القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

إلغاء الديانة من الهوية الفلسطينية: لماذا الآن؟

إلغاء الديانة من الهوية الفلسطينية: لماذا الآن؟

عدنان أبو عامر

بدون مقدمات، قررت السلطة الفلسطينية يوم 11/2/2014 إلغاء خانة الديانة في بطاقات الهوية الشخصية للمواطنين، بحيث لن يتم التفريق بين المسلمين والمسيحيين.

وأكد وكيل وزارة الداخلية الفلسطينية حسن علوي بأن القرار الذي وصفه بـ"الاستثنائي" جاء بناء على تعليمات الرئيس محمود عباس، مكتفياً بتحديد الديانة في شهادة الميلاد، ولا داعي لتكرارها ببطاقة الهوية، التزاماً بالقانون الأساسي الذي نص على عدم التمييز بين الفلسطينيين على أساس الجنس أو العرق أو الدين.

مواقف متباينة

فوجئ الفلسطينيون بالقرار، لاسيما بتوقيته، وجاءت ردود الفعل بين مؤيد ومعارض ومستغرب، وشارك في النقاش الجهات الحقوقية والكتاب الصحفيين ومواقع التواصل الاجتماعي والقوى السياسية، خاصة وأنه لم يسبق له تمهيد مسبق من قبل السلطة.

فقد رحب مركز إعلام حقوق الإنسان "شمس" بالقرار، لانسجامه مع القانون الأساسي، وشروط المواطنة، وتحصين للمجتمع الفلسطيني من المشاكل، وحماية للنسيج المجتمعي من إسرائيل التي تحاول بث الفرقة بين أبنائه، معتبراً أن وجود خانة الديانة في الهوية علامة تمييز بين الفلسطينيين.

في حين قال عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، أن الخطوة تنطوي على إيجابية "يتيمة"، دون أن يسبقه قرارات واجبة، طالب بها فاعلون سياسيون واجتماعيون لإعمال المساواة بين الفلسطينيين، ولذلك بدا القرار "نشازا"، لأن أحدا لم يطالب به، ولذلك لا يعدو عن كونه من الرئيس، ورغم أهميته ودلالته، لكنه لم يخضع لنقاش من قبل المجتمع وقواه المختلفة بما يعبر عن الإرادة العامة له.

فيما اعتبر الكاتب الصحفي برهان دويكات، أن القرار يعود لأسباب اقتصادية بحتة، لأنه سيجبر عشرات آلاف الفلسطينيين على تغيير حتمي في بطاقات هوياتهم، وما يتبعه من إيرادات حكومية تدخل ميزانية السلطة، وكان الأهم منه شطب الكلمات العبرية الموجودة في بطاقات الهوية الفلسطينية.

معارضة حماس

"المونيتور" خلال إعداده للتحليل، رصد العديد من مواقف حماس المعارضة للقرار، فيما ساد صمت شبه كامل من السلطة الفلسطينية، مكتفية بما أعلنته وزارة الداخلية كما مر معنا.

فقد اعتبر الناطق باسم حكومة حماس إيهاب الغصين، في حديثه "للمونيتور" أن القرار غير قانوني، لأنه ليست من صلاحيات عباس، المنتهية ولايته الدستورية، ولا يحق له اتخاذه، بل من مهام المجلس التشريعي.

ووصل الأمر بوزير العدل السابق في حكومة حماس محمد الغول، لوصف القرار بأنه جريمة بحق الشعب الفلسطيني، واستهجنت سميرة الحلايقة عضو المجلس التشريعي عن حماس في الضفة الغربية صدور القرار نظراً للعلاقات المميزة بين الطوائف الدينية في فلسطين، معتبرة أنه يثير الشبهة، مطالبة بتحركات من الجهات التشريعية والقانونية ضده، مستنكرة موقف بعض الفصائل التي سكتت عنه، ومن أبدت رضاها عنه.

