اغتيال
القيادي في "فتح" جميل زيدان يطرح تساؤلات
هيثم
زعيتر - اللواء
في ظل
تنقُّل التوتّرات الأمنية من منطقة إلى أخرى، واستمرار عمليات الخطف مقابل فدية،
وتوجيه ضربة أمنية إلى الجهات الخاطفة التي اضطرت للإفراج عن الطفل ميشال الصقر،
بعد أقل من 24 ساعة على خطفه في البقاع، ودون أنْ يدفع ذووه الفدية...
وبعد
توجيه ضربات قاسمة إلى شبكات الإرهاب، عبر توقيف العديد من أفرادها، وإبطال مفعول
عدّة سيارات مفخّخة، وإفشال مشاريع تفجيرية وتوتيرية في أكثر من منطقة.
في خضم
ذلك، فإنّ الأنظار تتجه مجدداً إلى "عاصمة الجنوب"، صيدا ومخيّم عين
الحلوة، بما تمثّله هذه المنطقة من نقطة هامة ومركزية، تتعدّى حدودها الجغرافية،
لتصل بتداعيات ما يجري من أحداث فيها، إلى انسحاب ذلك على أكثر من منطقة لبنانية
وبتداعيات تتجاوز حدود لبنان...
فقد
أثمرت الجهود التي بذلت على أكثر من صعيد عن تعطيل فتيل التوتير الذي وقع في منطقة
الفيلات للجهة الجنوبية الشرقية لمدينة صيدا، بعدما حاول عناصر من "سرايا
المقاومة" التابعة لـ "حزب الله" منع دورية قوى الأمن الداخلي من
تنفيذ مهمة أمنية موكلة إليها، وتدخل "شعبة المعلومات" في قوى الأمن
الداخلي، ونجاح الاتصالات التي جرت، وقيام وفد برئاسة مسؤول الارتباط في "حزب
الله" وفيق صفا بزيارة مسؤولين رسميين وأمنيين وحزبين في مدينة صيدا، حيث تم
التأكيد على رفع الغطاء عن أي مخل بالأمن...
وما كاد
يتم ذلك، حتى سجل تطور أمني بأبعاد سياسية، كان مسرحه مخيّم عين الحلوة، تمثّل
بجريمة اغتيال العميد جميل جمال زيدان (مواليد 1963)، وهو مدير مكتب قائد
"قوات الأمن الوطني الفلسطيني" في لبنان اللواء صبحي أبو عرب، حيث طرحت
جريمة ساعات الليل الأولى جملة من التساؤلات لجهة المستهدف والمكان والتوقيت
والأهداف والغايات من ذلك...
لقد دق
ناقوس الخطر في "عاصمة الجنوب" مجدّداً بعد الأحداث التي شهدتها خلال
يومي الجمعة والسبت الماضيين، وتحديداً ما جرى في منطقة الفيلات عند الجهة
الجنوبية الشرقية للمدينة، التي يتداخل فيها "موزاييك" مُتعدد هو نموذج
مصغر عن واقع الحياة في المدينة...
فقد
اعترض أفراد ينتمون إلى "سرايا المقاومة" التابعة لـ "حزب
الله" دورية من قوى الأمن الداخلي، وحاولوا منع أفرادها من تنفيذ المهمة
الموكلة إليهم بحفظ الأمن، في منطقة تقع تحت السيطرة اللبنانية، ولا يُمكن أن
ينطبق عليها أنها ضمن "كانتون" أو "مربع أمني"، بل هي تمثل
شرياناً أساسياً بالتواصل بين المدينة والجوار...
