إلى متى يستمر العبث بمخيم عين الحلوة؟
نضال حمد
هناك مخيم عين الحلوة... وهناك عاش المبدع الشهيد ناجي العلي أحد أشهر رسامي الكاريكاتير السياسي في العالم، والذي اغتاله سلاح الإجرام المأجور في لندن سنة 1987. هناك في مخيم عين الحلوة عاش أبو صالح الأسدي بطل رواية "باب الشمس" للروائي اللبناني "إلياس خوري" والتي تتحدث عن حياة هذا الرجل العظيم وعن نكبة شعب فلسطين.. في حي صفورية بعين الحلوة ولد الشهيد جيفارا موعد الذي ارتبط اسمه بمعسكر أشبال فتح بالمخيم، فتح ثورة حتى النصر وليس فتح سلطة الحكم الذاتي المحدود. القائد الميداني الفتحاوي جيفارا موعد الذي أسر الجنود الصهاينة في جبل لبنان سنة 1982 ليتحقق فيما بعد تبادل الأسرى الشهير الذي بموجبه أطلق سراح كافة أسرى معسكر أنصار. وفي عين الحلوة ولد أيضا الشهيد محمد راجح لافي رفيق دلال المغربي في عمليتها الشهيرة سنة 1978.. ومن عين الحلوة كذلك خرج آلاف الشهداء والجرحى والمناضلين الذين قدموا للقضية الفلسطينية وللأمة العربية أعز ما يملكون.
حواجز ونقاط تفتيش الجيش اللبناني الشقيق، المنتشرة على كل مدخل يؤدي إلى المخيم سواء للمشاة أو للمركبات، تلك الحواجز التي تقوم منذ سنة 1991 بالتدقيق في هويات وملامح وشخصيات سكان المخيم وكذلك زائريه من الفلسطينيين واللبنانيين والعرب والأجانب، الذين بدورهم يحتاجون لتصاريح خاصة من المخابرات اللبنانية حتى يستطيعوا زيارة المخيم أو حتى الأهل في المخيم. وإذا كان الزائر فلسطينيا أصله من عين الحلوة وأهله يسكنون هناك أما هو فيحمل الجنسية الأجنبية، التي اكتسبها بسبب الهجرة الاضطرارية نتيجة الحروب العربية على الفلسطينيين، في هذه الحالة يتوجب عليه أن يحج إلى ثكنة الشهيد زغيب للحصول على تصريح يمكنه من دخول القلعة. والقلعة الفلسطينية الشامخة التي لا تتعدى مساحتها 2 كلم مربع هي مخيم عين الحلوة، حيث يعيش عشرات آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في ظروف قاهرة وصعبة وغير إنسانية. فالمخيم بقي على حاله منذ النكبة سنة 1948 باستثناء توسعات قليلة جرت بعد الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982. شملت جرف بستان في المخيم كان يعرف ببستان "اليهودي" وكذلك منطقة "السور" التي تفصل المخيم عن منطقة الفيلات اللبنانية، إذ تمت هناك عملية بناء مساكن للذين وجدوا أنفسهم بلا مساكن. وعلى مساحة صغيرة من الأراضي التابعة للبستان تم بناء ما يعرف بتجمع "أوزو" لمهجرين من مخيمات أخرى استقبلهم مخيم عين الحلوة هناك. ويعيش هؤلاء في ظروف أسوأ من ظروف سكان المخيم. أما الأطفال الذين ولدوا في عين الحلوة وهم من عدة أجيال تمتد منذ تأسيس و بناء مخيم عين الحلوة والى يومنا هذا، الأطفال الذين كبروا وتزاوجوا وأنجبوا أطفالا، ثم أطفال بعضهم تزاوجوا وأنجبوا كذلك أطفالا، هؤلاء لم يتمكنوا من التوسع وبناء المنازل بشكل طبيعي، لأن القوانين اللبنانية تمنعهم من ذلك. هنا نفهم لماذا تم جرف البستان والبناء فيه وكذلك في السور. ونفهم لماذا يتوسع المخيم عامودياً وليس أفقيا تماما كما يحصل في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان. لا توجد إحصائية دقيقة للمقيمين في المخيم هذه الأيام لكن يدور الحديث عن نسبة تتراوح بين 70 و100 ألف لاجئ فلسطيني. هؤلاء عليهم أن يمروا ذهابا وايابا، كل يوم ( أحيانا أكثر من مرة) في الطريق إلى أعمالهم ومدارسهم وأشغالهم عبر حواجز الجيش اللبناني التي تقوم غالبا بالتشدد في المراقبة، وتخضع عمليات التفتيش والتدقيق لأمزجة بعض الضباط وبعض الجنود. وكذلك هناك بعض الجنود يمارسون إذلالاً للسكان وخاصة من فئة الشباب والشبيبة، مما يزيد من توتر العلاقة السيئة أصلاً بين أهالي المخيم ومحاصريه من جيش لبنان العربي الشقيق. هذا الجيش الذي فيه عناصر وضباط وطنيون وقوميون وفيه كذلك بقايا بشير الجميل وسمير جعجع وسعد حداد وأنطوان لحد وأبو أرز، وقد رأيناهم في ثكنة مرجعيون سنة 2006 وهم يقدمون الشاي لقوات الاحتلال الصهيوني، بينما آخرون من نفس هذا الجيش كانوا يقاومون ويستشهدون في مواجهة الغزو الصهيوني. مخيم عين الحلوة ليس بمخيم عادي في لبنان وفي الشتات الفلسطيني فسكانه وآخرون من أبناء المخيمات الفلسطينية في الشتات يطلقون عليه لقب "عاصمة الشتات الفلسطيني". ويعتبره الكثيرون العاصمة المعنوية