ولكن من المفترض ان تكون أصغر من ألاّ تستطيع هيئة الحوار الوطني القيام بها، والواضح ان هناك ارتباطات لبعض هذا السلاح مع محاور إقليمية ما يحول دون تنفيذ القرار، الذي يتحكم بتوقيته خارج الحدود اللبنانية وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الحلفاء الداخليين لهذه المحاور، وهذا ينطبق أيضا على الرئيس نجيب ميقاتي كونه رئيس الحكومة مجتمعة، وكلام جبريل الاخير يستوجب رداً جماعياً من قبل المسؤولين اللبنانيين، خصوصا ان السلاح الفلسطيني في لبنان لم يعد له مهمة او فائدة في تحرير فلسطين".
يلتقي رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني خلدون الشريف مع الريس حول النظرة الى السلاح خارج المخيمات فبرأيه "هذا الملف طرح في طاولة الحوار وهي ليست المرة الاولى، وإذا قلت إني أقارب هذا الملف فأكون أقارب شيئا أكبر مني، بل على طاولة الحوار معالجة هذا الملف، وعلى الحكومة اللبنانية مقاربته من خلال طاولة الحوار، وحين تبدأ المعالجة سيكون لنا دور أساسي، بالحوار مع الفصائل الفلسطينية والقوى الامنية لإيجاد الآليات المناسبة و"الجبهة الشعبية" هي جزء من الفصائل، أما كلام الامين العام للجبهة أحمد جبريل الاخير حول السلاح فهو لا يعني شيئا، إذا كان هناك قرار لبناني بهذا الشأن، عندها لا يعود للكلام أي قدرة تقريرية".
ماذا عن تمويل المرحلة الثانية لإعادة إعمار نهر البارد وروزنامة الحقوق المدنية؟
يجيب الشريف "بعد حرب نهر البارد تم انعقاد مؤتمر في فيينا، والاتفاق على تمويل إعمار المخيم بنحو 300 مليون دولار، على أن تكون الحصة مناصفة بين العرب والغرب. حصة الدول الغربية تم تسديدها، اما حصة الدول العربية فلم تدفع بعد. بعد العام 2008 صارت الظروف الاقتصادية الكونية أصعب. بالتالي يجب ان نبتكر حلاً كي تكون مسؤولية إعمار نهر البارد مسؤولية دولية وعربية وقد يكون ذلك عبر عقد مؤتمر".
من مهمات اللجنة أيضا استكمال الحقوق المدنية للفلسطينيين وأكثرها إلحاحا، قانون التملك الصادر في العام 2001 وفي هذا الاطار يقول الشريف" كل مشكلة ولها حل لكن بمهل زمنية ومسارات قانونية مختلفة، ما بدأنا بمعالجته هو موضوع الانتقال (اللبنانية المتزوجة من فلسطيني لكنها لا تستطيع توريث أبنائها بل يتحول الى الاوقاف الاسلامية)، وهذا أمر مخالف للدستور وهذا البند قيد العلاج اما البنود المتعلقة بالاستملاك والمخالفات فيلزمها مسار معالجة أطول".