والتساؤل
هو لماذا الاعتراض على تنفيذ مهمة أمنية يقوم به جهاز أمني رسمي وليس ميليشيا؟
لقد
تطوّر الأمر بعد تدخّل دورية من "شعبة المعلومات" ومحاولة منعها القيام
بمهامها، وهو ما يرمي إلى أبعد من ذلك، خاصة بعد نجاح "شعبة المعلومات"
بكشف خيوط محاولة اغتيال رئيس مجلس النواب نبيه بري، من قبل "كتائب عبدالله
عزام" التابعة لتنظيم "القاعدة"، وذلك في ضوء الاعترافات الخطيرة
التي أدلى بها محمود أبو علفة وقريبه حسن أبو علفة...
وإذا تم
الكشف عن المُخطّط فهذا لا يعني أنّ المخطّطين قد صرفوا النظر عن الاستمرار بتنفيذ
مخطّطاتهم، بانتظار تأمين الظروف الملائمة للقيام بمثل هذه الأعمال، التي تهدف إلى
زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان وفلتان الشارع لإحداث فتنة سنية – شيعية، نجح
المخلصون في تجنّب حدوثها حتى الآن!
ماذا جرى
في الفيلات؟
ما جرى
في الفيلات، هو إقامة قوى الأمن الداخلي لحاجزٍٍٍ للتدقيق في أوراق السيارات ومدى
قانونيتها والأوراق الثبوتية لدى العابرين، ما يعني أنّ المهمة أمنية كما يجري في
أكثر من منطقة، وكما هو مطلوب ومُلح في هذا الظرف بالذات، بعد التفجيرات الأمنية،
عبر الانتحاريين أو السيارات التي يقودها انتحاريون أو السيارات المفخخة، خاصة أن
الحديث يجري عن سيارات أخرى، وفي غالبيتها أي التفجيرات تستهدف البيئة الحاضنة لـ
"حزب الله" راعي "سرايا المقاومة".
ما كان
يفترض أن يحدث ما حدث، لكن ما حصل أن أفراداً من "سرايا المقاومة"
تكاثروا، من أجل منع توقيف أحد زملائهم، أو إطلاق سراحه من بين أيدي عناصر القوى
الأمنية التي آزرتها قوة من "شعبة المعلومات".
ما حدث
كان يُمكن تجنب حدوثه، وكان بالإمكان حله في إطاره القانوني والأمني، وعبر القنوات
المعنية، وهذا الأمر لم يكن الأول أو الأخير الذي يحدث مثيله، من محاولة توقيف
مطلوب أو مشتبه به في قضية، وتتم المعالجة عبر الاتصالات السياسية، أو بقرارٍ
قضائي، أو بعد الانتهاء من التحقيقات المطلوبة.
لكن ما
حصل تجاوز ذلك، من رشق أفرادٍ من هذه المجموعة لعناصر الدورية بالحجارة والزجاجات
الفارغة، وإطلاق نارٍ، ما اضطر الدورية الأمنية إلى إطلاق نار بالمثل على مصدر
النيران، وفرار مطلوب من آل حبلي، تعمّد أنْ يكون فراره باتجاه منطقة البركسات في
مخيّم عين الحلوة!
كيف
استطاع هذا الشخص الوصول إلى المخيّم، الذي تحيط به إجراءات أمنية من كل حدب وصوب
تدقق في هوية الداخلين والخارجين إليه ومنه؟ بل بتفتيش السيارات أيضاً؟
وتمكّنت
"شعبة المعلومات" من توقيف عنصرين من "سرايا المقاومة" هما:
جمال.ح وحسن.أ.ج وحجز سيارة مرسيدس غير قانونية تابعة لهما، فيما تم لاحقاً توقيف
حسن.ز. وهو أيضاً من عناصر "سرايا المقاومة" ومطلوب بمذكرات توقيف عدة.
المهم في
الأمر أن حالة من الهلع، والقلق والخوف والنزوح، سيطرت على المنطقة التي تتداخل
بأبنائها من لبنانيين وفلسطينيين وسوريين، وبمحيطٍ هو خليط من السنة والشيعة،
وأيضاً من الطائفة المسيحية - أي إن الأمور قد تفلت من أيدي الحريصين والغيورين
إذا ما حاولوا "تقطيب" الأمور قبل "فلتان الملق"، وهنا باب
القصيد، لأنّ هناك من يسعى إلى التوتير وإبقاء الوضع متوتراً في "عاصمة
الجنوب" وجوراها.