والثورية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. ففي التاسع والعشرين من نيسان - ابريل 1969 شهدت المخيمات الفلسطينية هبة جماهيرية ضد قمع وظلم المكتب الثاني اللبناني (المخابرات) للسكان، وكانت أعنف تلك المواجهات في مخيم عين الحلوة حيث تم تحريره من المكتب الثاني بعدما سقطت مجموعة من الشهداء في المواجهات، مازالت قبورهم موجودة في مدرسة قبية الابتدائية في المخيم. وأذكر منهم الشهيد محمد عبدالله شرارة. في أثناء حرب تشرين أكتوبر بين سورية ومصر والكيان الصهيوني سنة 1973 قدم مخيم عين الحلوة مجموعة من أبنائه شهداء ومفقودين في عمليات فدائية كثيرة تمت في الجليل الفلسطيني المحتل. ومن هؤلاء الشهداء أذكر الشهيد علي سليم أيوب ( أبو فراس) من بلدة الجش في فلسطين المحتلة، ووالده سليم أيوب كان مختارا لبلدة الجش سنة 1948. وكذلك الشهيد محمد علي يوسف (أبو عامر) من بلدة الصفصاف. مخيم عين الحلوة كان سندا دائما ووثيقا لصديق وحبيب الشعب الفلسطيني أبو الفقراء والصيادين الشهيد القائد الصيداوي القومي معروف سعد الذي اغتاله المكتب الثاني اللبناني في شباط - فبراير سنة 1975، وذلك لمواقفه القومية المشرفة. كان معروف سعد أكبر أصدقاء وأنصار الشعب الفلسطيني في لبنان. ولا ننسى مقاومته للصهاينة مع القائد الزعيم العربي القومي جمال عبد الناصر في المالكية سنة 1948. ومناصرته الدائمة لمخيم عين الحلوة وسكانه من اللاجئين الفلسطينيين. في عين الحلوة تتركز الكثافة البشرية والقوة الحقيقية لما تبقى من منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل الثورة الفلسطينية قبل رحيلها عن لبنان سنة 1982. ويذكر الذين عاشوا فترة غزو لبنان سنة 1982، ثم ما تلاها من احتلال فاندحار للصهاينة عن شرق صيدا، كيف كان لعين الحلوة دورا أساسي في تحرير تلك المنطقة من الصهاينة وأعوانهم الفاشيين الانعزاليين. ويذكر الجميع كذلك دور عين الحلوة في فك الحصار عن مخيمات بيروت وصور التي كانت تحاصرها حركة أمل فيما عرف بسنتي حرب المخيمات. وكيف تم اقتحام مغدوشة وجوارها. أما عن صمود عين الحلوة سنة 1982 فشهادات الضباط والجنود الصهاينة وحدها تتكلم.. إذ عجز شارون بكل جبروته وقوته الكاسحة عن دخول المخيم سنة 1982 إلا بعد 24 يوما من الصمود والتضحيات والمواجهات من زاروب الى زاروب ومن بيت الى بيت. عين الحلوة يقاتل وبيروت محاصرة... دخله جيش شارون بعد استشهاد غالبية المدافعين عنه، وبعد أن فر جنرالات النصب والاحتيال والوهم والاستسلام من ساحة المعركة، تاركين خلفهم نبتات فاسدة رآها الناس في المخيم فيما بعد.. دخل الصهاينة عين الحلوة نهارا ولم يجرؤوا على البقاء فيه ليلاً. لكن في هذه الأيام وخلف صور شهداء المخيم الذين دفعوا حيواتهم ثمناً لعزته وصموده وتألقه على طريق العودة والتحرير، خلف صور الشهداء عبد حمد وحاتم حجير وشحادة وابو جميل زيدان وقاسم حجير وشربل وتيسير الشايب وجمال زعطوط ومحود الشامي وابوالروؤس وسهيل خريبي وغسان كايد وعشرات آخرين بدأت في السنوات الأخيرة تظهر خفافيش الظلام لتعيث في أمن المخيم. فأصبح المخيم ساحة لتصفية الحسابات بين أطراف عديدة لم تعد القضية الوطنية ولا حقوق أهالي المخيم همها الأساسي. واستبيح فيه أمن الناس والسكان، وعملت أجهزة مخابرات عديدة على إبقاء المخيم ساحة تصفية حسابات واغتيالات واشتباكات بين مجموعات مختلفة. في شهر رمضان الفضيل وحيث الأهالي صائمون بالرغم من الحر الشديد وانقطاع الكهرباء، وبالرغم من تواصل إنكار الدولة اللبنانية ومجلسها النيابي وتوازناتها الطائفية لحقوق الفلسطينيين في لبنان، يخرج نفر من بقايا سلاح لم يعد موجودا لمهام ثورية ووطنية، يشتبكون فيقتلون ويجرحون الأبرياء من سكان المخيم. غير آبهين برمضان ولا بحرمة هذا الشهر الكريم. وهؤلاء هم أنفسهم أبطال نفس المسلسلات التخريبية الطويلة الفاشلة. فمنذ سنوات والمخيم يقبع رهينة بين اشتباكاتهم المتكررة ولو بانقطاع. فإلى متى سيبقى المخيم رهينة بأيديهم؟وهل توجد قوة تستطيع ترويضهم أو طردهم عن حبال غسيل المخيم التي صبغت بدماء الأبرياء؟
لا بد أن هناك قوة الشعب التي تستطيع ذلك.. فيكفي أن يخرج الناس ويطالبوا علانية بلجم هؤلاء ووضعهم إما تحت الرقابة الشعبية أو فليذهبوا هم وسلاحهم إلى الجحيم. فهذا السلاح لم نره يدافع في يوم من الأيام عن المخيم ولا عن فلسطين.
المصدر: موقع عرب 48