"إسرائيل"
والفلسطينيون: شكل من السلام في غياب المصالحة
داني
دايان* - (نيويورك تايمز) 8/6/2014
ترجمة:
علاء الدين أبو زينة
معاليه
شمرون، الضفة الغربية- أوضحت جهود جون كيري السلمية الفاشلة في الشرق الأوسط أن
التوصل إلى اتفاق سياسي متفاوض عليه هو شأن مستحيل في الوقت الراهن. وكانت صيغة حل
الدولتين قد تمتعت بعقود من النجومية الحصرية، بحيث أحبطت جاذبيتها في هذه الفترة
كل فكر مبتكر وبديل.
الآن،
يبدو أنه ليست لدى المسؤولين الحكوميين في كل من واشنطن وبروكسل والعواصم الأخرى
أي فكرة عن كيفية المضي قدماً، أو أنهم ما يزالون يتشبثون يائسين بفكرة بائدة. لكن
اليأس ليس سياسة مقبولة في نهاية المطاف. فهناك قضايا عملية يمكن، بل ويجب حلها.
أولاً وقبل كل شيء، يستحق الفلسطينيون إجراء تحسينات جوهرية وفورية في أحوال
معاشهم اليومي. ومن الواضح أن هذا ليس طموحهم الأعلى، لكنه يبقى شأناً قابلاً
للتحقيق الآن، على عكس المسائل الأخرى. إننا منخرطون في صراع وطني مرير مع
الفلسطينيين، لكننا نحن المستوطنين لم نكن مدفوعين أبداً -باستثناء بعض العناصر
الهامشية- بدوافع التعصب، أو الكراهية أو العنصرية.
يجب
على "إسرائيل” أن تضع خطة طموحة وجريئة لتحسين كل عنصر من عناصر حياة الفلسطينية
اليومية في يهودا والسامرة -التي عادة ما يشار إليها باسم الضفة الغربية على هذه
الصفحات. ويجب على الإسرائيليين أن يتخلوا عن خوفهم العصابي من الانتفاضة الثانية
التي روعهتم في الأعوام 2000-2005. إنهم لن يستطيعوا الاستمرار في العيش تحت حصار
نفسي بينما يفرضون قيوداً مرهقة وكاسحة على الفلسطينيين بسبب الأعمال البشعة التي
ارتكبوها قبل عقد مضى.
يجب
تفكيك الحاجز الأمني الذي يفصل يهودا والسامرة عن بقية "إسرائيل” في نهاية المطاف،
ويجب أن يتمتع الفلسطينيون بالحرية الكاملة في الحركة، وأن يتمكنوا من معاودة
الدخول في سوق العمل الإسرائيلي. ليس هناك أي سبب يجعل "إسرائيل” تستورد الآلاف من
العمال الأجانب بينما يصارع الكثير جداً من الفلسطينيين بيننا من أجل كسب لقمة
العيش. يجب أن يعود الفلسطينيون إلى المدن الإسرائيلية، وليس فقط كعمال يدويين.
ينبغي اشتمال الأكاديميين الفلسطينيين في الصناعات الإسرائيلية المتقدمة: يجب أن
يتمكن مهندس من رام الله من العمل في تل أبيب، ولا ينبغي أن تكون رؤية طبيب
فلسطيني وهو يعالج المرضى في مستشفى إسرائيلي أمراً نادراً.
يجب
إزالة الحواجز، ونقاط التفتيش والقيود العسكرية على الحركة، ويجب السماح
للفلسطينيين واليهود كافة بالتحرك بحرية. يجب السماح للفلسطينيين بحق الدخول
الكامل إلى البلدات الإسرائيلية في يهودا والسامرة وعبور الخط الأخضر، وبالعكس؛
يجب فتح البوابات في الحاجز الأمني بانتظام كمرحلة تحضيرية قبل تفكيك الحاجز
وإزالته تماماً في نهاية المطاف. وينبغي أن تستمر قوات الأمن الفلسطينية في ممارسة
المهام نفسها التي تقوم بها اليوم. وفي غياب نقاط التفتيش، سيترتب على الجيش
الإسرائيلي أن يكون أكثر نشاطاً مما هو الآن. وفي حال نشب العنف، فإنه سيتم إيقاف
هذه العملية التدريجية أو التراجع عنها.