بالأمس
كانت المشكلة مع "سرايا المقاومة" في عبرا، والتي اتخذ منها إمام
"مسجد بلال بن رباح" المتواري الشيخ أحمد الأسير ذريعة لتحركه والتستر
على تنفيذ مخططه الفتنوي، حيث غرر بعقول متحمسين، تحت عنوان "الطائفة السنية
هي المستهدفة".
أُزيل
الأسير، بعدما اعتدى على حاجز للجيش اللبناني الذي دفع ضريبة شهداء وجرحى من خيرة
أبنائه (بتاريخ 23 حزيران 2013)، واضطر لاستخدام النار والحديد، لإنهاء هذه
الظاهرة الغريبة عن مدينة صيدا.
هرب
الأسير ومعه الفنان المعتزل فضل شاكر ومجموعة من الدائرة الضيقة، وانتشر الجيش
اللبناني وأعيد إصلاح وأعمار المنطقة بعدما سقط ضحايا أبرياء من منطقة صيدا، ولحقت
أضرارٌ مادية جسيمة، وقُتِلَ عدد ممَّنْ غرّر بهم الأسير.
قبلها
كان الأسير يسعى إلى نقل التوتر من منطقة عبرا، التي لم تستدرج إليها حارة صيدا،
إلى منطقة تعمير عين الحلوة، يوم قام بغزوته المشهورة وحصل إشكالٌ مع "سرايا
المقاومة" (بتاريخ 11 تشرين الثاني 2012) وسقط المهندسان علي سمهون ولبنان
العزي، الشابان اللذان ما زال ذووهما يطالبون بإنزال العقاب بمطلقي النار بحقهما،
وهم معروفون وصادرة بحقهم مذكرات بلاغ بحثٍ وتحر من أجل توقيفهم.
لماذا
أراد الأسير نقل التوتير إلى منطقة تعمير عين الحلوة؟
يحدّد
متابعون اسباب ودوافع ذلك، بأنه كان يريد استدراج مخيّم عين الحلوة، بما يُشكله من
عمق مناصر لأبناء الطائفة السنية، ولتأجيج الأوضاع بين أبناء المخيّم و"سرايا
المقاومة" وبالتالي "حزب الله".
وبعدها
أيضاً حصل إشكالٌ بين عناصر من "سرايا المقاومة" وحليفهم "التنظيم
الشعبي الناصري" في نزلة صيدون - زاروب النجاصة (بتاريخ 3 كانون الثاني 2013)
وسقط ضحيته المواطن محمد ضرار.
ما جرى
منذ أيام في منطقة الفيلات، يطرح جملة من التساؤلات، وضرورة البحث عن الأيدي
الخفية، التي تسعى إلى توتير الأجواء، التي تخدم العدو الإسرائيلي ومُخططاته، وإن
كانت بأدوات محلية.
تكرار
الـ "سيناريو" نفسه!
هذا
الواقع كنا قد حذرنا منه في أعداد سابقة من احتمال تكرار الـ "سيناريو"
نفسه الذي سبق الاجتياح الإسرائيلي في حزيران 1982، والذي جهز أرضيةً تحريضية ضد
الثورة الفلسطينية، بعدما شهدت الأسواق الداخلية لمدينة صيدا اقتتالاً بين مسؤولين
في "الأمن الموحّد" التابع لحركة "فتح" و"التنظيم الشعبي
الناصري"، لكن أليس من المفارقة أن يكون من جرى بينهم الاقتتال قبل الاجتياح،
تبين أنهما عميلان للعدو الإسرائيلي وهما محمد غرمتي "أبو عريضة" ومحمود
حبلي المعروف بإسم "الكابتن".
