أهلاً بالنوّاب في المخيّمات
بقلم: قاسم س. قاسم
يتحدث النواب اللبنانيون عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات. وفي الوقت ذاته يتهمهم البعض بأنهم يحلمون بالتوطين في لبنان. كيف يحلمون بـ«توطينهم » في هذا الواقع المأسوي؟ لا نعرف. لكن، بكل الأحوال، ماذا يعرف هؤلاء النواب عن الواقع المعيشي للفلسطينيين؟ ومتى كانت آخر مرة زار فيها نائب مخيماً للاجئين؟ والأهم لماذا؟
تعوّد الساسة اللبنانيون عند كل استحقاق داخلي استحضار شبح التوطين، للتخويف من الآخر. هنا، الآخر هو اللاجئ الفلسطيني ابن المخيمات. هكذا، استُخدمت فزاعة التوطين ضمن الحملات الإعلامية لضرب الخصوم ولإظهار مدى وطنية و«لبنانية» المتحدث. هذه الحملات تقوى طبعاً قبيل كل استحقاق انتخابي، حيث يزايد الجميع في كونهم محاربي التوطين وفرسان منعه. انتهت حفلة الانتخابات الأخيرة، وفي الفترة التي تلتها، زايد أغلب النواب تحت القبة البرلمانية في خوفهم على مصلحة لبنان من خلال منع الفلسطينيين من حقوقهم الاجتماعية الأبسط. أما لماذا؟ فلأن هذه الحقوق ببساطة، إذا أعطيت لهم، سيساهم ذلك في توطينهم كما كانوا يبررون. لكن كم نائباً أو وزيراً يعرف عما يتحدث؟ عن أي حقوق، وعن مدى أساسيّتها؟ كلمة «يعرف» هنا لا تعني أنهم يملكون معلومات من خلال ما يسمعون أو يشاهدون عبر وسائل الإعلام عن المخيمات، بل المقصود هو هل عاينوا الوضع المأسوي في المخيمات بأمّ العين، وخصوصاً أن المخيمات منتشرة في كل المناطق اللبنانية، ويمكن أي نائب أن «يستقرب» ويزورها متى يشاء؟ فقرارات هؤلاء النواب تنعكس على حياة اللاجئين في لبنان سلباً، وذلك بسبب عدم اطلاعهم في معظم الأحيان على الوضع الحقيقي الذي يعانيه أبناء المخيمات. مشكلة هؤلاء الوحيدة أنهم أصحاب سلطة، أي أنهم يأخذون قرارات قد يعتقدون أنها تناسب اللاجئين.
هل هذا يعني أن المخيّمات لا تعرف من «وجهاء القوم» أحداً؟ أبداً؛ فالمخيمات تعرف الكثير من الرؤساء والوزراء، إلا أنهم ممثلو دول الاتحاد الأوروبي، لا لبنان. هؤلاء (أي النواب الأجانب) كانوا يأتون إلى المخيمات للاطلاع على الأوضاع التي يعيشها الفلسطينيون ولمراقبة سير المشاريع التي كانت تمولها بلادهم. مشاريع عيب أن يتكلف أجنبي عناء الوصول إلى هنا فقط من أجلها: بئر هنا، مدرسة هناك، سيارة إسعاف هنالك ... إلخ. أما على الصعيد اللبناني، فلا يزال الفلسطينيون يذكرون اللجنة الوزارية التي زارت المخيمات بعد طلب لجنة الحوار اللبناني منها ذلك عام 2006. يومها، اعتقد أبناء المخيمات أن «الحياة الحلوة» ستكون بعد زيارة الوفد لمخيماتهم. حينها، ترأس الوزير خالد قباني الوفد الذي جال في مخيمات بيروت وصيدا وصور. وفي تصريح له بعد زيارته لمخيم شاتيلا، قال قباني حينها: «ما شاهدناه اليوم في هذه المخيمات يمثّل مأساة إنسانية حقيقية يجب أن يهتز لها الضمير العالمي والإنساني، ولا يجوز على الإطلاق أن تبقى هذه المخيمات على هذه الحالة المأسوية والمتروكة منذ عام 1948». لكن ما شاهده قباني تفاقم واستمر حتى بعد زيارته واهتزاز الضمير العالمي والإنساني. بعدها، لم يكرر أي من الوزراء الذين كانوا ضمن الوفد زيارة المخيمات. يعترف قباني بأنه «بعد زيارة الوفد للمخيمات، لم أقم مجدداً بزيارة أي مخيم». يضيف: «لكننا عملنا على اتخاذ إجراءات لتحسين الواقع المعيشي. فأنا، وزيراً