يجب
على "إسرائيل” أيضاً ضمان أن يحصل الفلسطينيون على دخول سريع ومريح إلى مطارات "إسرائيل”
الدولية، وأن تزيل معظم الحواجز وعوامل التأخير التي تقوم الآن بإعاقة الواردات
والصادرات الفلسطينية عن دخول الضفة الغربية ومغادرتها.
إنه
ليس من مصلحة "إسرائيل” أن تقوم بإضعاف أو حل السلطة الفلسطينية، أو أن تعطل
الحياة اليومية للفلسطينيين. ويعني ذلك وضع حد للتأخير في تحويل دفعات الضرائب
للسلطة، والعمل بقوة على تعزيز عملها بكفاءة.
بالإضافة
إلى ذلك، لا يجب أن تكون الإدارة المدنية للاتصال الإسرائيلي مع الفلسطينيين تحت
إدارة الجيش الإسرائيلي بعد الآن، وإنما يجب أن يديرها مدنيون يخدمون السكان
المدنيين الفلسطينيين بكفاءة ولباقة. لا يجب أن يضطر فلسطيني في الخمسين من عمره
إلى التعامل مع جنود وضباط إسرائيليين بنصف عمره.
يجب
اشتمال الفلسطينيين أيضاً كأعضاء كاملي العضوية في لجان الإدارة المدنية الخاصة
بالتخطيط والبناء، والتي تنظر في أمر البناء والإنشاءات في البلدات العربية. ويجب
ضم قضاة فلسطينيين في المحاكم التي تنظر في النزاعات المدنية، بما فيها تلك التي
تتعلق بالنزاع على الأرض. ينبغي للقانون الذي ينطبق على فلسطيني عمره 16 عاماً
يضبط وهي يرمي الحجارة، أن ينطبق أيضاً على أي ولد في عمر 16 عاماً من أي عرق كان،
إذا كان يرتكب الفعل نفسه في داخل الخط الأخضر. ليس هناك أي تبرير عملي ولا أخلاقي
لتطبيق سياسات قانونية مختلفة على الفلسطينيين والإسرائيليين.
أخيراً،
يجب على إسرائيل، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، أن تقوم باتخاذ إجراءات لتحسين
البنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنقل والتعليم الخاصة بالفلسطينيين، بهدف
تضييق الفجوات الهائلة بين المجتمعات الإسرائيلية والفلسطينية. ويعني هذا أيضاً
إعادة تأهيل مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية تأهيلاً كاملاً. فمن غير المقبول أن
يستمر الجيل الخامس من اللاجئين الفلسطينيين في العيش في فقر مدقع، والذي يقود إلى
التوتر والعنف. يجب تزويد سكان المخيمات بسكن مناسب، وبالوظائف وخدمات العناية
الصحية والتعليم.
يجب
أن لا يكون هناك أي تسامح مع العنف من كلا الجانبين. وكما سيبقى الجيش الإسرائيلي
موجوداً لضمان الأمن، فإن ما يسمى أعمال "شاخصات الثمن" التي يرتكبها
الإسرائيليون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم -من أجل تقاضي "ثمن" عما
يتصورونه سياسات معادية للاستيطان- يجب أن تتوقف مرة وللأبد.
إن
النزاع العربي الإسرائيلي على الأراضي يبدو الآن معادلة محصلتها صفر، لكن
الاعتبارات الإنسانية ليست كذلك. إننا لا نكسب أي شيء من إهانة الفلسطينيين أو
إفقارهم. ولا تتعارض فكرة تحسين نوعية حياة الفلسطينيين أبداً مع أي غايات نهائية
مفترضة أخرى، مثل ضم يهودا والسامرة أو تطبيق صيغة حل الدولتين. كما أن قضايا
الوضع النهائي لن تتغير أيضاً؛ سوف يستمر الفلسطينيون في التصويت في انتخابات
السلطة الفلسطينية، وسيستمر الإسرائيليون في التصويت في الانتخابات الإسرائيلية.
يجب
أن يكون واضحاً أن هذه الأطروحة ليست خطة لإحلال سلام دائم، وإنما هي أقرب إلى خطة
لمرحلة "لامصالحة سلمية".
*رئيس
سابق لمجلس ييشا للمجتمعات اليهودية في الضفة الغربية.
*نشر
هذا المقال تحت عنوان: Peaceful
Nonreconciliation Now
المصدر:
الغد الأرنية