ألف لا... فخامة الرئيس!!
بقلم: د. محمود العجرمي
لن أدخل شِعاب الخِطاب، حين رافعَ الرئيس محمود عباس بِتفوق، وبكل ما أوتي لتسويغ التيه في دهاليز خطايا التنازل. كانت الكلمة ضافِيةً في كل ما يستدر العطف والرجاء، ولكنها في المعنى الاصطلاحي السياسي، جاءت نقلاً مباشراً لكل ما هو مُجَرَّب، لكل حَرقٍ للأوراق وعلى نحو مُسبق، دون أن يقدم العدو الصهيوني ورقةً واحدة، وعلى عكس ذلك يبقى العدو متمسكاً بكل ما لديه على طاولة المفاوضات.
لا... نقولها بالفم الملآن، ودون تردد، يُرددها كل الشعب وممثلوه الحقيقيون، يحاول نُطقها أطفال فلسطين الذين ولِدوا لِتوِّهم، ومَعَهم أولئك الذين لم يولدوا بعد!.
إنها مفارقة صادمة بامتياز، فكيف لرئيس دولة لم تولد بعد، أن يَمْنَحَ بكرم حاتمي، ما لم تمنحه الأمم المتحدة لعصابات فَرضَت ظُلماً وعدواناً وبسلاح المجازر المشينة، ودعم أعداء الشعوب وطناً لليهود، بل يجيز لهم أيضاً أن يحتفظوا بما ضموه وتوسعوا به من الأرض الفلسطينية عام 1948 نقِيضاً لقرار الهيئة الدولية التي أعطتهم ودون وجه حق أيضاً ما مساحته 56% من دولة فلسطين وفق قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947.
المنحة التي أعطاها فخامة الرئيس "أبو مازن"، بإقرار وقبول إقامة دولة فلسطينية على 22% من أرض الرباط المقدسة وهو ما تُنكره دولة الاحتلال أيضاً – فهي تريد ضم حتى ما هو أكثر من ذلك-، وما كان ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية في حينه ولا بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة في أكثر أحلامهم أُنساً أن ينجح اليهود في تحقيقها، وهم الذين أمعنوا تمزيقاً لبلاد الشام عام 1916 عبر وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا فيما أسموه في ذاك الزمن اتفاقية سايكس- بيكو.
بهذا العرض السخي لفخامة رئيسنا تضمن الميليشيات الصهيونية التوسعية ما نسبته 78.4%. فكيف يمكن لنا أن نستوعب ذلك، وكيف يمكن لفخامة الرئيس أن يقرر هذا بالصوت والصورة والحضور الحي أمام ممثلي 193 دولة هم كل العالم، وبشهادتهم جميعاً على ذلك، وهم الذين يرفض جُلُّهُم هذا التوسع المحموم الذي يستمر فصولاً وحتى اليوم، حتى أن مُعظمهم أيضاً يؤكدون أن وجود دولة الاحتلال كُلَّه غير شرعي، في الوقت الذي يرفضون فيه نقل سفاراتهم إلى مدينة القدس لنفس الأسباب.
كيف يُعقل أن يتم ذلك، دون أن تُقِر "إسرائيل" ولو تكتيكياً بدولتنا وحدودها، وما هو لها وما هو عليها، بل وأيضاً يستمر استيطانها لِيغطي الأرض ويُهجِّر ويقتل من عليها حتى لا يبقى بعد حين قريب ما نتفاوض عليه معهم وقد اخترنا التفاوض لا غير وسيلة وحيدة بائسة، وهاكم النتائج!!
وهل يَقْبل فخامة الرئيس، تسليم صفد، وعكا، ويافا، وحيفا، والناصرة لهم؟! ومن يجيز لمن، هذا الفعل المُنكر، تحت أي ذريعةٍ أو مناورة، هذا إذا أجزنا أن الاحتلال شرعي، وأن اعتقال واغتيال المناضلين وجرائم الحرب المتوالية هي وأدٌ للإرهاب وقتل للمجرمين!
إنك تعلم، فخامة الرئيس، وأنت سيد العارفين، بأن القدس بشرقها وغربها، كانت خارج حدود تقسيم الدولتين اليهودية والعربية وفق جريمة القرن العشرين- قرار تقسيم فلسطين- وأعطتها الأغلبية المجرمة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 «وضعية خاصة» وخاضعة لنظام دولي خاص، وتتولى الأمم المتحدة إدارتها، وتعين مجلس وصاية يقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة، بنسبة أرض تبلغ 1% من فلسطين.
إن ما تقدم يعني أن القدس مُحتلة، وليست جزءًا من "دولة إسرائيل"، التي أقرها المجتمع الدولي الظالم!!، فكيف يمكن لِأحد أيّاً كان، فكيف إذا كان رئيساً للشعب الفلسطيني، أن يتبرع بأقدس أرض لِأكثر المجرمين ولوغاً في دمنا، في الوقت الذي يُكرّر فيه كل قادة دولة الاحتلال، ليل نهار، بيسارهم ووسطهم ويمينهم – كما ينظر البعض "الفلسطيني"- بأن مدينة القدس كلها وحدة واحدة وموحدة، عاصمة مؤبدة لهم!.
أليس من الحكمة، حتى ولو بالتكتيك فقط، إبقاء هذه الورقة بيدك؟!
وهل من العقل أيضاً، أن نعيد، ودون تردد، وبطلاقة يحسدوننا هم عليها، أن حل قضية اللاجئين يتم وفق صيغة "متفق عليها"!! كيف نُدخل الدُبّ إلى كرمنا، ألم يقرر الاحتلال أنه لاحقَّ عودة "لإسرائيل"!، فهل هذا يعني أن فريق المفاوضين "الفلسطينيين" يوافق باسم الواقعية على ذلك، أليس هذا تفريطاً بحق ثلثي الشعب الفلسطيني!
وماذا تعني جريمة الاعتراف "بدولة إسرائيل". التي أقدمت عليها منظمة التحرير الفلسطينية في الرسائل المتبادلة؟!.
ألا تعني ووفق القانون الدولي، الذي نتغنى به على مدار الساعة، سيادة دولة اسمها "إسرائيل" على إقليمها وسكانها؟! ألا يعني ذلك أيضاً، إلقاء أكثر من مليون وثلاثمائة ألف من أبناء الشعب الفلسطيني في البحر، أولئك الذين تشبثوا بأظافرهم بأرضهم وذاقوا الموت صنوفاً؟!
ومن قال، أن الاعتراف بدولة فلسطين عضواً كاملاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا يعني أيضاً التأكيد بأن "إسرائيل" هي دولة سيدة على أرضنا – التي أعطاها البعض الفلسطيني لهم – بكل ما يعنيه ذلك وفق منطوق نفس مواد القانون الدولي العام؟ كما أنه سيكون نصاً في متن نصوص القرارات التي ستصدر عن الهيئة الدولية، إذا صدرت!! وهل نُقرر نحن، كما يصرح كُثُرٌ من "قادتنا الأماجد"، أن منظمة التحرير باقية، وأن عودة اللاجئين الفلسطينيين مضمونة؟!.
كلام بائس، لا معنى له، وكل الشعب يعلم علم اليقين أن هذه السياسة لن تقود إلّا إلى الخراب، وضياع الوطن! لهذا كله، الشعب يستعد للإمساك بناصية قضيته، يحفظ ثوابتها، بها يتقدم مُوحّداً نحو تقرير مصيره، وبها سينتصر.
المصدر: صحيفة فلسطين