إلى أين سيقود مشعل
سفينة "حماس"؟
بقلم: صلاح حميدة
تناول الإعلام المحلي
والإقليمي والعالمي انتخابات حركة "حماس" التي انتظر نتائجها الكثيرون، وبينما
عللت الحركة تأخرها لانتشارها الجغرافي، والديموغرافي، وعوائق الاحتلال، والاحتياطات
الأمنية التي لا تمكنها من الاجتماع في مكان واحد بعلانية لإجرائها، كان هناك تكهنات
بأنّ الحركة تتعمد التأخير لترى خلاصات ما يجري على الساحة الاقليمية حتى لا تتحمل
تبعات وأخطار إضافية بعد أن اتخذت قرارات مستحقة، مثل قرارها التاريخي بالخروج من سوريا
بسبب دموية النظام مع شعبه، وربّما قرارات وخيارات أخرى لا زالت توازن بينها لتحقيق
أكبر عائد للقضية للفلسطينية، وتجاوز مطبّات من الممكن أن تقع فيها.
ومن الواضح من قراءة
النتائج أنّ الحركة غيرت في هياكلها الإدارية ومصانع صنع القرار فيها بقدر مهم، وما
بقي على حاله هو تزكية خالد مشعل ليقود الحركة لأربع سنوات قادمة، وللمرة الأخيرة،
وتم اختيار نائبين له، هما أبو مرزوق وهنيّة، بينما بقيت التغييرات في الضفة الغربية
والسجون، وربما في الداخل الفلسطيني المحتل قيد السرية المطلقة (لاحتياطات أمنيّة)
كما علل ذلك بعض المقربين من الحركة.
قد تكون مؤسسات حركة
"حماس" الجديدة رأت أنّ الوقت لم يحن بعد لتغيير رأس المكتب السياسي للحركة،
وربما يكون ذلك عائداً لقدرات وعلاقات مشعل الشخصية، وأنّ المرحلة الحالية ذات حراك
سياسي وأمني وشعبي واسع ومتشابك، وأن مشعل ربما يكون أفضل من ينفذ سياسات مراكز القرار
في الحركة بأقل الأضرار، في مرحلة تحمل جديداً مع كل دقيقة. فالعلاقات الشخصية والمقبولية
الجماهيرية لهما دور في صنع السياسة الداخلية والاقليمية و الدولية، ولذلك وقع الاختيار
على مشعل ليحظى بفرصته الأخيرة لقيادة الحركة لأربع سنوات قادمة.
الكثير من الشخصيات
والفصائل الفلسطينية ربما تكون شاطرت مؤسسات "حماس" نفس الرؤية من زوايا
مختلفة، فأكثرها يرى أنّ مشعل وهنية وأبا مرزوق هم الأكثر قدرة على إنجاز الكثير من
الملفات الفلسطينية العالقة، كملف المصالحة، بالرغم من أنّ الجميع يدرك تعقيدات ذلك
الملف واستعصائه على الحل، وأنّ هناك بحثا عن مصالحة لا عن صُلحة. ولكن هناك من يعتقد
أنّ وجود شخصيات تُقَزِّم الانقسام، وتحاصر تداعياته، وتمارس عملية الإطفاء لأي حريق
من الممكن أن يندلع أفضل، أملاً باقتناص أي فرصة للإجهاز على الانقسام نهائياً.
جرت خلاصة الانتخابات
في مصر، أو ربما الاعلان عنها في مصر، "حماس" أرادت من ذلك إرسال رسالة للكثير
من الأطراف أنّ الوضع اختلف عن ذي قبل، خاصّة في ظل التغيرات التي تجري هناك، وقيام
الحركة بحركة اتصالات وتواصل واسع مع قيادات سياسية ووسائل إعلامية، ورسميين وأمنيين
مصريين، في ظل خصوصية العلاقة بين مصر وقطاع غزة، ومصر الدولة والشعب والمؤسسات بالقضية
الفلسطينية ومقاومتها أيضاً. وربما اختارت القاهرة أيضاً أن ترسل رسائل لأطراف معادية
لحركة "حماس" بدأت بمهاجمة النظام الجديد في مصر سياسيّاً وإعلاميّاً، بأنّ
ورقة المقاومة الفلسطينية بيدها، وبدعمها لها توصل لهم رسائل وتحذيرات.
قد يكون نتنياهو أكثر
المنزعجين من اختيار مشعل من جديد، فقد اختار نتنياهو مصيراً لمشعل قبل سنوات طويلة
في عمّان، ولكن الله قدّر لمشعل مصيراً آخر، وبينما يعتبر نتنياهو نفسه ملك ملوك
" إسرائيل" يعود مشعل إلى واجهة الصراع مع المشروع الاحتلالي في مرحلة صعبة،
وربما بدعم إقليمي أوسع من ذي قبل، وحتى من الحليف الإيراني الذي لا يزال يعلن أنّه
لن يتراجع عن دعم الحركة، وهو ما يشير إلى تقارب إخواني – إيراني فيما يخص الملف الحمساوي
تحديداً، بالرغم من توتر علاقاتهما بسبب الملف السوري.
ربّما تكون العديد
من الأطراف الأقليمية والدولية التي خَبِرَت مشعل لم تُحَبِّذ تغييره في هذه المرحلة،
وربّما تكون ( طلبت من مشعل أن يبقى في موقعه في هذه المرحلة) كما قال المحلل السياسي
مصطفى الصواف، ولكن "مؤسسات الحركة هي صاحبة القرار ولا تخضع لضغوطات من أحد،
وهي تختار قادتها بناءً على مصالحها" ورأى أنّ هذه تحليلات سطحية لا تعرف كيف
يتم اتخاذ القرارات داخل الحركة، وأنّ هذه التحليل أقرب إلى الاتهامات، وأن الحركة
كانت تواجه مثلها عندما كانت في سوريا.
أما الأطراف التي
لا ترى في حركة "حماس" إلا شرّاً مطلقاً، فلن ترى في أي نشاط أو فعل أو تغيير
أو إخفاق أو حتى إنجاز للحركة إلا شراً مستطيراً، وبالتالي فتحليلاتهم لن تغادر منطقهم
بالتفكير، وستبقى أسيرة عقلية تفكر باتحاه واحد له خلفيات وأفكار ورؤية استئصالية.
انتهت الحركة من انتخاباتها،
وتحدث الجميع عن ظروف الانتخابات ونتائجها المباشرة، وأجاب خالد مشعل عن غالبية التساؤلات
في مؤتمره الصحفي في القاهرة الذي أعقب انتخابه، و ينتظر الجميع لرؤية إلى أين سيقود
مشعل سفينة "حماس"؟.
المركز الفلسطيني للإعلام، 8/4/2013