القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

إعمار مخيم نهر البارد دراسة مقارنة مع مخيم جنين في الضفة ومدينة زايد في غزة - رأفت مرّة

إعمار مخيم نهر البارد دراسة مقارنة مع مخيم جنين في الضفة ومدينة زايد في غزة

رأفت مرة

بعد مرور أربع سنوات على بدء المعارك بين الجيش اللبناني وجماعة «فتح الإسلام» التي وقعت في 20/5/2007 وانتهت في أيلول من نفس العام، وأدت إلى تدمير مخيم نهر البارد وتهجير حوالى أربعين ألفاً من سكانه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون، أهالي المخيم، ومعهم كل الفلسطينيين في لبنان، ينتظرون المباشرة بخطوات حقيقية لإعمار المخيم، تنفيذاً لوعود الحكومة اللبنانية التي أكد رئيسها السابق فؤاد السنيورة أن «العودة مؤكدة والإعمار حتمي»، وتنفيذاً لالتزامات ومهام منظمة الأونروا المسؤولة عن اللاجئين الفلسطينيين.

ولا شك أن إعادة إعمار المخيم وإعادة أهله إليه، هو واجب أخلاقي وإنساني أولاً، وهو التزام حقيقي قانوني ثانياً، بالأخص عند الدولة اللبنانية المسؤولة حتماً عن حياة وأمن واستقرار اللاجئين الذين استقبلتهم، ويحملون وثائق صادرة عنها.

منذ أربع سنوات إلى اليوم شهدت عملية إعادة إعمار مخيم نهر البارد تباطؤاً متعمداً من قبل الحكومة اللبنانية والأونروا. فوتيرة جمع التبرعات والتلزيم والإعمار والتنفيذ تسير ببطء شديد، لدرجة نستطيع أن نتهم ونقول إن هناك تواطؤاً بين الحكومة اللبنانية والأونروا في التأخر في الإعمار، وإن هناك تبادلاً للمصالح، وإن هناك جهات نافذة في الجانبين تستغل عملية إعادة الإعمار، لحسابات شخصية.

حتى الآن لا يوجد أي مبرر يسبب هذا التأخر في الإعمار، فالأموال المتوفرة في الأونروا كافية لإعمار ثلث المخيم على الأقل، لكن ومنذ أربع سنوات لم يعد إلى المخيم القديم سوى 41 عائلة من أصل 5033 عائلة.

ونقدم في هذا المقال الدليل على وجود سياسة رسمية معتمدة من الحكومة اللبنانية والأونروا على التأخر والمماطلة في الإعمار، من خلال مقارنة إعمار مخيم نهر البارد بمخيم جنين في الضفة الغربية الذي هدمه الاحتلال الإسرائيلي في نيسان 2002 والتزمت الأونروا تنفيذ الإعمار، وإعمار مدينة زايد في قطاع غزة.

ففي مخيم جنين تم إعمار 469 وحدة سكنية بالكامل، موزعة على 125 مبنى، وهي المنازل التي دمرت بشكل كامل، كما تم إعمار 1200 منزل تضررت بشكل جزئي. وشملت المرحلة الثالثة من المشروع الذي تبرعت به دولة الإمارات العربية المتحدة يومها إعمار البنية التحتية وإعادة تأهيلها، بالإضافة إلى إعمار مراكز المجتمع الدولي في مخيم جنين، وهي عبارة عن مركز النشاط النسوي ومركز الشباب الاجتماعي، والمدرسة الابتدائية للبنات، أما مشروعات البنية التحتية فشملت إعادة إعمار شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق. وقد شمل هذا المشروع إعادة تحسين السكن لـ 55 أسرة في المخيم.

حصل التلزيم في 20/7/2002، وسلم المشروع في نهاية 2004، تمت إعادة إعمار المخيم في حوالى سنتين ونصف السنة.

أما النموذج الثاني فهو مدينة زايد في قطاع غزة الذي كان يومها لا يزال تحت الاحتلال الإسرائيلي. فبتبرع من دولة الإمارات العربية المتحدة وعلى مساحة 527 دونماً تم بناء مدينة الشيخ زايد.

وتتكون المدينة من سبعين بناية ذات خمسة طوابق، وبناية واحدة ذات اثني عشر طابقاً، بمجموع سبعمئة وست وثلاثين شقة سكنية، تتراوح مساحة الوحدة السكنية ما بين 105 إلى 112 متراً مربعاً، مقسمة إلى ثلاث غرف نوم وغرفة معيشة مفتوحة مع غرفة طعام وحمام ومطبخ. بتكلفة بلغت 227 مليوناً و850 ألف درهم إماراتي (أي ما يعادل 62 مليون دولار ونصف المليون).

وضمت المدينة مدرسة تحتوي على 24 فصلاً، وسوقين تجاريين مركزيين، ومسجداً يتسع لأكثر من ألف مصلّ من الداخل وألف مصلّ في الخارج، بالإضافة إلى مصلى للنساء ومبنى لسكن إمام المسجد ومبنيين للدراسات الإسلامية للبنين والبنات وساحات للملاعب، وحدائق، وسبعين مولداً كهربائياً، وأماكن مخصصة لوقوف السيارات وعدة ملاعب للأطفال وشبكة طرق داخلية وخارجية، ودوّارين عند مدخليها الشمالي والجنوبي، ومئات من أشجار النخيل الموزعة في حدائقها وشوارعها.

