استياء صهيوني من نتائج الحرب الأخيرة على غزة: حماس انتصرت
بقلم: د .عدنان أبو عامر
ما إن توقف هدير الدبابات وأزيز الطائرات في غزة، حتى خرجت قناعات إسرائيلية في مختلف الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية، تُجمع على أنها كانت حرب «واجبة الواقع»، لأن حماس عرضت (إسرائيل) وجيشها عاريين، عديمي الوسيلة، يجدان صعوبة في الرد، ويفقدان على نحو شبه تام قدرتهما على الردع، ولا يمكن لأي دولة السماح بوضع كهذا، وأن يظهر رئيس الوزراء ووزير الحرب، وبالتأكيد عشية الانتخابات، كغير قادرين وواهنين وعديمي الحيلة.
وفي وقت لاحق، بدأت عبارات المدح والإطراء يُغمر بهما الساسة والعسكريون الإسرائيليون عقب انتهاء الحرب على غزة، وما علموا أنه قد يحل محلهما عبارات أخرى إذا ساءت الأحوال الأمنية بعد ذلك، خاصة أن نتنياهو أخذ على سلفه إيهود اولمرت بأن حربه في شتاء 2008–2009 لم تحرز هدفها، لأن سلطة حماس لم يُقضَ عليها ولم تُسحق، وهو ما يستدعي التساؤل: هل كانت عملية «عامود السحاب» ناجحة أم فاشلة؟ وهل تبيّن لنا أنها كانت ضرورية أم غير ذلك؟ ستخبرنا بذلك الأيام القادمة.
والحقيقة أن حرب نتنياهو الأولى طابقت حرب أولمرت الثانية مُطابقة تامة: فقد جرتا في غزة، وفي الشتاء، بعد انقضاء تصعيد زاحف مشحون بالقذائف الصاروخية التي سقطت على بلدات الجنوب، ويحدث هذا عشية انتخابات الكنيست، ما يعني أنها كانت عملية عسكرية واسعة في توقيت سياسي حساس! وهنا يسألون: ألم يكن من الممكن تنفيذ سلسلة التصفيات قبل ذلك؟ لأننا جربنا غير قليل من جولات عنف قاسية في السنة الأخيرة وكانت السياسة دائماً هي «الاحتواء». ويمكن أن نسأل أما كان من المرغوب فيه أن ننتظر لما بعد الانتخابات، لأن الجعبري كان سيظل يتجول بسيارته في شوارع غزة؟
في السياق ذاته، فإن التقييم الميداني لعملية «عامود السحاب»، ومدى نجاحها أو فشلها، يشير بالضرورة إلى أن ما جاء عقب اغتيال الجعبري كان أقل توقعاً، فقد نجحت العملية الجراحية وماتت أشياء أخرى، بحيث يمكن اتهام صناع القرار في تل أبيب بالإحجام عن حلول أساسية مع حماس في غزة، فهم يريدون أن يكسبوا زمناً، ثم يضيعونه. وفي هذه المرة كما المرة السابقة قبل أربعة سنوات، لم يأخذوا من حماس وشريكاتها المسدس، بل المشط فقط، لأنه حينما يكون الهدف المعلن هو الهدوء من غير استغلاله للتقدم، تكون النتيجة زيادة القوة. وفي المرة التالية سيأتي «العدو» أقوى مما كان قادراً على إطلاق الصواريخ لمدى أبعد، وفي كل عملية تعمل (إسرائيل) على رد العداد إلى الصفر، وإلى أن تأتي العملية القادمة يرتفع السعر!