الأول
رحل مع الاحتلال، قبل أن يعود ويسجن في لبنان، ويُطلق سراحه مجدداً. والثاني أوقف
وتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه شنقاً في ساحة النجمة وسط مدينة صيدا (بتاريخ 30 تشرين
الأول 1985)، وهو حكم الإعدام الأول الذي ينفذ شنقاً، بعدما كان تم تنفيذ حكم
الإعدام رمياً بالرصاص بحق 12 شخصاً بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي قبل
اندحاره عن صيدا (بتاريخ 16 شباط 1985).
ما يجري
ليس بالأمر السهل، إذا كان هناك من عملاء يُحركهم العدو الإسرائيلي، ويسعون إلى
"التلطي" والاحتماء تحت أي عنوان من العناوين، لتحقيق فتنة - وهذا ليس
بالأمر المستبعد - ففي الكثير من القضايا والملفات، أظهرت التحقيقات أن جرائم وقعت
وأحداث نفذت، تبين أن أدواتها هم من القوى الموجودة على الأرض، ومن غالبية الأحزاب
والقوى، وتبين أنهم يعملون بتوجهات
"المشغل" الإسرائيلي.
هذه
الوقائع والمعطيات تنبىء بما هو أخطر - أي أن هناك من يُخطط لإشعال نار الفتنة
انطلاقاً من "عاصمة الجنوب" بما تشكله مع الجوار.
ولذلك،
وبعدما تم نزع فتائل عديدة، برفض أبناء مخيّم عين الحلوة، الاستجابة لرغبات الأسير
الفار بمؤازرته ضد الجيش اللبناني، حيث كان جواب القوى الفلسطينية الوطنية
والإسلامية، أنه اعتدى على الجيش اللبناني، وهم يدينون هذا الاعتداء، ولن يسمحوا
له بزج المخيّمات في معركة، وهم غير معنيين به، بل إن العلاقات التي نسجت بين
الجيش اللبناني وأبناء المخيّم هي في أفضل صورها وتجلياتها.
إذاً
المطلوب هو توتير الأجواء في منطقة صيدا، بعدما أفشل أكثر من "سيناريو"
لتوتير الأجواء بين الضاحية الجنوبية وأبناء المخيّمات في بيروت، حيث كان كلام
واضح من أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصر الله، بـ"أن
الفلسطينيين فوتوا الفرصة على الفتنة".
حدث
مفصلي
ما يجري
في منطقة صيدا، ليس بالأمر السهل، وتحديداً في هذا الوقت الحساس والدقيق، لأن
التوترات المذهبية تسري كالنار في الهشيم، أي بالفتنة السنية - الشيعية، والتي هي
بحاجة إلى وقود - أي برميل البنزين، وهو العنصر الفلسطيني الذي يسعى البعض لإدخاله
في أتون الواقع اللبناني المتوتر تحت عناوين عدة.
من هنا
يجب عدم أخذ ما جرى في منطقة الفيلات على أنه حادث عرضي، بل هو قنبلة متنقلة بين
حي وآخر، بعدما استطاع الأسير المتواري أن يغذي النعرات المذهبية لدى مجموعة من
الشباب المتحمس، فأصبح حماسهم بمقاتلة العدو الإسرائيلي، تفجيراً إرهابياً ضد
البيئة الحاضنة لـ "حزب الله"، ولا يقتصر الأمر على جنسية، بل هم
لبنانيون وفلسطينيون وسوريون وعراقيون، غُرِّرَ بهم، وأصبحوا ينحرون أنفسهم،
ويتحولون إلى قنابل متفجرة متنقلة، مُنفذين ما يخطط لهم لأنه يتم التغرير بهم، وهو
ما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين أبرياء وجرحى، وإلحاق أيضاً أضراراً اقتصادية
بالمؤسسات، وانعكاس ذلك على المواطنين، الذين فقد الكثير منهم مصدر رزقهم
وعائلاتهم، إضافة إلى أضرار نفسية، وقلق وخوف ينعكس على مختلف نواحي الحياة.
