أيار النكبة وأيار الانتصار
بقلم: معن بشور
كان شهر أيار قبل العام 2000 شهراً ثقيلاً ومثقلاً
بالخيبات والإحساس بالإحباط والهوان اللذين رافقا مشاعر الأمة كلها منذ نكبة فلسطين
في 15 أيار 1948.
لكن مشهد تحرير أغلب الأرض اللبنانية المحتلة في
25 أيار 2000، حرك في الوجدان اللبناني والعربي والإسلامي والأممي إحساساً بالقوة وشعوراً
بالاعتزاز، هما أكثر ما يخيف اليوم أعداء أمتنا فيسعون بمختلف الوسائل إلى الإجهاز
عليهما. هما إحساس وشعور أطلقهما يوماً جمال عبد الناصر في الأمة والعالم فجُنّ جنون
أعدائنا وبقوا يطاردونه كقائد في حياته وكرمز في مماته.
لقد عرفت الأمة، من دون شك، على مدى النصف الثاني
من القرن الماضي انتصارات باهرة عدة، لكن العدو وحلفاءه كانوا في كل مرة ينجحون بالإجهاز
السريع على هذه الانتصارات وتحويلها إلى نكسات أو حتى هزائم، ما كان يزيد الإحباط إحباطاً
والهوان هواناً.
في أيار 2000، أحسّ العدو بالعجز عن الثأر من هذا
الانتصار، الذي قيل فيه الكثير، والذي هو في الأساس ثمرة تراكم طويل من المقاومة بكل
مشاربها، والتضحيات بكل أنواعها.
حاول العدو أن يُربك الساحة الداخلية بعد اغتيال
الرئيس الشهيد رفيق الحريري العام 2005، والعدو الصهيوني أصلاً هو أحد المتهمين المحتملين
بتلك الجريمة النكراء، فأسقطت حكمة المقاومة وحلفائها محاولاته تلك.
وحاول في حربه العدوانية العام 2006 أن يدمر المقاومة
وبيئتها الحاضنة، فتحول العدوان إلى هزيمة جديدة للعدو، وتحولت المعركة إلى فرصة جديدة
لتعزيز الثقة بالنفس وبإمكانية الانتصار، وقد تجلًى ذلك بوضوح أيضاً عبر تنامي القدرة
على انتصار المقاومة العراقية على الاحتلال الأميركي، وانتصار المقاومة الفلسطينية
في مواجهة الحربين على غزة.
ولاحظ العدو أن «عدوى» المقاومة تنتشر من بلد إلى
آخر، فكانت أول ثمار التفاعل مع تحرير الجنوب اللبناني هو انتفاضة الأقصى المباركة
بعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال في 28/9/2000، وبات ممكناً بعد ثلاث سنوات أن يمتد
لهيب المقاومة إلى العراق بعد احتلاله... فما كان ممكناً تحقيقه في لبنان من دحر للاحتلال
لماذا لا يمكن تحقيقه في العراق... وإذا كان ممكناً لرجال المقاومة في لبنان أن يعيدوا
الاعتبار لموازين الإرادات في مواجهة موازين القوى، فلما لا يحقق رجال المقاومة العراقية
البواسل الأهداف ذاتها، بل لماذا لا يحقق رجال المقاومة الفلسطينية، وهم الرواد في
نهج المقاومة، الانتصار ذاته، في دحر الاحتلال عن غزة العام 2006، وفي مواجهة العدوان
بعد ذلك.
وبقدر ما استشعر الصهاينة وحلفاؤهم خطورة انتشار
«عدوى» المقاومة القادرة والمنتصرة إلى ساحات محتلة أخرى، شعرت أيضاً الأنظمة المحتلة
الإرادة والقرار من مخاطر هذه «العدوى» إذا ما وصلت إلى شعوبها فأسرعت تكسر حاجز الخوف
من حكامها بعد أن تهاوى حاجز الخوف من عدو مدجّج بأخطر أنواع الأسلحة على يد المقاومين
العرب.
لذلك قام حلف بين كل الخائفين من كسر الشعوب حاجز
الخوف من أنظمة القمع والاستبداد، وتعاون هؤلاء الخائفون داخل الأمة وخارجها على التناوب
في النيل من المقاومة، فكراً ونهجاً وخياراً وسلاحاً ورجالاً وقادة وسعوا إلى تحطميها
بشتى الوسائل المادية والمعنوية، السياسية والعسكرية، الإعلامية والاقتصادية.
لقد أسقط المقاومون تفوّق القلعة الحامية لهم في
فلسطين المحتلة، ومشاريع أسيادهم المتربصة بوحدة الأمة ومواردها وأمنها القومي، ولم
يعد بيدهم حيلة إلاّ إشهار السلاح الأمضى والأفتك الذي طالما لوّحوا باستخدامه وهو
سلاح التحريض والتجييش الطائفي والمذهبي، الذي يحوّلونه اليوم إلى سلاح دمار شامل حقيقي.
طبعاً، علينا أن نعترف أن بعض أخطاء وخطايا رافقت
الأداء السياسي وغير السياسي للمقاومة وحلفائها قد سهل لهؤلاء محاولتهم الآثمة، لكن
هذا لا يغيّر من حقيقة المشهد الأساسي وهو أن هناك عدواً يتراجع، وان هناك شعباً مقاوماً
ومنتفضاًَ يتقدم.
وأي تحليل موضوعي أو منصف لا بد أن يعتبر أن ربيع
العرب الحقيقي إنما بدأ مع الانتصار اللبناني في أيار 2000، ثم مع الانتفاضة الفلسطينية
في أيلول 2000، ومع المقاومة العراقية في نيسان 2003.
لن ننزلق في مناسبة تاريخية، إلى متاهات جدل دائر
هذه الأيام، ومعزز بكل أسباب التوتر والتحريض، ولن نندفع إلى تجاهل مراجعة مطلوبة من
كل قوى المقاومة في المنطقة، مراجعة تغلق كل الثغرات في بنانا وعلاقاتنا الداخلية من
اجل مواجهة أفعل لكل المخططات الخارجية، بل سنقول في يوم انتصار المقاومة: أمتنا لن
تضيع البوصلة حتى ولو غطت الطريق طبقات من الضباب.
الضباب في النهاية ينقشع والنور يسطع...
وأي نور أبهى من نور المقاومة؟!
المصدر: السفير