القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

«إسرائيل» تضطهد فلسطينيي 48 بكل أشكال الحياة

 

عنصرية «إسرائيل» من التأسيس إلى الممارسة
«إسرائيل» تضطهد فلسطينيي 48 بكل أشكال الحياة
 

عباس إسماعيل

ليس ثمة نقاش في وجود مظاهر العنصرية في الدولة العبرية، ذلك أن شأنها شأن جميع الدول والكيانات السياسية في العالم، تحوي مظاهر عنصرية، بغضّ النظر عن حجم هذه الظاهرة ونطاق امتداداتها، وبناءً على ذلك فإن السؤال الذي تنبغي معالجته هو: هل «إسرائيل» دولة عنصرية؟!

بعيداً عن الموقف المسبق المعادي للدولة اليهودية ولأصل وجودها، فإن الجواب عن السؤال بشأن عنصرية «إسرائيل» لا ينبغي أن ينطلق من الموقف السياسي أو الديني أو العقائدي أو حتى الأخلاقي تجاهها، بل من المعايير القانونية والأخلاقية والإنسانية المُعتمدة في هذا المجال.

إن الانطلاق من هذه القاعدة يدفع حُكماً في اتجاه البحث عن جذور العنصرية وتجلياتها في مجالات الحياة العامة في الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وبالتالي عن خلفياتها الحقيقية بما يساعد على الوصول فعلاً إلى إجابة موضوعية وموثوقة عن الإشكالية المطروحة، وهذا ما يستدعي تسليط الضوء على مصاديق تلك العنصرية، وأهمها التمييز الممنهج والمقصود بحق جماعة ما، على المستوى الفردي والجماعي، على اعتبار أن التمييز الموجه والشامل هو الركيزة الأساسية في البناء العنصري.

من نافل القول أن للظاهرة العنصرية في العموم وجوهاً ومستويات عديدة، تتفاوت من حيث الدلالة والخطورة. وعلى الرغم من أن أي مظهر من مظاهر العنصرية هو أمر مُدان وقبيح وخطير بحد ذاته، بيد أن أقبح مظاهر العنصرية هو ذاك الذي تمارسه سلطة ما بحق مواطنيها، فإذا كان مواطنو دولة ما يتعرضون للقهر والتمييز والإجحاف لا لشيء إلا لكونهم لا ينتمون إلى دين أو قومية الجماعة الحاكمة، فلا عجب عندها إن تعرضت جماعة دينية أو قومية خارجية للتمييز والممارسات العنصرية من قبل الدولة ذاتها. ذلك أن الدولة التي تمارس العنصرية تجاه مواطنيها لن تتورع عن ممارستها تجاه الآخرين؛ وفي هذه الحال، العنصرية لا ترتبط بالضرورة بواقع الاحتلال، بل إنها تنبع من صميم الفكر اليهودي - الصهيوني وهي مكوّن طبيعي وبنيوي من مكوناته. وبالتالي ثمة علاقة عنصرية وبنيوية بين الصهيونية والعنصرية، وهو ما أشارت إليه الأمم المتحدة في 10/10/1975 من خلال قرارها الذي يحمل الرقم 3379 «باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية».

وإذا عرفنا أن «الدولة اليهودية» وُلدت من رحم الصهيونية وأنها التجسيد الرسمي للفكر الصهيوني، يُصبح واضحاً وجلياً أن تلك الدولة ذات سمة عنصرية بامتياز، وخاصة أن قرار الأمم المتحدة لم يأتِ من فراغ، أو حباً بالفلسطينيين والعرب، بل اعتماداً على الوقائع والأحداث التي ثبتتها لجان الأمم المتحدة المختصة في مختلف مجالات حقوق الإنسان، وقد سبقته كذلك قرارات متعددة لمؤتمرات دولية عديدة.

نظرياً

تبنت الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري من سنة 1965، التي هي الاتفاقية الدولية المركزية والأكثر أهمية لمكافحة العنصرية، تعريف مصطلح «عنصرية»، بالمعنى الواسع، حيث نصّ البند الأول من الاتفاقية على الآتي:

«في هذه الاتفاقية، يقصد بتعبير «التمييز العنصري» أي تمييز أو استثناء أو تغيير أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الانسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي، أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة».

