أيها الفلسطيني.. كن لاجئا من جديد
بقلم: إبراهيم العلي
تشتت اللاجئون الفلسطينيون بعدما حلت بهم
نكبة 1948 اجترح فصولها الكيان الصهيوني الذي هدم الحجر واقتلع الشجر وقتل وشرد البشر،
وتناثر غالبية اللاجـئــين على اتساع الرقعة الجغرافية المحيطة بفلسطين وكذلك لجأ آخرون
إلى أبعد من ذلك فوصلوا إلى الأمريكيتين وأوروبا وأفريقيا. أخذ اللاجئون يستعيدون بناء
الذات للتحضير ليوم يزيلون فيه هذا الاحتلال ليستعيدون الحقوق المغصوبة ويعودون إلى
الدار والحقل ومرتع الطفولة ومولد الأجداد.
بالمقابل لم يتوقف العدو وأذرعه عن ملاحقة
هؤلاء اللاجئين في محاولة للقضاء عليهم وتعطيل كل الخطوط التي قد تؤدي إلى إمساكهم
بزمام المبادرة من جديد، فعمل بشكل مباشر على قمع ثورتهم في الداخل والشتات وارتكب
المجازر بحق المدنيين من اللاجئين واغتال من قيادات ورموز الشعب الفلسطيني من وصل إليه
بالرصاص أو الصواريخ أو السم، أو بشكل غير مباشر عن طريق عملائه وأذرعه في دول اللجوء،
فكان شغله الشاغل اتخاذ كل الخطوات المضادة لقيام أي مشروع تحرري أو نهضوي يمهد لعودة
اللاجئين.
لم تقتصر مسيرة اللجوء الفلسطيني على النكبة
الأولى بل كانت نكباته تتجدد في كل زمان ومكان تنشب فيه حرائق لا يد له فيها، كما في
الأردن ولبنان وليبيا والكويت والعراق ومصر وسورية و.. إلخ، وما ينتج عن ذلك من تشريد
واعتقالات ودماء سالت بلا سبب وبلا ثمن.
لقد استغل الكيان الصهيوني الظروف المحيطة
باللاجئين وخطى حثيثاً إلى سلوك خبيث تجاه شعبنا الفلسطيني بهدف انتزاع هويته الوطنية
والقومية والاسلامية والوصول به إلى القبول بأي حل يعرض عليه بعدما سَلَكَهُ في طريق
معبد بكل المعاني السلبية التي تصل بصاحبها إلى اليأس والإحباط للتنازل عن حقوقه واستبدالها
بجنسية مرغوبة هنا أو توطين مطلوب هناك.
لقد كشفت أزمة اللاجئين من فلسطينيي سوريا
هشاشة الوضع الإنساني والقانوني للاجئين عند لجوئهم الثاني من سورية إلى دول طوق سوريا
"الأردن - لبنان - تركيا.." حيث ظهرت التحديات المخيفة المتعلقة بالهوية
الوطنية الفلسطينية خاصة في الأردن وتركيا وأوروبا حيث يخفي الفلسطيني الفار بحياته
من أتون الحرب جنسيته الفلسطينية في الأردن لمنعها رسمياً دخول حاملها إليه، وفي تركيا
يُقيد في السجلات الحكومية كسوري للحصول على "الكيملك" والوضع القانوني الذي
يتيح له اللجوء الإنساني وما يترتب عليه من الحماية المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية
للاجئين، أما في أوروبا فإن مسمى اللاجئ الفلسطيني هناك فهو "بلا وطن"..
المخاوف السابقة إن لم تترك أثراً مباشراً
على قضية اللاجئين فإن المستقبل ينذر بكوارث غير مقبولة وطنياً لما فيه من تهديد بذوبان
الهوية وضياع القضية، لذا لا بد من التنبه عاجلاً إلى تسوية ما يمكن تسويته ضمن الفرص
المتاحة سواء على الصعيد الرسمي أو الأهلي أو الفردي.
فعلى الصعيد الرسمي يمكن لأصحاب الشأن من
الفلسطينيين مخاطبة الدول التي لجأ إليها فلسطينيو سوريا والطلب منهم تصحيح الأوضاع
القانونية والاعتراف بالهوية الفلسطينية للاجئين والتعامل معهم من منطلق مغاير لطريقة
التعامل مع اللاجئين السوريين.
وعلى الصعيد الأهلي والفردي، لا بد من العمل
على إبقاء شعلة الانتماء لفلسطين متقدة لدى اللاجئين رغم كل الخيبات والإحباطات التي
أصابتهم، فيجب استثمار حالة الانتماء للوطن والقضية الموجودة لدى اللاجئين الفلسطينيين
غير القابلة للقياس وترجمتها قولاً وعملاً على الأرض بما يعزز من صموده ويمكنه من العيش
الكريم، فاللاجئ متمسك بحقه بالعودة إلى داره وحقله وبيارته بالقدر ذاته الذي يسعى
فيه للحفاظ على كرامته في دول اللجوء.
المصدر: الجزيرة