إن ما
جرى يجب أن يكون حدثاً مفصلياً، يُستفاد منه، لمنع تكرار مثل هذه التجربة، التي
ثبت أن تنامي مثل هذه الظواهر يؤدي إلى توتيرات وتغذية المشاريع الفتنوية، وتنفيذ
"سيناريوهات" بأيدٍ محلية، سواء أكانت تدري ما تقترف يداه أو لا، فهي
تحقق الغاية الإسرائيلية التي تخدم المشروع الصهيوني، لأن مثل هذه الأحداث، تجد
مَن يساهم في إذكاء نار الفتنة، خاصة أنه، وللأسف وفي ظل غياب الوعي لدى الكثيرين،
فإنه يتم التغرير بالشباب المُندفع، ويصبح أداة طيعة لدى أصحاب المشاريع الفتنوية،
وهم كثر.
ومواجهة
ذلك تستوجب عملاً جاداً ودؤوباً، وهو مسؤولية فاعليات صيدا وعلى مختلف مسؤولياتها،
وأيضاً الجهات الرسمية والقضائية والأمنية، وأيضاً الحزبية، لأن الواقع لا يُمكن
أن يحتمل، وأن تكون تصرفات البعض وقوداً لإشعال نار الفتنة، التي تضر بالجميع.
اغتيال
زيدان
في غضون
ذلك، خطفت جريمة اغتيال العميد جميل زيدان الأضواء وأعادت تسليط الأضواء على مخيّم
عين الحلوة، خاصة لجهة:
- التوقيت: الذي جاء مع انعقاد أعمال
"المجلس الثوري" لحركة "فتح" في رام الله – الضفة الغربية
برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والذي وضع المؤتمرين بتعثر المفاوضات
الفلسطينية – الإسرائيلية، في ظل تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو،
وكذلك أهداف زيارة الولايات المتحدة الأميركية للقاء الرئيس باراك أوباما (بتاريخ
17 المقبل).
ووفقاً
لمصادر فلسطينية، فإن ملفات عدة ستبحث في هذا اللقاء، ومنها واقع الفلسطينيين
بمَنْ فيهم في لبنان، في وقت ما زالت فيه عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم
تشكّل قضية جوهرية في ملف المفاوضات، حيث يتمسك الفلسطينيون بحق العودة وفقاً
للقرار الدولي 194، فيما يرفض الاحتلال ذلك ويطالبون بتوزيعهم على أماكن تواجدهم،
أو على دول أخرى.
- الشخص
المستهدف: هو العميد جميل زيدان، قيادي في حركة "فتح"، ويتولى مهام مدير
مكتب قائد "قوات الأمن الوطني الفلسطيني" في لبنان اللواء صبحي أبو عرب،
ويُشكل صمام أمان في حل العديد من المشاكل والأحداث التي تشهدها المخيّمات، وخاصة
مخيّم عين الحلوة.
وأيضاً
هو أحد أبناء العائلات الفلسطينية العريقة التي لها حضورها ووجودها في المخيّم،
التي ينتمي أبناؤها إلى أكثر من تنظيم فلسطيني، وإضافة إلى أقربائه ومحبيه، وهم لن
يسكتوا ولن يمرروا الجريمة النكراء.
- في
المكان: هو أمام منزله، وهذا يشكل تحدياً سافراً بتنفيذ هذه الجريمة، وأيضاً في
منطقة تعتبر قريبة من تواجد أكثر من طرف، بحيث توجه الاتهامات مباشرة إلى أطراف
محددة، وهو ما سعى إليه الجناة والمنفّذون.