فالعنصرية، بحد ذاتها، تمثّل مساً خطيراً بحقوق الإنسان العالمية، وهي تسلب أناساً معنيين أو مجموعات معينة حقوقاً أساسية، فقط بسبب لونهم، عرقهم، أصلهم الإثني أو القومي، وبذلك تمثّل انتهاكاً فظاً لمبدأ المساواة ومبدأ كرامة الإنسان، اللذين يُعَدّان المبدأين الأساسيين والمركزيين اللذين تستند إليهما كل نظرية حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، وبسبب المسّ الخطير بحقوق الانسان، وبسبب النتائج الكارثية لنظرية العنصرية التي عانتها الإنسانية، فإنها هي العقيدة السياسية الوحيدة التي أخرجها القانون الدولي بشأن حقوق الإنسان خارج القانون.

عملياً

يمكن القول إنه ليس ثمة مستوى من مستويات الواقع الذي يعيشه فلسطينيون 48 إلا تفشّت فيه مظاهر العنصرية وتجلياتها. ذلك أن هذه العنصرية، وفقاً للتعريف الواسع الذي أشرنا إليه سابقاً، تبرز بوضوح في جميع المجالات، بدءاً من المنطلقات الدينية والفكرية للحركة الصهيونية، مروراً بالممارسات التي ارتكبت بحق فلسطينيي 48، وانتهاءً بالقوانين التي سُنَّت داخل الكنيست، والتي تضمن شرعنة التمييز العنصري بحقّ فلسطينيي 48. وثمة سمة بارزة في ظاهرة العنصرية التي تتميز بها الحركة الصهيونية على امتداد تاريخ نشاطها، هي سمة الشمولية والديمومة، بمعنى أن هذه العنصرية رافقت الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة، خلالها وبعدها وصولاً إلى يومنا، وشملت كل مستويات الواقع وتجلّت قولاً وفعلاً وقانوناً، وبرزت في مختلف المراحل والمحطات السياسية التي شهدتها «إسرائيل» وفي كل حكوماتها المتعاقبة مهما كان لونها السياسي، ما يشير إلى أن العنصرية تجاه فلسطينيي 48 فوق الخلافات والتبايُنات السياسية داخل التيارات المختلفة في الكيان الصهيوني.

في الخلفية الدينية

تحفل الكتب الدينية اليهودية بعدد كبير من النماذج العنصرية التي تتجلى في نحو رئيسي بالموقف من الآخر، غير اليهودي، حيث تدعو الشريعة اليهودية وتعاليمها، إلى الهالاخاه، صراحة إلى التمييز ما بين اليهودي وغير اليهودي في كل مجالات الحياة، وصولاً إلى حياة الإنسان.

وتكتسب مظاهر العنصرية في الشريعة اليهودية مخاطرها من التماثل الذي أقامه آباء الصهيونية بين الانتماء الديني والانتماء القومي، واعتبار اليهودية قومية وديناً في الوقت عينه، واستناد الحركة الصهيونية إلى الجذر الديني اليهودي في دعوتها إلى استيطان أرض فلسطين، ومن خلال التشديد على الحق الديني والحق التاريخي في «أرض إسرائيل».

وهناك عدد كبير من التصريحات العنصرية التي تفوّه بها كبار الحاخامات تجاه العرب عموماً، وتجاه الفلسطيينيين خصوصاً، والتي تعكس حقيقة وطبيعة المشاعر والنظرة العنصرية تجاه العرب. فقد أعرب الحاخام موتسافي بن تسيون، في آذار 2003، عن سروره لمصرع ثلاثة من فلسطينيي 48 بالقول: «يحيا شعب إسرائيل، لقد رحلوا والحمد لله. يجب أن نفرح نحن ويبكي الأغيار، فليبكوا وليثكلوا أبناءهم ونسعد نحن ونرقص».

وعبّر الحاخام عوفاديا يوسف، الزعيم الروحي لحركة شاس عن عنصريته تجاه العرب، إذ قال خلال أحد دروسه الدينية: «لدينا عرب كالزبالة». وسبق لهذا الحاخام أن وصف العرب بالأفاعي، ودعا إلى إبادتهم، وعدّهم حيوانات وقال: «لا يوجد حيوان أسوأ من العرب»، وإن الله قال: «ليتني لم أخلقهم». إضافة إلى ذلك، ثمة تصريحات عنصرية أخرى صدرت عن الحاخام الأول لمدينة صفد، وعن الحاخام الرئيسي الشرقي السابق في «إسرائيل»، وعن الحاخام الشرقي الرئيسي لمدينة بات يام، وعن مدير مدرسة «قبر يوسف» الدينية، وغيرهم من الحاخامات.

