إمنحوا
الأطفال الفلسطينيين صوتا
بقلم
نائب المفوض العام للأونروا مارغوت إيليس
قبل
خمسة وعشرين عاما من اليوم، تبنى قادة العالم ميثاق حقوق الطفل الذي يعد البيان
الأكثر اكتمالا لتطلع الإنسانية لإعطاء الأطفال حماية عالمية لحقوقهم في تحقيق
كامل إمكاناتهم. إن هذه الوثيقة النبيلة قد حددت الخطوات التي ينبغي علينا جميعنا
أن نتخذها من أجل السماح للأصغر سنا وللأشد عرضة للمخاطر في مجتمعاتنا من تحقيق
أعلى مستويات الكرامة الإنسانية.
وبعد
ربع قرن من الزمان، فإن الوضع السيء على أرض الواقع والذي يواجه أطفال لاجئي
فلسطين الذين نقوم على خدمتهم يعمل على السخرية من هذه الاتفاقية. إننا نشاهد
مدارس يتم قصفها وأطفال يتعرضون للقتل والتشويه وعائلات يتم تمزيقها وإجبارها على
الفرار من منازلها وأوطانها.
إن
هشاشة أطفال وصغار الفلسطينيين قد أصبحت أكثر حدة من ذي قبل. إن أطفال لاجئي
فلسطين عرضة لشواغل كبيرة تتعلق بحماية الطفل بما في ذلك العنف الجسدي والعاطفي
والإساءة الجنسية وزواج الأطفال والاعتقال وعمالة الطفل وآثار النزاع المسلح.
إن
الفقر وفرص العمل المخنوقة والظروف المعيشية المزدحمة في مخيمات اللاجئين مجرد بعض
من العناصر التي تفاقم من حدة الشواغل المتصلة بحماية الطفل بالنسبة لأطفال لاجئي
فلسطين. إن البيانات مقلقة:
- لقد تعرض أكثر من 500 طفل فلسطيني للقتل
في الهجوم الأخير على غزة. كما أصبح 500 طفل آخر يتامى جراء ذلك. وعلاوة على ذلك،
فإن غالبية المشردين في غزة والبالغ عددهم 110,000 شخص هم من الأطفال.
- وفي الوقت الذي لا يحظى الأمر بأهمية
إعلامية، إلا أن العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بمن في ذلك الأطفال، قد
تصاعد وأصبح الآن ضعف ما كان عليه في العام الفائت.
- لا يزال القتل مستمرا في سورية، ولا يبدو
أن هنالك أي اعتبار واضح لحياة الأعزاء والأبرياء.
- في مخيم اليرموك المحاصر بدمشق، توفي
الأطفال بسبب نقص الرعاية الطبية، وهم يعانون من نقص حاد في التغذية ومن الجفاف.
- في لبنان، يعيش أطفال لاجئي فلسطين
وعائلاتهم على هامش المجتمع، غير قادرين على الوصول للوظائف والخدمات.
- بالنسبة للأطفال الفلسطينيين الذين يفرون
من سورية، فإن الأخطار عديدة. ففي بعض الحالات يتم ببساطة حرمان كافة الفلسطينيين
من الوصول للأمان؛ وبعض الدول الأخرى تمايز في معاملتها للفلسطينيين. وحتى نهاية
عام 2013، فإن من بين الفلسطينيين الذين تم التوثق من إجبارهم على العودة من
الأردن لسورية والذين بلغ عددهم 74 فلسطينيا، كان 43 منهم من أطفال لاجئي فلسطين.
إن هذه الأعداد هي التي تقدمت للأونروا من أجل الحصول على المساعدة ونحن نعتقد بأن
هنالك المزيد الذين لم يقوموا بالطلب من الأونروا بأن تتدخل.
- الأطفال الفلسطينيون القادرون على الوصول
إلى أرض آمنة يخضعون لشبكة من التهديدات المعقدة، بما في ذلك غياب الوضع القانوني
الذي يشتمل على على الحرمان من تسجيل الولادات والإعادة القسرية والتهديد من
المفترسين جنسيا والفقر المدقع.
- الأمهات والأطفال والشباب الفلسطينيين
الذين يبحثون عن ملاذ آمن وعن مستقبل أفضل قد خاضوا رحلة مروعة محفوفة بالمخاطر
عبر مياه المتوسط أو من خلال المناطق التي تسيطر عليها قوات الدولة الإسلامية
(داعش) والتي انطوت في بعض الأحيان على نتائج كارثية.