وهنا يحظر الاستهانة بإطلاق صواريخ على تل أبيب والقدس، لأنه منذ 1948 لم يفعل ذلك أية دولة عربية سوى العراق في 1991، أو لم تتجرأ على فعل ما فعلته «حماس»، وبقيت برغم تعرضها للهجمات الجوية والمدفعية ولتهديدات عبد الناصر بإطلاق الصواريخ، رمزاً لدولة اليهود المنيعة، وما أراده عبد الناصر وفعله صدام، نجح فيه الفلسطينيون الآن الذين تغلبوا على العزلة، وأحسنوا الاعتماد على أنفسهم، وفي المنافسة الداخلية بين أعداء (إسرائيل) حطموا الرقم القياسي لـ«حزب الله» في 2006.
منظومات السلاح
ما يعني أنه لا يهم هل سقط الصاروخ الفلسطيني في البحر أو في «بات يام»، أو في حديقة أو «رمات غان»، لأن المهم من جهة نفسية أن الحاجز الوهمي تم اختراقه؛ وفي حرب الاستنزاف يولى العامل النفسي أهمية كبيرة، خاصة فيما يتعلق بالسكان المترددين بين الأمل واليأس، وهو ما يعني أنه بات يوجد في نظر الفلسطينيين وأنصارهم ما يتوقعونه، وهو زيادة الدقة وتطوير منظومات السلاح ورؤوس صواريخ أشد فتكاً، وربما مواد قتال كيماوية وبيولوجية أيضاً.
كما أن توسيع إطلاق الصواريخ إلى مناطق إضافية، يعتبر اختراقاً بحسب مصطلحات الجيش، وهو ما يوجب من الآن استعداداً مختلفاً، وحاجةً لعدد أكبر من بطاريات «القبة الحديدية»، وجزءاً آخراً من ميزانية الدفاع، أو زيادة التعلق بالمساعدة الأمريكية، ما يعني أن العمل العسكري لمواجهة المنظمات المعادية وقادتها أمر صحيح، لكنه يبقى عقيماً ما بقي مقطوعاً عن سياق واسع لهدف سياسي، وطالما أن (إسرائيل) تهرب من هذا الاستحقاق، فستبقى تدور في دوائر مرهقة تُعيدها لنقطة الانطلاق.
هنا يبدو من المهم الإشارة إلى جملة من الاعترافات الإسرائيلية الواردة في هذا السياق، ومنها أن عملية «عامود السحاب» الأخيرة، وجميع الحملات العسكرية اللاحقة لن تحل المشكلة الصعبة في قطاع غزة والمنظمات التي وجدت مأوى فيه، لأنه لا يوجد ولن يكن، حل عسكري لما وصفه «الدمل» المسمى قطاع غزة. وكل ذلك يعني أن الحرب الأخيرة ليست سوى مجرد فصل آخر في الكتاب الدموي الذي لم يعد أحد يتذكر بدايته، أما نهايته فلا يراها أحد بعد، لأنها حرب لا نهاية لها.
وهو ما دفع بجملة من الجنرالات للمطالبة بتشديد الحصار على غزة لمنع دخول الأسلحة، لا أن تستمر (إسرائيل) بتزويد الفلسطينيين بوسائل العيش، وإلا فإن منطقة «غلاف غزة» ستأخذ بالاتساع حين لا تفي الحكومة بواجبها الأمني تجاه حماية سكانها، مشيرين إلى رأيين داخل (إسرائيل) حول كيفية تعامل حماس:
1- شنّ حرب ترمي لإسقاطها دون تفكير في حياة الجنود والمواطنين ورعايا العدو، بل الأخطاء السياسية وغير الأخلاقية: فقد تجعل ضحايا الجيش الطبق الفضي لإنشاء دولة فلسطينية موحدة، فيما الخطر الكامن في نقل غزة لسيطرة السلطة أكبر من الخطر الكامن في حماس.
2- استمرار المشاركة في غزة، والانفصال عن رعايا العدو، حتى لو تعرض للخطر حياة يهود، وتعززت سيطرة حماس، لأن (إسرائيل) حينما تزود السكان في غزة بحاجاتهم تعفي السلطة من مسؤوليتها عن رعاياها، وتحررها للاشتغال بزيادة قوتها استعداداً للحرب.