للتربية، سهلت المعاملات للطالب الفلسطيني مثله مثل اللبناني. كذلك فعل كل من وزيري العمل والصحة». لكن الوزير ابن الطريق الجديدة كان يعتقد أنه يعرف وضع تلك المخيمات، فهو كما يقول: «عايش هونيك وعايش الأجواء لما كنا أطفال ولما كنا شباب». لكن ذكريات الطفولة تختلف عن الحقيقة التي رآها قباني؛ لأنه في هذه الزيارة «عشنا التفاصيل التي يعيشها الفلسطينيون وسرنا في المسالك الداخلية للمخيم»، يضيف الرجل: «ما خلّينا زاروب إلا ما فتنالو». زيارة الوفد كانت «مختلفة عن الزيارات السابقة»، كما يصفها الوزير السابق. أما أكثر ما يتذكره قباني فهو رؤيته «الغرف المظلمة التي ليس فيها الحد الأدنى من الحياة الكريمة، مثل الكهرباء والماء. وأكثر ما أدهشني الاكتظاظ في تلك الغرف؛ إذ يسكن في غرفة واحدة 7 إلى 8 أفراد» يقول. يصف الرجل ما رآه بمأساة إنسانية «بكل ما للكلمة من معنى، ودول العالم لا ترى هذه الأوضاع والحرمان الذي يعيشه الفلسطيني. حتى الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية لا يرون هذا الواقع المرير، وخصوصاً وضع الأطفال. فبأيّ نفسية سيكبر هؤلاء؟ هذه الحقيقة أثارتنا وأثارت شجوناً فينا» يقول قباني. لكن ماذا فعلت الدولة اللبنانية قبل دول العالم من أجل «نفسية» هؤلاء الأطفال؟ بالطبع، لا شيء.
وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة، نائلة معوض، كان من المفترض أن تكون ضمن الوفد، لكنها في تلك الفترة كانت «مسافرة». تستدرك معوض قائلة: «لكنني زرت مخيم البداوي في الشمال، والزيارة لم تكن بمعنى زيارة، بل كنت في لقاء هناك ولم أتجول في المخيم».
أما عن انطباعها عن المخيم، فتجيب: «لا أستطيع أن أعطيك انطباعي؛ فأنا لم أزره ولم أنتبه لما حولي، لكن مما لا شك فيه، ومن دون أن أزور المخيمات، أعلم أن الظروف الحياتية مزرية جداً هناك». أما بالنسبة إلى النواب الذين يقطنون بالقرب من المخيمات الفلسطينية، فإن زيارتهم لتلك المخيمات تقتصر على الواجبات الاجتماعية. فالنائب عمار حوري الذي يصف نفسه هو أيضاً بـ«ابن الطريق الجديدة»، يعرف «المعاناة الكبيرة التي يعيشها أبناء المخيمات». يتذكر طفولته وزيارته المتكررة للمخيم في تلك الفترة. حالياً، يزور النائب المستقبلي المخيم «للقيام بالواجبات الاجتماعية». وفي كل مرة يزور فيها مخيم شاتيلا تدهشه المشاكل في «البنية التحتية. أما ما يقدم للفلسطيني من مساعدات، فمحدود مقارنة بالواقع». هنا يؤكد حوري، المبتسم دائماً، أنه يملك الكثير من الأصدقاء في «صبرا وشاتيلا، كما لدينا أصدقاء كثر في مخيمات أخرى نزورهم عادةً». أما بالنسبة إلى النائب علي عمار، الذي يسكن بالقرب من مخيم برج البراجنة، فيؤكد أن زيارته للمخيمات تكون في «المناسبات الاجتماعية». أما أكثر المشاهد التي يذكرها عمار فهي «الواقع الإنساني والاجتماعي السيئ الذي يعيشه الفلسطينيون في المخيمات». عمار الذي «لا تغيب عن بالي المعاناة التي يعيشها أبناء المخيمات»، كما يقول، يؤكد ضرورة «تأمين الفلسطيني وإعطائه حقوقه المدنية لأن المخيم بحاجة إلى كل أنواع المساعدة. هكذا اقتصرت زيارة النواب اللبنانيين للمخيمات على المناسبات. أغلب هؤلاء لم ينتبهوا لأسلاك الماء والكهرباء التي تتعانق فوق رؤوسهم في فضاء المخيم. ربما ببساطة لأن زجاج سياراتهم القاتم منعهم من رؤية ذلك.
المصدر: الأخبار