على المستوى الشعبي

كذلك تتجلى مظاهر العنصرية لدى الإسرائيليين أفراداً وجماعات على حد سواء، ويمكن ملاحظتها من خلال الاعتداءات التي يتعرض لها العديد من المواطنين العرب على خلفية انتمائهم القومي، والشتائم التي يتعرض لها المسلمون ورموزهم، والتي تظهر بوضوح في المباريات الرياضية في كرة القدم. بيد أن أصدق تعبير عن العنصرية الجماهيرية اليهودية تجاه العرب ينعكس من خلال استطلاعات الرأي الكثيرة والعديدة التي تبين حقيقة موقف الأكثرية اليهودية تجاه الأقلية الفلسطينية. ومن مجمل استطلاعات الرأي يتبين أن أكثرية اليهود تنظر إلى فلسطينيي 48 بعين الريبة والشك، باعتبارهم خطراً على الدولة وطابوراً خامساً، وتؤيد إقصاءهم عن مواقع صنع القرار والمشاركة السياسية ونيل الحقوق، كذلك تؤيد أكثر فأكثر اقتراحات ترحيلهم وفق الصيغ المختلفة.

ويمكن الجزم بأنه لا يوجد مجال من مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية المعيشية إلا يشهد تمييزاً بحق فلسطينيي 48، وثمة إجماع يهودي - عربي في الكيان الصهيوني على أن هذا التمييز بنيوي وملموس ويتخطى العوامل الزمنية والسياسية، بمعنى أنه مورس تجاه فلسطينيي 48 من قبل كل التيارات السياسية الإسرائيلية التي توالت على الحكم، وعلى امتداد العقود الماضية، وما زال مستمراً حتى يومنا هذا، ويتوقع استمراره ما استمرت «إسرائيل» دولةَ اليهود.

العنصرية القانونية

إن أكثر ما يسم «إسرائيل» بصفة «الدولة العنصرية بامتياز»، هو التمييز القانوني الذي يمارسه الكنيست الإسرائيلي بحق فلسطينيي 48 من خلال مجموعة من القوانين التي تخدم حصراً سيطرة وهيمنة الأغلبية اليهودية على حساب «المواطنين العرب»، وذلك من خلال العمل على «قوننة» التمييز بما يسمح بجعل التمييز مشروعاً دستوريا،ً وهو مطلوب في كل نظام ديموقراطي. كذلك تأتي أهمية التمييز القانوني من كونه يتجاوز العامل الأدائي المتمثل بالسياسات المتبعة والمطبقة تجاه العرب، ليعكس حقيقة النظرة العنصرية التي تحكم تعاطي سلطة الأكثرية اليهودية مع فلسطينيي 48.

وتتسع العنصرية الإسرائيلية لتطال أيضاً الحقوق الدينية لفلسطينيي 48، حيث تُظهر التقارير الصادرة عن عدد من مؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الإسلامية في الداخل، أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تفعل أي شيء لتنفيذ التزاماتها بحماية الحقوق الدينية والثقافية للأقلية العربية، بل قامت بفعل العكس من ذلك، حيث تؤكد التقارير وجود نمط منظم لانتهاك هذه الحقوق من خلال حرمان المواطنين العرب المسيحيين والمسلمين الدخول إلى عدة مواقع مقدسة، من ضمنها مساجد وكنائس، بسبب إغلاقها بحجج مختلفة، إضافة إلى إفساح المجال خطوات تشمل تدنيس وانتهاك الحرمان والمقدسات مباشرة، كاستعمال بعض الكنائس والمساجد في القرى المهجرة حظائر للأغنام والأبقار، أو مخازن أو حتى استعمال كحانات ومتاجر. كذلك، إن الحكومات الإسرائيلية لم تقم بأي خطوة لمنع مجموعات يهودية من الاستيلاء على بعض المساجد وتحويلها إلى أماكن عبادة يسمح لليهود فقط باستخدامها.

إلقاء نظرة شاملة على تعامل الدولة اليهودية مع «مواطنيها» من فلسطينيي 48، يُظهر بصورة لا لبس فيها أن هذا التعامل عنصري، وأن أقل ما يُقال بحق الدولة التي تمارسه هو أنها دولة عنصرية، بدليل سَنّ الكنيست الإسرائيلي، سابقاً وحالياً، قوانين تتضمن تمييزاً مباشراً أو غير مباشر بحق العرب، يلامس مختلف مجالات حياتهم، ويُعدّ تمييزاً بنيوياً ويمثّل توجهاً رسمياً ومبدئياً من «دولة اليهود» تجاه «المواطنين العرب»، فضلاً عن أن هذا التمييز هو ظاهرة مستمرة واكبت كل مراحل تطور الدولة الإسرائيلية، ولم يقتصر على مرحلة زمنية محددة من عمر الدولة.
 
المصدر: مجلة العودة