المهم
أنّه نجحت الاتصالات والجهود، وقرّرت قيادة "فتح" وعائلة زيدان تفويت
الفرصة على تنفيذ مخطط تفجيري باتت معالمه واضحة، وبحاجة إلى تضافر الجهود جماعياً
وتجاوز إصدار بيانات سياسية، أو تصاريح، إلى ما أبعد من ذلك - أي اتخاذ قرارات
عملية وتنفيذية وتفعيل دور "القوة الأمنية المشتركة" في المخيّم، التي
تتمثل فيها جميع القوى.
هذه
الجريمة، قد لا تكون الأخيرة في مسلسل استهداف أبناء من عائلات مرموقة ولها حضورها
في المخيّم، وهو ما يسعى إليه المنفذون عبر زج المخيّم في صراعات داخلية، وقد لا
نستبعد، كما كنا أشرنا ونبهنا سابقاً، إلى احتمال استهداف كوادر وفاعليات من أبناء
المخيّم، لتوتير الأجواء فيه، وبالتالي تحقيق الفتنة الداخلية، التي تهدف إلى ضرب
الاستقرار والأمن الذي ينعم به مخيّم عين الحلوة، وما يمثله من "عاصمة للشتات
الفلسطيني"، وما يعني ذلك من ضرب لحق عودة اللاجئين إلى أرضهم.
فقد عاش
مخيّم عين الحلوة أمس يوماً طبيعياً مشوباً بالحذر والقلق، حيث شهد حركة شبه
طبيعية، وفتحت مدارس وكالة "الأونروا" أبوابها أمام الطلاب، كذلك
المؤسسات الصحية والاجتماعية، بعدما قررت عائلة زيدان عدم إقفال الطرقات أو الاحتجاج
بإطلاق النار.
وسيتم
تشييع جثمان زيدان بعد صلاة ظهر اليوم (الأربعاء) من "جامع الفاروق" إلى
مثواه الأخير في مقبرة الشهداء عند الجهة الجنوبية للمخيّم.
وفي إطار
المعالجات، عقدت "لجنة المتابعة الفلسطينية" اجتماعاً طارئاً لها، هو
الثاني في غضون ساعات لتطويق ذيول الجريمة، وقام وفد منها بزيارة عائلة زيدان في
"قاعة الشهيد سعيد اليوسف"، حيث فتح بيت عزاء وقدم لها التعازي، مؤكداً
"أنه جرى تشكيل لجنة تحقيق لكشف الجناة والاقتصاص منهم"، في وقت توالت
المواقف السياسية الشاجبة.
وأكد
قائد "الأمن الوطني الفلسطيني" اللواء صبحي أبو عرب "أن جريمة
اغتيال العميد الشهيد جميل زيدان ليست سوى محاولة للفتنة في المخيّم وضرب
الاستقرار والسلم الأهلي".
ولفت
خلال قيامه بتأدية واجب العزاء بالشهيد زيدان على رأس وفد من "الأمن
الوطني" إلى "رفض الاتهامات المسبقة"، مؤكداً في الوقت نفسه
"أن "فتح" تمهل ولا تهمل، وأن القتلة سيدفعون الثمن،
و"فتح" حريصة على أمن المخيّم، ولن تقبل محاولات جره إلى الفتنة أو
تحويله إلى نهر بارد أو يرموك جديد".
ونقل
اللواء أبو عرب تعازي الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمشرف على الساحة الفلسطينية
عزام الأحمد وأعضاء المجلس الثوري لحركة "فتح" المجتمعين في رام الله .
وأثنى
اللواء أبو عرب على التاريخ النضالي للعميد زيدان خلال الثورة الفلسطينية ودوره في
الإصلاح المجتمعي داخل المخيّم وسعيه إلى وأد الفتن قبل حصولها والعمل الدائم على
إقامة المصالحات بين الأهالي.
