محمد أبو ليلى/ باحث في الشأن السياسي الفلسطيني
تُعَدّ القضية الفلسطينية عموماً وقضية
اللاجئين الفلسطينيين خصوصاً من أقدم الملفات الساخنة التي شهدها العصر الحديث على
المستوى الأممي. وقد شُغلت الدول العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي
عملت وسعت على إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بسبب صعوبة هذا الملف ونتائجه
المضرة في الرأي العام العالمي بـ"إسرائيل"؛ فكان مشروع الرئيس الأميركي
هنري ترومان في عام 1949م بإعادة أكثر من 100,000 لاجئ فلسطيني إلى أرضهم، ومشروع إريك
جونستون في عام 1953م، ومشروع دالاس 1955م، حيث طالب بإعادة كافة اللاجئين الفلسطينيين
(قُدِّر عددهم في ذلك الوقت بنحو مليون لاجئ فلسطيني) إلى ضمن الحدود التي تحددها
"إسرائيل".
وفي منتصف الستينيات، كانت مبادرة جوزيف
جونسون في عهد الرئيس جون كنيدي، وجونسون صاحب فكرة إعطاء رب الأسرة الفلسطينية الحق
في تقرير المصير. وفي السبعينيات كانت رؤية الرجل الأقوى في وزارة الخارجية الأميركية
هنري كيسينجر الذي تعامل مع قضية اللاجئين على أنها قضية إنسانية وليست سياسية، لتكون
مبادرة ريغان في أواخر الثمانينيات ومن ثم أتفاق اوسلو الكارثي برعاية بيل كلينتون.
اتفاقية أوسلو وقضية اللاجئين
أتى توقيع اتفاقية أوسلو نتيجةً للمحادثات
السرية التي حصلت في مؤتمر مدريد والتي قادها من الجانب الفلسطيني الرئيس الراحل
"أبوعمار" مع "مهندس" اتفاقية أوسلو "محمود عباس – أبو مازن"
الذي تنازل بدوره عن حق العودة في أكثر من تصريح. واتفافية أوسلو من الاتفاقيات التي
تركت آثاراً سلبية جداً للأسف الشديد على القضية الفلسطينية برمتها، ونخصّ بالذكر قضية
اللاجئين الفلسطينيين، حيث اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية "م.ت.ف" بحق
"إسرائيل" بالوجود على المناطق التي احتلتها عام 1948م، أي بنسبة 78% من
أرض فلسطين، وبالتالي أصبحت هذه الأرض خارج إطار الصراع، وهذا ما يعني أن اللاجئين
الفلسطينيين الذين خرجوا من حيفا ويافا وعكا والصفد وغيرها الكثير من المدن والقرى
لم يعد بالإمكان العودة إليها.
ومن الأمور المثيرة للاستغراب في هذا الاتفاق،
أن الملفات الأساسية المهمة، وعلى رأسها قضية اللاجئين، تم رميها إلى مفاوضات الحل
النهائي. والمضحك المبكي في ذلك، أنه بعد كل هذه الاعترافات والتنازلات عن حقوق الشعب
الفلسطيني وأملاكه، التي لا تمتلك م.ت.ف الحق في التصرف بها، تأتي فلسفة تأجيل بتّ
قضية اللاجئين إلى الحل النهائي، ولذلك تركت قضيتهم في مهب الريح، وراحت تتعاظم مخاطر
حلها على قاعدة التوطين والتهجير في حال نجاح تطبيق الاتفاق واستقراره، وبرزت العديد
من المؤشرات الملموسة على هذا الاتجاه، وخاصة في لبنان. ومن النتائج الخطيرة التي توصل
إليها المئات من الباحثين، أن اتفاق أوسلو أدى إلى تراجع خطير في المكانة الدولية للقضية
الفلسطينية وفي الالتزام الدولي إزاء الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني؛ فالاتفاق
لا يقوم على قرارات الشرعية الدولية ولا مرجعية دولية له، بل على التوافق بين
"إسرائيل" وفريق أوسلو الفلسطيني.
تأثير اتفاق أوسلو على قضية اللاجئين الفلسطينيين
في لبنان
لقد أحدث اتفاق أوسلو انعكاسات سلبية على
قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث أضاع هذا الاتفاق ما صبر عليه اللاجئون الفلسطينييون
بأكثر من سبعة عقود من الزمن. وإن تبعات هذا
الاتفاق يتذوق مراراتها اللاجئون الفلسطينييون في لبنان؛ بحيث جعل الموقف اللبناني
الرسمي يرسم آفاق تعامله مع قضية اللاجئين باتجاه الضغط على تهجيرهم إلى بعض الدول
الاوروبية من خلال حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية حيث قاموا بإصدار قوانين لا تعامل
اللاجئ كما نص عليه القانون الدولي، وعليه حُرم الفلسطيني من العمل والضمان الاجتماعي
وامتلاك العقارات والمساكن وإدخال مواد البناء داخل المخيمات بحجة شماعة "التوطين".
وبالمناسبة، "لم يستحِ بعض الساسة والمرجعيات الدينية في لبنان أن يطالبوا اللاجئين
الفلسطينيين بالهجرة خارج البلد".
نحن أمام اتفاق رسم للقيادة السياسية اللبنانية
منذ 29 عاما الموقف السلبي تجاه آلية التعامل
مع الملف الفلسطيني. فالحكومات اللبنانية المتعاقبة – ما عدا حكومة الرئيس سليم الحص
- ، ومنذ اتفاق أوسلو إلى اليوم، عملت على حرمان اللاجئ الفلسطيني من حقوقه، بحجج واهية،
تعود أساسها إلى تعقيدات التقسيم الطائفي في
لبنان وإن التوطين سيؤثر على التوزيع الديموغرافي
في البلد.
الشعب الفلسطيني يتمنى الخير للبنان وشعبه،
ويسعى بأن يكون عامل قوة لنهضة البلد وازدهاره، محافظًا على أمنه واستقراره، رافضًا
التوطين أو التهجير، ويتطلع إلى إقرار حقوقه الإنسانية، مثله مثل أي إنسان على وجه
الكرة الأرضية.