وأكدوا أنه لم يكن واجباً أن ينتهي القتال في غزة دون شرطين ضروريين: تقدير مسبق للأخطار توزن في إطاره جميع المعاني المتعلقة بالمستوطنين، والعدو والجبهات وقوة الردع، وتحديد أهداف الحرب، فقد توجب أن يكون الهدف تحطيم قوة حماس لا إسقاطها، بحيث لا يجوز على الإطلاق تعريض حياة الجنود للخطر.
قوة الردع
في ذات السياق، زعمت محافل سياسية صهيونية أن عملية «عامود السحاب» بدأت بخطوة صحيحة، لكن النهاية جاءت صعبة، ولذلك يجب الاستعداد جيداً لما هو قادم، فقد تمّت تصفية الجعبري في تأخر ملحوظ، وفعل ذلك متأخراً أفضل من ألا يكون، كي تُعاد لـ«إسرائيل» قوة الردع التي سُحقت في الأشهر الأخيرة، وإنّ الثمن الذي يجبيه الجيش و«الشاباك» من حماس هو الاحتمال الوحيد لوقف إطلاق النار فترة طويلة، هذا هو الهدف.
وأضافت: الحرب الأخيرة لن تحل المشكلة حلاً كاملاً، لأنه لا يعقبها اتفاق سلام ولا هدنة، بل إحراز ردع لبضع سنوات، ويمنح سكان البلدات في الجنوب هدوء نسبياً، لأن الطريق من هنا لإحراز الأهداف الواقعية طويلة، وستكون أيام مد وجزر؛ وأيام حيرة طويلة، وستنشأ مشكلات سياسية صعبة في الشرق الأوسط والدائرة الصديقة البعيدة في الولايات المتحدة وأوروبا؛ وصواريخ «غراد» و«فجر» تصيب أهدافها.
وأوضحت أوساط أمنية واستخبارية صهيونية أن حماس انتصرت في أن تكون في الوعي العربي رواية نجاح، وكأنها كانت قادرة في المعركة مع (إسرائيل) وجيشها، ولذلك فإن الكلام على قوة الجيش والأحاديث التحليلية عن إنجازاته في المعركة لا تردع حماس، لأن حربها ليست ضده بالأساس، بل لنقطة ضعف الدولة، وهم المستوطنون في بيوتهم والطلاب في مدارسهم، وهذه الحرب بالنسبة لها بسيطة ورخيصة.
ولذلك من المهم في هذه المرحلة ألا نعطيها شعوراً بأنها خرجت من المعركة الحالية مع «صورة انتصار»، وإلا انتظرتنا معركة أشد بأضعاف قد تكون في المستقبل القريب، يجب علينا أن نطمح لإسقاط قادتها، لأن هذه المنظمات على مر التاريخ لم تعد متواجدة، ولم تنشر عقيدتها حينما تم القضاء عليهم.
وأضافت «بعد مرور شهر على انتهاء الحرب، يتضح أن تصفية الجعبري كان عملاً مقبولاً بفعل الظروف، لكن التجارب السابقة كتصفية المهندس يحيى عياش، علمتنا أنه في عملية كهذه يكمن مكسب فوري، وأخطار بعد ذلك، فالمكسب هو المس بالروح المعنوية لحماس، وبثقة قادتها بأنفسهم، وبصورتها. أما الخطر فهو قوة الرد، فقد بدأت بعد تصفية عياش فترة قاسية من العمليات الاستشهادية، وليس هذا الخطر الوحيد لأن النظام الجديد في مصر يخضع لضغوط داخلية، ويتراجع عن اتفاق السلام؛ وقد يتلاشى التصميم الذي تعالج به السلطة الفلسطينية جهات من حماس، وقد يهبّ الشارع العربي والإسلامي، لقد كان الجعبري مثل عياش يستحق الموت، لكني آمل ألا يكون عندنا سبب للندم على فرحنا بموته».
المصدر: فلسطين المسلمة