القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

أهالي اليرموك: من يجرّنا إلى الصراع؟

أهالي اليرموك: من يجرّنا إلى الصراع؟
 

بقلم: أنس زرزر

جاء القصف الذي تعرضت له «حارة الجاعونة» في مخيم اليرموك وأودى بحياة 20 شخصاً، ليضفي مزيداً من القلق على فلسطينيي المخيم، الذين يخشون تداعيات الصراع الدائر في سوريا على أوضاعهم..

دمشق | مخيمات الشتات تمتلك مفهومها وحرمتها وطبيعتها الخاصة لدى اللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا. إنها فلسطين مصغرة تحددها مساحة من الأبنية الفقيرة غالباً، لاعتقاد أصحابها أن العودة إلى بلادهم قريبة جيداً. من الخيام البيضاء التي وزعتها عليهم وكالة الأونروا عام 1957، تطور مخيم اليرموك مع مرور الوقت، وتحولت أبنيته الاسمنتية الفقيرة، إلى أكبر مخيمات الشتات الفلسطيني، وبنية حضانة لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية، على اختلاف توجهاتها. وشكلت نموذجاً واقعياً عن حالة التعايش والتآخي المشترك، الذي كان وما يزال يجمع اللاجئين الفلسطينيين مع إخوتهم ومضيفيهم السوريين. ربما هذا ما يبرر حالة الغضب التي يعيشها أبناء مخيم اليرموك اليوم، نتيجة تداعيات القصف بقذيفتي هاون من العيار الثقيل، الذي تعرضت له «حارة الجاعونة» الواقعة في وسط المخيم، وسقط على أثرها 20 شهيداً وأكثر من 40 جريحاً.

«إنه اعتداء على فلسطين. من له مصلحة في تفجير الوضع في المخيم الآن؟ إنها جريمة مكتملة وواضحة الأهداف والأركان، من الصعب ضبط النفس أمامها. أكثر من 7 شهداء تحولوا إلى أشياء مبعثرة. أربعة منهم لم يستطع أحد التعرف عليهم» يخبرنا أبو أحمد، الذي يقطن بجوار منزل آل رشدان الذي كان هدفاً مباشراً للقصف. ويتابع «حالة من الرعب والفوضى عمت المكان بعد سقوط القذيفة الأولى. حاولنا مساعدة المصابين فوراً، بعد دقيقتين فقط سقطت القذيفة الثانية في المكان نفسه، ما أحدث عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى».

لم يتمكن أحد حتى اللحظة من تحديد الجهة التي أطلقت منها القذيفتان، فالمخيم اليوم يفصل بين مناطق متوترة تشهد مواجهات مسلحة على مدار الساعة، بين الجيش الحر والجيش السوري النظامي. ونتيجة للمواجهات، لا بد من سقوط ضحايا مدنيين من سكان المخيم، أو من النازحين السوريين الذين فضلوا الاحتماء لدى إخوتهم الفلسطينيين، باعتبار «المخيم منطقة آمنة وبعيدة عن الصراع» كما كانت تريدها فصائل المقاومة الفلسطينية. هذه الفصائل اكتفت بإصدار بيان أدانت فيه «بأشد العبارات الجريمة المروعة النكراء، التي ارتكبت بحق أبناء شعبنا الفلسطيني». وطالبت الفصائل أطراف الصراع الدائر «بالتوقف عن العبث بأمن شعبنا وسلامته، وأمن مخيماته من خلال عمليات تجييش عبثية، لن تحمل إلا مزيداً من الويلات على شعبنا، ولن تسهم إلا في إضعاف وحدة مجتمعه»، من دون ذكر لحركة «حماس» ضمن الفصائل الموقعة على البيان. وكما هي العادة، لن تجد بيانات الإدانة والشجب الخطابية مكاناً لها لدى شباب المخيم الغاضب، الذي خرج بدوره في تظاهرات يومية في شوارع المخيم الرئيسية، ارتفعت فيها شعارات وهتافات تدين جميع أطراف الصراع الذي ما يزال مستمراً حتى اليوم على أطراف المخيم. وزاد من حدة الغضب عمليات القنص المستمرة والمجهولة المصدر، التي ذهب ضحيتها 11 شهيداً خلال الأيام الأربعة الماضية، مع احتمال ارتفاع أعداد قتلى رصاص القنص في الأيام المقبلة، حسب ما أكده لـ«الأخبار» نزار، وهو شاب فلسطيني يعمل سائقاً لسيارة أجرة. وتحدث نزار عن «أجواء رعب ودمار تشبه الأفلام الهوليودية»، قائلاً «شاهدت 8 جثث ملقاة على الشارع والأرصفة، من الواضح أنهم مدنيون نظراً إلى الحاجيات والطعام التي كانوا يحملونها معهم».

كالعادة، انقسم الشارع في مخيم اليرموك حول توجيه اصابع الاتهام نحو جهة معينة، وتحميلها المسؤولية كاملة عما يجري. أبو فؤاد من سكان حارة الجاعونة الذي تضرر منزله جراء القصف، اعتبر أن «من يمتلك مدافع الهاون من العيار 160 ميليمتراً هو من استهدف حارة الجاعونة بقذائفه»، قبل أن يتساءل «ترى هل يمتلك الجيش الحر مثل هذه المدافع؟ وإن كان يمتلكها بالفعل فلماذا لا يستخدمها في قصف مواقع الجيش السوري النظامي؟». ويضيف «أنا لا أوجه الاتهام نحو أحد من أطراف الصراع الدائر في سوريا اليوم، لكن من هو المستفيد الحقيقي وصاحب المصلحة في تفجير الأوضاع في المخيم؟».

من المؤكد أن هناك بعض الأطراف ستسارع إلى استثمار أحداث المخيم سياسياً، لزيادة الضغط على النظام السوري، من أجل سحب ورقة القضية الفلسطينية التي يدعمها من يده، بينما الجيش الحر سيحقق مكاسب جديدة على الأرض بعد أن تحولت أرض المخيم إلى منطقة فوضى وحرب شوارع. هذا الوضع يساعده على التنقل والاحتماء، وإعادة تنظيم صفوفه، في حرب الكر والفر الدائرة في جميع المناطق المحيطة بمخيم اليرموك، بما فيها البساتين والمزارع، التي اعتبرت منذ بداية أحداث الانتفاضة السورية منطقة حاضنة لجميع أشكال المعارضة السلمية والمسلحة، وحالياً نقاط تمركز لوحدات من الجيش الحر. وفي محاولتها المحافظة على أرض مخيمها منطقة آمنة ومعزولة، وزعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين _ القيادة العامة التابعة لأحمد جبريل، عدداً من عناصرها المسلحين لتشكيل لجان شعبية بمشاركة عدد من شباب المخيم، من أجل «حماية الأزقة والشوارع والحارات، القريبة والمتاخمة لمناطق المواجهات المسلحة». وسمحت هذه اللجان للمدنيين فقط بدخول المخيم للاحتماء، لكن هناك من اعتبر أن اشتراك عناصر أحمد جبريل في حفظ أمن المخيم خرق واضح للاتفاق الذي أقرته فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، مع بداية الأحداث السورية الذي يعلن «بقاء جميع فصائل المقاومة الفلسطينية في منأى عن الانخراط في الصراع الداخلي السوري، والتزام الحياد الإيجابي».

المصدر : الأخبار