القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

«أوباما» الثاني و«سايكس ـ بيكو» الجديد

«أوباما» الثاني و«سايكس ـ بيكو» الجديد

بقلم: خالد حدادة*

هي فلسطين، البداية والنهاية. تقاتل ولا ترفع الراية البيضاء منذ أكثر من ستة عقود من الزمن. تتسع حلقة التآمر من حولها وفيها، ولا ترمي راية المقاومة. هي فلسطين تختبرنا جميعا، وللأسف، يسقط كثر في الاختبارات المتتالية، أما أهلها فيقدمون يوما بعد يوم الدليل على صلابة إرادتهم وقوة عزيمتهم.

هي فلسطين تواجه اليوم في غزة اختبار النار. يتآمر عليها بعض أهلها ومعظم العرب، ناهيك عن الولايات المتحدة وكل دول الغرب. برغم ذلك، يصر الفلسطينيون على اجتراح المعجزات والمفاجآت. لهم منا ألف تحية وتحية.

****

انتهت الانتخابات الأميركية التي أعادت باراك أوباما الى سدة الرئاسة الأميركية، لتتبدى معها ملامح مرحلة انتقالية صعبة في العالم العربي، تشكل امتدادا لمرحلة الصراع التي سبقت والتي يمكن تأكيد انها صراع بين استهدافات المشروع الأميركي في المنطقة وبين طموحات وآمال وحقوق الشعوب العربية بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والتنمية، وهي كلها حقوق في مواجهة من يسلبها من موقعين، موقع السيطرة الأميركية الغربية على القرار والثروة، وموقع السمسرة والتآمر من الأنظمة العربية.

المطلوب أميركياً، سايكس ـ بيكو جديدة بحلة أميركية، خصوصاً أن بعض الخبراء الأستراتيجيين الأميركيين كانوا قد وصفوا النسخة الأولى بـ«الغباء» وليست فقط بانتهاء المدة والصلاحية، وركزوا خاصة على القسم الذي وقع حينها تحت السيطرة الفرنسية.

التعديل الوحيد الذي طرحه أوباما، على الخطة الجمهورية السابقة، هو في طريقة التعاطي مع الإسلام السياسي، وبالتالي معالجته للحماقة «البوشية» من خلال محاولة إيجاد تحالف تقوده الولايات المتحدة وتشترك في تمويله وصياغته دول الخليج العربي وتنخرط فيه تركيا «الإسلامية» كأساس لمد خيوط التحالف مع القوى الإسلامية المعتدلة.

وطبيعي في هذا المجال أن يكون ثمن هذا التحالف هو محاولة الالتفاف على الحركات الشعبية الأولى، خصوصاً في مصر وتونس، واحتوائها من قبل الولايات المتحدة، بواسطة الطرف الداخلي «الإسلامي»، حينما أجبرت التحركات الشعبية رأسي النظام في تونس ومصر على الرحيل.

ربما شكلت هذه التطورات خيبة أمل لمن ظن وأعلن هذه التحركات ونتائجها «ربيعاً إسلامياً» ولكنها في إطار الخطة الأميركية المعلنة في خطاب أوباما «المصري» كانت واضحة.

أما بعد انتخابه الجديد، فالتعديل الجديد في الخطة، أتى بعد حادثة «بنغازي» ومقتل السفير الأميركي في إطار ردة الفعل على الفيلم الأميركي الصهيوني المشبوه...

بعد هذه الحادثة، برزت حقيقة أن مسار التطرف في الاتجاه الإسلامي، لا يمكن إيقافه لا بقرار من الولايات المتحدة ولا من حلفائها (خاصة أن هؤلاء الحلفاء يرون امتدادهم عبر الجماعات الأصولية بشكل رئيسي).

والاستعصاء الأميركي في هذا المجال، هو أن تفادي «النمو الأصولي» لا يمكن أن يتم إلا عبر أنظمة مدنية ديموقراطية، تحمل مشروعاً ديموقراطياً وطنياً هو بالأساس، وفي طبيعته السياسية والوطنية والاقتصادية سيكون مواجهاً لخطة الولايات المتحدة. وهنا إشكالية تعجز الولايات المتحدة حتى الآن ويعجز حلفاؤها الأقليميون خاصة عن مواجهتها...

يقتضي انتصار مشروع «التحالف» موقعاً متقدماً للإسلاميين وبالتالي فتح المجال أمام القوى الأصولية في إطار هذا التحالف، مما يهدد بسيناريو أفغاني جديد، إقفال المجال أمام هؤلاء سيعني تعزيز قدرة الشعوب العربية على إنتاج أنظمتها الوطنية الديموقراطية، وبالتالي سيعني هزيمة مزدوجة للأنظمة الرسمية العربية وللمشروع الأميركي.

إن هذا الاستعصاء وهذه الإشكالية، يفسران الوضع الحالي المرتبك للنظامين التونسي والمصري اللذين شكلا النموذج التجريبي لخيار التحالف الأميركي ـ الخليجي ـ التركي (والإسرائيلي خلفهم).