مواقف
شاجبة
* واستنكرت
النائب بهية الحريري جريمة اغتيال العقيد جميل زيدان في مخيّم عين الحلوة، معتبرة
"أن هناك أيادٍ تريد الفتنة والخراب للمخيّم وأهله تقف وراء هذه الجريمة وما
سبقها من اغتيالات".
وتقدمت
النائب الحريري بالتعزية من عائلة الشهيد زيدان ومن قيادتي "فتح"
و"الأمن الوطني الفلسطيني"، مثمنة "الدرجة العالية من الوعي الذي
أبدته العائلة والقيادة الفتحاوية، وأهلنا في المخيّم عموماً"، معتبرة
"أن هذا الوعي يقطع الطريق على ما ترمي إليه هذه الجريمة من أهداف في تفجير
الوضع الأمني في المخيّم ومن خلاله صيدا لأنهما جسم واحد لا يتجزأ".
وكانت
النائب الحريري أجرت اتصالا هاتفياً باللواء أبو عرب وعدد من قياديي حركة
"فتح" و"منظمة التحرير الفلسطينية" معزية بالشهيد زيدان.
* وربط
"التنظيم الشعبي الناصري" بين الأحداث الأمنية وعمليات الاغتيال في
المخيّم والتفجيرات المتنقلة في المناطق اللبنانية، معتبراً "أن مجمل الأحداث
الأمنية والتفجيرات إنما تصبّ في إطار مخططات تفجير الأوضاع في لبنان تسهيلاً
لتمرير المشاريع الأميركية - الصهيونية ونشر الفوضى الأميركية الهدامة".
*
واستنكر الدكتور عبد الرحمن البزري اغتيال زيدان، معتبراً "أن هذه العملية
تأتي في سياق توتير الأجواء، وجر الأخوة الفلسطينيين للاقتتال في ما بينهم وفي ذلك
خدمة للعدو الإسرائيلي ولكل من يتربص للقضية الفلسطينية ويريد تصفيتها وإهدار حقوق
الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه وترابه".
* وقال
المسؤول السياسي لـ "الجماعة الإسلامية" في الجنوب الدكتور بسام حمود:
"إننا نعزي أهلنا في مخيّم عين الحلوة وحركة "فتح" باستشهاد جميل
زيدان".
* وقال
ممثّل حركة "حماس" في لبنان علي بركة: "إننا نعزي أهلنا في مخيّم
عين الحلوة وحركة "فتح" باستشهاد زيدان"، مثمناً "الجهود
الجبارة والمسؤولية العالية التي تحلوا بها لتفويت الفرصة على المتربصين بأهلنا في
المخيّم شراً".
* واعتبر
عضو المكتب السياسي لــ "جبهة التحرير الفلسطينية" صلاح اليوسف،
"أن اغتيال زيدان شكل خسارة كبيرة للقضية الفلسطينية، ولأمن واستقرار مخيّم
عين الحلوة، إذ كان صمام أمان ويسعى بالصلح والخير بين الناس. إن جريمة اغتياله
تهدف إلى إيقاع الفتنة لكننا رغم كل الحزن والأسى لن ننجر إلى أتون الصراعات وسنعض
على الجرح إلى أن يتم كشف الجناة".
* ونعت
"جبهة التحرير الفلسطينية" زيدان الذي التحق بصفوفها منذ نعومة أظافره،
وبصفوف حركة "فتح" منذ أن كان شبلاً وقدم شبابه في مسيرة الثورة
الفلسطينية".
واعتبرت
الجبهة في بيان النعي "أن اغتيال زيدان خسارة وطنية كبرى للقضية الفلسطينية
والأمن واستقرار المخيّمات، لا سيما مخيّم عين الحلوة الذي وُلِدَ فيه وقاتل العدو
الصهيوني على أرضه في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، فاستشهد في ذات المكان
الذي سقط فيه والده جمال زيدان شهيدا وهو يواجه العدو الصهيوني قبل 32 عاما
لتتعانق دماؤهما على درب فلسطين".