- وعلاوة على أثر النزاع المسلح، واستنادا
لإحصائياتنا، فإن نصف الناجيات من حالات العنف المستند للنوع الاجتماعي تقريبا كن
دون سن الثامنة عشرة من عمرهن.
ويعاني
الفلسطينيون من حالة ضعف فريدة ومحددة، وهم غالبا ما يتحدثون عن أنهم يشعرون بأنهم
محاصرين ومعزولون وغير مرحب بهم. إلا أنه وفي عالم اليوم، فإن هذه مشاعر وأحاسيس
يتشارك بها العديدون. إن أطفال لاجئي فلسطين يحسون بأنهم مثل "عصفور الكناري
في منجم فحم"، وهم أول من يختبرون هذه الهشاشة التي سيختبرها الآخرون لاحقا.
إن ولاية الأونروا من أجل مجتمع معرض للمخاطر على وجه الخصوص، وخبرتها في خدمة
المنتفعين بشكل مباشر، ومقدرتها على أن تكون مرنة ومبتكرة، قد توفر بعض التبصر
ليتم البناء عليه لدى النظر في مسألة حماية كافة الأطفال والشباب.
وأود
أن أشاطركم خمسة دروس نابعة من تجربتنا:
الحماية
من خلال الخدمات والمحافظة على الحياة الطبيعية. لقد كانت القوة المحركة على
الدوام بالنسبة للأونروا هي "الاستثمار في المستقبل". إن خدماتنا،
وخصوصا برنامجينا الأكبر للتعليم والصحة، تقدم الحماية المباشرة للأطفال. إن نصف
مليون طفل يذهبون إلى مدارس الأونروا وأكثر من 260,000 طفل دون سن الخامسة يتلقون
رعاية صحية في عيادات الأونروا التي نقوم فيها أيضا بمعاينة ومعالجة ضحايا الإساءة
للطفل والعنف المستند للنوع الاجتماعي. وتتمتع مسائل استمرارية خدماتنا وقابليتها
على التنبؤ بنفس القدر الأهمية التي تحظى بها تلك الخدمات. إن الأسر والمجتمعات
يتم الحفاظ عليها عندما تكون قادرة على الاعتماد على هياكل الدعم التي توفرها
الأونروا حتى في ظل أحلك الظروف. ولا يوجد هنالك ما يحمي الأطفال أو يقوم بإعداد
الشباب للمستقبل مثل العائلات والمجتمعات. ولا ينبغي علينا أن ننظر فقط إلى معالجة
مشاكل حماية معينة، بل علينا أن نقوم باتخاذ نظرة أكثر شمولية والعمل من أجل إيجاد
قاعدة من الأمن والدعم للعائلات.
إن
الموظفين الذين يعملون لدينا هم لاجئون ومندمجون في المخيمات والمجتمعات. ويعمل
لدى الأونروا أكثر من 30,000 موظف وموظفة، الغالبية العظمى منهم من الفلسطينيين
أنفسهم. إننا مندمجون في المجتمعات ونفهم المشاكل. إن هذه هي ميزتنا النسبية.
إن
التعليم ومدارسنا هي مكان مسؤوليتنا في الحماية ومكان للاستقرار. ومع خضوع الكثير
من مناطق المنطقة لنزاعات نشطة، ومع تعرض حياة العديد من الأطفال للاضطراب، فإننا
ندرك بأن تزويد الأطفال بسبل وصول مستقرة للتعليم يعد أمرا حاسما.
وتتمثل
أولويتنا الأولى ببساطة بالإبقاء على المدارس مفتوحة حيثما تسمح الظروف بذلك. وفي
سورية وغزة، حافظت الأونروا بشكل كبير على خدماتها التعليمية. إن المواقع البديلة
والموظفين الشجعان قد عملوا على إبقاء المدارس مفتوحة حتى في الأماكن التي يصعب
الوصول إليها. ومن خلال الابتكار والشراكات، فإننا نصل حتى إلى الأطفال الذين لا
يستطيعون القدوم للمدرسة.