يذكر أنه تم الانتهاء من تنفيذ مشروع مدينة الشيخ زايد في زمن قياسي حيث بدأ التنفيذ الفعلي في شباط/ فبراير 2002 وتم تسلمه بصورته النهائية في سبتمبر/ أيلول 2004.

أما مخيم نهر البارد، ففي 9/3/2009، أي بعد حوالى السنتين من تدميره، وُضع الحجر الأساس لإعادة إعماره، وهذا ما استبشر به الجميع على أنه الخطوة الأولى في سبيل تحقيق مشروع الإعمار. إلا أن عملية الإعمار توقفت لمدة شهرين بسبب اكتشاف بعض الآثار في المخيم القديم قيل إنها تعود لمدينة أثرية تسمى «أرتوزيا»، لتنطلق فعلياً في 26/10/2009.

قسم المخيم إلى ثماني رزم وحتى الآن لم ينتهِ العمل بالرزمة الأولى التي بدأ العمل فيها على يد شركة «جهاد العرب». وقد أعلنت الأونروا بلسان مديرها العام وعبر بياناتها المتكررة بأن تسليم الرزمة لاصحابها سيتم يوم 15/11/2010 ولم يحصل ذلك، ثم تعهدت بأن يتم التسليم يوم 30/12/2010، وأيضا لم يتم الالتزام بهذا التعهد.

وبلغت تكلفة إعادة إعمار الرزمة الأولى 26.600 مليون دولار أميركي وعدد منازلها 432، لكن عودة بعض نازحي مخيم نهر البارد في شهر نيسان/ أبريل الماضي إلى منازلهم الجديدة في الرزمة الأولى كانت ناقصة، ذلك أنه من أصل 423 عائلة كان من المفترض أن تعود للسكن في هذه الرزمة، لم يعد سوى 108 عائلات تقريبا، أما العدد الفعلي لمن عاد فهو 41 عائلة، لأن إعادة إعمار الرزمة الأولى لم ينته بعد، ما دفع وكالة الأونروا المشرفة على إعادة إعمار المخيم إلى تنظيم عودة جزئية للنازحين إليه، نظراً للضغوط التي تتعرض لها بسبب التأخير في إنجاز ما تعهدت به من وعود لأهالي المخيم.

حسب جداول الإحصاءات التي أعدّتها الأونروا، فإن 5033 عائلة يفترض أن تعود إلى مخيم البارد إثر انتهاء إعادة إعماره. وإلى أن يحصل ذلك، وهو محط شكوك ومخاوف، لأن الأموال المتوافرة بالكاد تكفي لبناء ثلاث رزم إضافة إلى مجمّع الأونروا في المخيم، فإن الرزم وُزّعت لتستوعب العائلات العائدة على النحو الآتي: الرزمة الأولى 423 عائلة، الثانية 666 عائلة، الثالثة 638 عائلة، الرابعة 720 عائلة، الخامسة وهي أكبر الرزم، 788 عائلة، السادسة 509 عائلات، السابعة 735 عائلة، الثامنة وهي أصغر الرزم، 367 عائلة، إضافة إلى منطقة AO التي تستوعب 187 عائلة.

حددت الأونروا مبلغ 455 مليون دولار أميركي كميزانية إعمار المخيم وجواره. وبحسب الأونروا، فحتى الآن لم يتم تأمين سوى 36% من المبلغ المطلوب للإعمار، أي ما يقارب 160 مليون دولار.

باختصار، بعد سنتين من البدء في الإعمار لم تسلم الأونروا من أصل 432 منزلاً سوى 41 منزلاً.

نخلص من كل ذلك إلى النتائج التالية:

1- تتحمل الحكومة اللبنانية المسؤولية الكاملة عن التأخر المتعمد في عدم إعمار المخيم.

2- تتحمل الأونروا المسؤولية الكاملة عن التأخر الحاصل، وهي ـ الأونروا ـ ثبت أنها غير مؤهلة لإدارة مثل هذا المشروع الضخم. فالفساد ينخر في جسدها، والحديث عن الاستفادة من أموال الإعمار يسأل عنه أهل المخيم.

3- تتحمل الأونروا والحكومة اللبنانية مجتمعتان المسؤولية الأخلاقية والقانونية عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين من أهالي المخيم، وعن كل ما يصيبهم من ضرر ناتج عن التأخر في الإعمار.

وهذا يدفعنا إلى توجيه الأسئلة التالية:

1- لماذا لم تقم الأونروا بمقاضاة الشركات التي تأخرت في تسليم المنازل. شركة «جهاد العرب» وشركة «داناش»، ولماذا تتعاقد مع ملتزمين جدد؟

2- لماذا يصمت الاتحاد الأوروبي، الجهة الممولة الأولى، عن التأخير الحاصل في الإعمار؟

3- متى ستنتهي عملية الإعمار؟

4- لماذا يتم دفع نفقات تشغيلية وإدارية من الموازنة المخصصة للإعمار، وكم صرف من المبلغ المرصود وكم بقي؟

المصدر: جريدة السفير