«إسرائيل» و«إيران» أول الخاسرين من العدوان على
غزّة
بقلم: ربى كبّارة
تؤشر تطورات العدوان الاسرائيلي على غزة الى ان نتائج الحرب التي استدرجتها
الدولة العبرية وايران تأتي معاكسة لتطلعاتهما. فقد فشل رهان بنيامين نتنياهو في قضاء
ضرباته الجويّة على الترسانة الفلسطينية بما يساعده في الانتخابات المقبلة وفي كشف
مدى التزام الرئيس باراك اوباما في ولايته الثانية رغبات تل ابيب، فيما خسرت طهران
استثماراتها المكلفة على مدى سنوات في غزّة للإحتفاظ بها كورقة تضاف الى ورقة
"حزب الله" للبقاء على حدود "إسرائيل" بما يساعدها على مواصلة
مصادرة القضية الفلسطينية.
فرغم الضربات الجوية والمدفعية ومن البوارج التي أودت خلال تسعة ايام
بحياة اكثر من 140 فلسطينياً من بينهم نساء واطفال وأدت الى مار هائل، وفي حال تأخر
الوصول الى التهدئة سيجد نتنياهو نفسه امام مأزق غزو برّي هدّد به لكنه يعرف كلفته
وبأنه غير مضمون النتائج، إذ سبق ان اختبره في العام 2008. وفيما لم ينفع تحرشه عبر
قصف معمل اسلحة ايراني في السودان قبل بضعة اسابيع، فقد استغل قصف إحدى آلياته العسكرية
ليشن هجوماً جوياً صاعقاً أملاً في القضاء على الترسانة الايرانية المتوفرة بيد الفلسطينيين
قبل نحو شهرين على موعد الانتخابات.
كما رمى نتنياهو الى كشف نوايا اوباما، خصوصاً ان المسؤول الاسرائيلي
كان يحبّذ فوز ميت رومني. وهو أمل بأن انتصاره، لو تحقق، سيخلصه من ضربة عسكرية لايران
طالما هدّد بها وأوحى بأن الولايات المتحدة تخالفه فقط بتوقيتها، فيما المعلومات المتوفرة
تشير الى استمرار التفاوض تحت الطاولة بين طهران وواشنطن.
وتؤشر المفاوضات الجارية الى فشله في فرض مجرد هدنة ردعية، بل سقطت خطوطه
الحمر بسقوط ولو صاروخ واحد في تل ابيب، فيما عارض العالم تلويحه بغزو برّي واجهته
"حماس" من دون رعب لأن اكثر ما يمكنه القيام به هو التوغل في مجموعة محاور
بين التجمعات البشرية وفق مصدر فلسطيني مطلع.
اما ايران التي يقصف الفلسطينيون "إسرائيل" بصواريخها، فقد
خسرت نفوذها وكان وحيداً في هذه المنطقة، وقد يكون مكسبها الوحيد الخسائر التي تلحق
بنتنياهو وفق المصدر نفسه.
فمنذ سنوات ساندت ايران التنظيمات الاسلامية، التي يعود اصلها الى الاخوان
المسلمين، بما سمح لها بالانفصال عن الدولة المركزية وحكم قطاع غزة. لكن ها هي اكبرهم
"حماس" قد بدأت مسيرة عودتها الى الحضن العربي مع خروجها من دمشق لانها آزرت،
خلافاً لطهران، ثورة الشعب السوري. واعقبتها زيارة امير قطر لغزة قبل اسابيع واطلاقه
جملة مساعدات واستثمارات ايذاناً بتوفير الدعم المادي لها.
وكرّس ابتعاد "حماس" عن طهران عودة مصر، في ظل "الاخوان
المسلمين" الى الواجهة، وباتت محور المفاوضات بما سيوفر لها شبه تفويض دولي برعاية
الفلسطينيين اسوة بالتفويض الدولي الذي سبق ان اعطي لسوريا في لبنان. فها هي القاهرة
تحتضن كل الفصائل الفلسطينية برعاية تغيب عنها طهران وحليفتها دمشق خلافاً لما كان
عليه الحال في حرب غزة الاولى.
ورغم الخلاف المستمر على التفاصيل لا مفرّ من التوصل الى التهدئة بما
يضع حداً للحاجة الى التسليح الايراني، رغم أنه من المبكر استنتاج تداعيات ما يجري
على الوضع الداخلي وفق المصدر الفلسطيني المطّلع، الذي يرى ان هدف المقاومة في غزة
لا ينحصر بمطالبها بل سيكون لمصلحة مشروع وطني. فحرب غزة زعزعت النفوذ الايراني بما
سيفتح الباب امام استعادة الوحدة الوطنية التي تناهضها كذلك "إسرائيل" لأن
الانقسام يوفر لها ذريعة مواصلة التهرب من عملية السلام.
فالتهدئة باتت حاجة اسرائيلية تسمح للفلسطينيين بتحقيق مطالبهم المتكاملة
من وقف للغارات والاغتيالات الى رفع تدريجي للحصار. وهذه التهدئة يسعى الطرفان إلى
أن تكون طويلة المدى وستكون، وفق المصدر نفسه اقل من اتفاق واكثر من وقف لاطلاق النار
بما يشكل مكسباً مزدوجاً لـ"حماس" ومصر.
لقد أعاد العدوان فلسطين الى مكانها الطبيعي في قلب الربيع العربي، ولو
من قائل بأن حدّته رمت بمستجدات الثورة في سوريا الى المرتبة الثانية مؤقتاً.
فبعد ربيعهم، قرر العرب استعادة فلسطين من يد ايران وهو ما تدل عليه حركة
الوفود المتتالية، هذه المرة خلافاً للمرة السابقة، الى غزة، من زيارة رئيس الحكومة
المصرية الى زيارة ممثل عن تونس وبعده وزراء خارجية عشر دول عربية مع الأمين العام
لجامعتهم نبيل العربي.
ولا يستبعد المصدر بعض التأخير في الوصول الى التهدئة، لكن مخزون الاسلحة
وفير وايران ستواصل المدّ بها أملاً في عدم خسارة هذه الورقة خسارة نهائية.
ايران على طريق فقدان متاجرتها بقضية فلسطين. فبعد غزة، ها هي على وشك
خسارة نظام بشار الاسد الذي طالما شكّل بابها الواسع الى العالم العربي، وكل ما يتبقى
لها هو "حزب الله". لذلك يعرب المصدر عن خشيته من انها ستتشدد للتمسك بكل
مفاصل لبنان تعويضاً عن هذه الخسائر.