إن
مواد التعلم الذاتي التي قامت الأونروا بتطويرها في سورية لمواد اللغة الإنجليزية
والرياضيات واللغة العربية والعلوم قد تم تبنيها من قبل اليونيسف وسيتم استخدامها
في المدارس في مختلف أرجاء سورية. وتعمل هذه المواد على إكمال القناة الفضائية
للأونروا التي تبث من غزة دروسا في مجالات المواد الأساسية. إن بيانات المشاهدة
تشير إلى أن هذه الدروس تتم مشاهدتها في سائر أرجاء الشرق الأوسط، وليس فقط في
أقاليم عمليات الأونروا الخمس، وحتى في أوروبا وأمريكا الشمالية.
كما
أن برنامج حقوق الإنسان الإثرائي الذي دأبت الأونروا على تقديمه منذ مدة طويلة
ومنهاج حقوق الإنسان الأكثر حداثة يجعل الأطفال يتحدثون عن حقوقهم في سن مبكرة.
كسب
التأييد التنظيمي. في الأونروا، نقوم بكسب تأكيد صانعي السياسات من أجل معالجة
المشاكل الرئيسة. إلا أن ذلك يعني أن على الدول الأعضاء في بعض الأحيان أن تسمع
رسائل لا تدعو للارتياح. إن الاحتلال هو جذر معظم مشاكل الحماية في غزة والضفة
الغربية. إن التآكل الغادر والمستمر للحقوق يؤثر على كل طفل في فلسطين. والعمليات
العسكرية المميتة والمتكررة ليست حوادث؛ إنها سمة بنيوية للاحتلال. ودعونا نبين
كيف وأين تقوم بحرمان الأطفال والشباب من حقوقهم ونطالب بالتعويض. وعلينا أن
نستخدم النظام القضائي الدولي وأن نتمسك به. إن هذا هو كل ما لدينا: الحماية لا
تكون موجودة بدون الحقوق.
صوت
الشباب والوكالة. وهذه هي النقطة التي أود أن أختم بها، لأنها تتمتع بنفس القدر من
الأهمية التي يتمتع بها أي شيء آخر نقوم به لحماية الأطفال والشباب. إنه عمليا
يعمل على تعزيز الحماية الذاتية.
لقد
شاهدنا للتو مالالا تفوز بجائزة نوبل للسلام. وقد قررت مؤخرا أن تمنح الأونروا
50,000 دولار أمريكي من أجل إعادة بناء المدارس التي تعرضت لأضرار وتم تدميرها
جزئيا من قبل إسرائيل في النزاع الأخير. إنها تمثل إلهاما هاما، وهي فتاة شجاعة
وقفت دفاعا عن حقوقها. إلا أنها ليست فريدة في أمنياتها بأن تحصل على كافة الفرص
وعلى الحماية التي نريدها لأطفالنا.
إن
تقليد البرلمان المدرسي الخاص بالأونروا يمنح الأطفال الرأي بالطريقة التي تدار
بها مدرستهم. ونحن الآن في طور تجربة مشروع مبتكر يدعى "صوتي مدرستي".
وباستخدام برنامج سكايب، فإننا نعمل على ربط الشباب المتأثرين بالنزاع في سورية
ولبنان والأردن بأقرانهم في المملكة المتحدة بهدف زيادة كسب التأييد للتعليم
وإعطاء صوت للشباب حيال مستقبلهم. إن النقاشات التي تجري حيوية ومثيرة مع قيام
الشباب باستكشاف القيم والمخاوف والأولويات المشتركة.
إن
المادة الثانية عشرة من اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تكرس حق الأطفال في أن
يكون لهم صوت، وتحديدا في الأمور التي تهمهم. إن ضمان أن الأطفال والشباب لا يتم
تجاهلهم وأن لديهم المساحة لتعحديد حياتهم الخاصة تعد وسائل قوية بشكل مذهل في
سبيل تعزيز الحماية. وإن هذا الصوت وهذه الرؤية تتعدى الأجندات السياسية وتسكت
العنف والدمار اللذان لا معنى لهما.
وبثقة،
تقول آيات، التي تبلغ الخامسة عشرة من عمرها والتي تعيش في ملجأ جماعي في دمشق،
بأنها تخطط لإعادة بناء وطنها ليصبح أكثر جمالا مما كان عليه في السابق.
"وأنا صامتة أكون بلا حول ولا قوة، ولكن عندما يكون لي صوتي فإنني قادرة على
فعل الكثير من الأمور". وعندما يرى أطفالنا أن لديهم مستمعين، وعندما يعلمون
أنه يمكن سماع صوتهم، وعندما يكونون قادرين على إحداث تغيير – عندها فقط سيفعلون.
المصدر:
الاونروا