****

وكما سايكس ـ بيكو الأولى، كذلك الجديدة، قضيتان هما في صلبهما، فلسطين والثروة العربية وتحديداً النفط، في ظل الاتجاه المتصاعد لأزمة الرأسمالية العالمية وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا والحاجة الماسة، أقله في السنوات الخمسين المقبلة، للثروة النفطية العربية، وبالتالي ضرورة زيادة عوامل الفوضى والانقسام في العالم العربي، وإن على قاعدة شعارات جديدة مذهبية وقومية، تحمي سيطرة الولايات المتحدة على النفط وتلغي قضية فلسطين ومفاعيلها وتعزز القدرة على ضمان أمن الكيان الصهيوني.

وكما كانت نتائج سايكس ـ بيكو القديم، القضاء على ملامح ثورة عربية أولى بعد الحرب العالمية الأولى وإبدالها بأنظمة عميلة وتابعة باعت الكرامة والسيادة وبعد ذلك فلسطين، مقابل خيال سلطات وفتات ثروة، فإننا اليوم، وبالإذن من كارل ماركس، أمام تجربة تتكرر بصورة مأساة وليس مهزلة، وتأتي الحرب الإسرائيلية على غزة لتفضح النظام الرسمي العربي، بما في ذلك المؤسسة العربية الجامعة (جامعة الدول العربية)، التي انتقلت من موتها السريري، الى موقع المساعد للخطة الأميركية والمنفذ لها، والخاضع لسلطة «الموالي» من أتباع المخطط... غزة تقصف والشعب الفلسطيني يدفع الشهداء وضريبة الدم وتغيب قضيته عن اجتماعات الجامعة العربية الملتزمة بأجندة «التحالف». وقيادة هذا التحالف تخوض معركة في وجه مشروع مسخ، بإعلان الدولة الفلسطينية.

****

وفي التطورات الجديدة، المترافقة مع تجديد الرئاسة الأميركية، تتضح أكثر معالم الأزمة ـ الاستعصاء في سوريا، التي تنزف دماً وتدمر.

لم يستطع النظام، خلال ما يقارب السنتين من بدء الأزمة، تقديم شواهد حقيقية على مصداقية شعاراته في التعاطي مع الجوانب الداخلية من الأزمة، ومن جهة أخرى، استمر في تقديم خدمات مجانية «للمؤامرة» الخارجية على سوريا وعلى موقعها.

والملاحظة الأولى في هذا المجال هي استمرار الوهم بقدرة الآلة العسكرية على حسم الصراع الدائر، بديلاً من أي جهد جدي في إطار توحيد القوى المواجهة للمؤامرة والرافضة للتدخل الخارجي وفي قسم أساسي منها هي في إطار المعارضة الوطنية والديموقراطية، وازدادت مراهنة النظام على تبدلات في ميزان القوى العالمي، بحيث أصبح وزيرا خارجية روسيا وايران هما الناطقين السياسيين والمفاوضين باسم النظام في المحافل الدولية والإقليمية بديلاً من الاعتراف بانتهاء النظام بشكله القديم، وبديلاً من الخطوة المطلوبة وهي الحوار الوطني، القائم على فكرة تجميع القوى الديموقراطية، ومعها القسم الأكبر من الشعب السوري، حول ضرورة تغيير النظام، باتجاه دولة مدنية ديموقراطية، تحافظ على موقع سوريا في مواجهة المخطط الأميركي وتعالج الأسباب الداخلية للأزمة.

وبينما يعيش النظام مأزقه، استطاع التحالف المتجدد بعد انتخاب «أوباما»، أن يجعل من الدوحة مسرحاً لإخراج قاعدة تحالفه العامل في سوريا، عبر الصيغة الوليدة باسم «الائتلاف الوطني السوري» كما يصر على تسميته مموله القطري.

والصورة الأوضح للاسم الجديد أنه، وإن استطاع من حيث الشكل تجاوز بعض صعوبات المجلس الوطني الراحل، إنما في حقيقة الأمر، كرس انتماء هذا القسم من المعارضة، الى المشروع الأميركي، كاملا. ولعل الاحتضان الأميركي المباشر، والترحيب الغربي والتمويل والتسليح الخليجي والتركي، هما الدليل الأكبر على الوجهة التي يأخذ فيها هذا التحالف الشعب السوري.

المرحلة المقبلة، ستكون قاسية على الشعب السوري وعلى الشعوب المحيطة لسوريا والتي لا يمكن، بل يجب ألا تنأى بنفسها عن الألم السوري المتصاعد.

مرحلة قاسية من الصراع العسكري، من المجازر، من الفرز الديموغرافي من دخول قوى ومجموعات مسلحة خارجية في الصراع، من تدويل الأزمة في سوريا ومن تهميش قدرة القوى السورية الداخلية، ومنها النظام، على صياغة حل داخلي والركون الى قدر المساومة الخارجية، الحاضنة لميزان قوى يرسم بالدم السوري.

ومرة جديدة، يتضح أن تهميش القوى الديموقراطية الوطنية، في الدولة وفي المعارضة، أصبح الى حد كبير تهميشاً ذاتياً... وأكثر من أي وقت مضى، هذه القوى اليوم أمام مسؤولية تاريخية، في ضرورة صياغتها برنامجا مشتركا، تطرح رؤيتها حول مستقبل سوريا وإعادة توحيدها تحت شعار بناء سوريا المدنية الديموقراطية المواجهة لأميركا ولخططها، عبر استنفار طاقات الشعب السوري وعبر الثقة فيه وبخياراته وعبر إطلاق الحياة الديموقراطية ومواجهة الفقر والفساد.

*الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني

المصدر: السفير