أوسلو..صرخة
شيطان في يوم عرفة
بقلم:
محمد سليمان
خصمان
صديقان.. يحيط بهما ورقٌ ملوثٌ بحبر صُنع من دمٍ فلسطيني، هذه المعادلة التي أنتجت
عام 1993 في مدينة الثلج أوسلو.. التي كانت أشدّ حرارة علينا من صحراء النقب رغم ثلجها..
بنادق
زغردت صوت في عرس الشهيد، نار أحرقت شبح اللجوء فأطفأناها بفنجان من الثلج النرويجي..
فأي ذنب اقترفناه يا سادة الثورة؟!
أوسلو
هذه الكلمة التي أصبحت فاصلاً حقيقياً لزمنين مختلفين، زمن النشوة والثورة والحلم المخضب
بصورة المقلاع والحجر وقنبلة المولوتوف، إلى زمن المصافحة بيد ترتجف فوق طاولة المذبح
الفلسطيني.
لم
تعد الحقائق تهمّنا، ولم يعد التاريخ يعنينا، ولم يعد في صفحاتنا ما يؤنس القراء، فقد
بعنا كل ألوان العلم بصورة تذكارية على أعتاب البيت الأبيض.
ونشهد
أنكم جاهدتم في الله حق جهاده، بأن بعتم واشتريتم وازدادت أرصدتكم، وقتلتم وشردتم وسلبتم
ودمرتم وفسقتم، فطوبى لكم ما فعلتم بنا يا «إخوان الأرامل وسند أبناء الشهداء».
أوسلو..
فعلاً تلك صرخة الشيطان والنكبة الثانية في تاريخ هذا الشعب الذي لم يعد على امتداد
جسده مكاناً لغير طعنات من هنا وهناك، لم يعد يرى في يوم مشمس سوى سراب الوطن، وفي
ذاكرته سوى صورة تابوت في المنفى ليحتضر في أزقة المخيمات.
هل
تأملتم لحظة بما فعلتم؟
هل
رأيتم واقعنا بعدما اتفقتم؟
هل
عشتم لحظة دفعتم ثمنها من بكاء الأطفال على الحواجز؟
هل
ضاقت الدنيا بكم من شدة الفقر وضيق السبل عندما رفضتكم كل الدول للعمل بها؟
هل
وهل وهل.. ؟
قائمة
طويلة من إسهاماتكم التي دفعت بنا إلى ما نحن عليه الآن من الانقسامات والتبعية لغير
الوطن والعلم.. فكل يلحق بصاحب السلطان في بلاد الشتات ليعيش ما تبقى من رمق الحياة.
مزقتم
أشلاءنا بدل أن تنثروا فوق أرواحنا التراب، والنتائج كما نرى الآن، كما قيل في زمن
الجد والجدة «لنا في كل عرس قرص»، ليس من الحلوى ولا من الفرح، وإنما من القتل والتشريد.
إن
أردتم شاهداً فلكم ما ترون.. شعب يُطرد من العراق.. من ليبيا.. من مصر.. يُقتل في لبنان..
في سوريا.. شباب ينتظر كرت التموين.. في ألمانيا.. في السويد.. في النروج.. لم تعد
خارطة العالم تكفي للرسم والشرح.
هل
رأيتم ما تبقى من فلسطين؟ هل رأيتم دولتين على مساحة ملعب كرة قدم؟ هل رأيتم فلسطين
فلان وفلسطين فلان الآخر؟هل أجهدتم أنفسكم بحمل دلو من الماء لإطفاء المسجد الأقصى؟
هل رأيتم كيف يعتقل الشاب أو الفتاة لأنهما من المخربين باتفاقية كتبت بأيديكم ومُهرت
بتوقيعاتكم؟
هل
رأيتم صورة إمرأة عجوز ملقاة على الأرض بعدما هدمت الجرافات بيتها فوق رأسها؟ هل سمعتم
صوت آلاف الخريجين الجامعيين وهم يناشدون وكلاءكم في عمل هنا، وسفر هناك هرباً من بطش
الجوع؟
هل
جمعتم الصور عن مخيمات البؤس في بلاد الشتات؟ ألم يخبركم أحد أن الأطفال يموتون عند
أبواب المستشفيات؟
أعتذر
عن أسئلتي الكثيرة.. فأنتم منشغلون بقضايا أهم وأكبر من كل تلك الصرخات.
لم
يعد في قلمي ما يكفي لسرد القصص والحكايات، فلن تجدوا متّسعاً من الوقت لقراءة رواية
ألف ليلة وليلة الفلسطينية..
هنيئا
لكم يا ساداتنا المُعبّئين ببدل لا يتعدى لونها السواد، فلن تنالوا لون دم الشهداء
ما حييتم، ولسوف تلفظكم الأرض يوم مماتكم، فالأرض لا تقبل إلا عطر الزيتون.