لكن موقعاً إخبارياً مقرباً من حماس أورد جملة أسباب لرفض القرار الذي وصفه بـ"المخزي"، ويتم تزيينه بغطاء وطني كاذب، لأن إلغاء الديانة كان مطلبًا للعلمانيين واليساريين، ممن يطالبون بحذف كل ما له علاقة بالدين من حياة الفلسطينيين، ومن بينها المسمى في الهوية، محذراً أن القرار يتيح للمسلمة الزواج من مسيحي، تمهيدًا للزواج المدني.

وأشار ذات الموقع في تقرير تفصيلي أن القرار خطوة باتجاه العلمنة، وإقصاء الدين من حياة الفلسطينيين، فمن لا يتحمل وجود كلمة الإسلام في أمور شكلية، فلن يتحملها في الأمور الأساسية، تمهيداً لمحاربة الأسلمة، التي تطرق إليها "المونيتور" في تحليل سابق.

خطة كيري

المثير أن مواقف حماس المعارضة لإلغاء خانة الديانة، اعتبرته تمهيداً لتطبيق خطة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وإمكانية بقاء المستوطنين في دولة فلسطين المنتظرة، كي لا يتم التمييز بين المسيحي واليهودي والمسلم عبر بطاقات الهوية، كما ذكر الغصين "للموينتور".

وهو ما دفع حسني البوريني، عضو المجلس التشريعي عن حماس في الضفة الغربية، للقول أن القرار مقدمة لاستيعاب المستوطنين في الدولة الفلسطينية المنشودة، وتمكينهم من دخول الانتخابات، لأن اليهود سيكونون من مكونات الشعب الفلسطيني.

بل إن طاهر النونو، المستشار الإعلامي لرئيس حكومة حماس اعتبر القرار في حديث "للمونيتور" توطئة صارخة لتنفيذ ما رشح من خطة "كيري"، بضم عدد من المستوطنين الإسرائيليين، واعتبارهم مزدوجي الجنسية، ولذلك لا يمكن القبول به، لأنه يصب في المصلحة الإسرائيلية فقط.

"المونيتور" تحدث مع مسئول كبير في السلطة الفلسطينية رفض الكشف عن هويته، لمعرفة مدى العلاقة بين توقيت صدور القرار وتقدم المفاوضات مع إسرائيل، فاكتفى بالقول: هذا ربط غير منطقي، لأن هذا "التزامن العفوي" بين الأمرين ليس دليلاً على توجه رسمي فلسطيني للقبول بوجود مستوطنين في أراضي الدولة الفلسطينية.

أما عن آليات تطبيق القرار، فقال علوي أن إلغاء خانة الديانة كان مدار مفاوضات مع إسرائيل منذ عام 1995، التي عارضت إلغاءها في بطاقات الهوية الفلسطينيين، لأنها تتحكم بسجلاتهم الرسمية وبطاقات هوياتهم وجوازات سفرهم، ولا يحق للسلطة الفلسطينية إجراء تعديلات على بطاقة الهوية للفلسطينيين دون موافقة إسرائيل بموجب اتفاق أوسلو.

جزئية أخرى مثيرة في القرار، أن السلطة الفلسطينية شرعت بتطبيق القرار هذه الأيام بالضفة الغربية فقط، كونها لا تدير سوى جزء من الأراضي الفلسطينية، بعد سيطرة حماس على قطاع غزة صيف عام 2007، فيما أكد مسئول كبير في حكومة حماس "للمونيتور" أن بطاقات الهوية للغزيين لم يطالها التغيير لغاية الآن، والحكومة لن تطبق القرار عليهم.

وختم المسئول الذي لم يفصح عن شخصيته بالقول: هذا قرار غير قانوني، وسيكون مصيره كالعشرات من القرارات غير الدستورية التي أصدرتها السلطة الفلسطينية منذ أحداث الانقسام بين غزة والضفة عام 2007، ولن يجد طريقه للتنفيذ، لأن غزة، كما وصفها، لن تكون جسراً لتنفيذ مخططات سياسية تصفوية للقضية الفلسطينية.

المونيتور، 28/2/2014