الأجندة الفلسطينية بعد الانتخابات الإسرائيلية
بقلم: د. عدنان أبو عامر
انتهت الانتخابات الإسرائيلية التاسعة عشرة للعام 2013، وستوضع ملفات دسمة ثقيلة العيار على أجندة الحكومة القادمة، لكن الصراع الدائر مع الفلسطينيين يبدو الأكثر سخونة في ظل انسداد أفق التسوية بصورة غير مسبوقة.
وقد شهدت برامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة، تقارباً ملحوظاً في المواقف من قضايا الساعة المطروحة، رغم ما طرح من شعارات متباينة كان لابد منها لغرض "التمايز" المطلوب بنظر الناخبين، وهو ما يدفع للقول إن هذا التقارب في المواقف في موضوع الصراع مع الفلسطينيين.
ولم يعد سراً أن التعامل مع المستجد الفلسطيني الأكثر سخونة على الساحة الإسرائيلية شكل القاسم المشترك الأكبر بين الأحزاب المتنافسة سابقاً، والفائزة لاحقاً، وبرز ذلك في دعايتها الانتخابية، لاسيما حزب "الليكود" الذي أخذ يزايد على غريمه الخاسر "كاديما"، واتهامه بالتساهل مع حماس.
وإذا ما قدر لليمين أن يشكل الحكومة القادمة بائتلاف يبدأ بـ"الليكود-بيتنا، ويمر بـ"شاس"، وينتهي بـ"البيت اليهودي"، فإنه يرفض فكرة "ترويض" حماس، ودفعها نحو الاعتدال، أسوة بما هو عليه الحال مع أحزاب "العمل، يوجد مستقبل، ميرتس".
ولعل الموقف الأكثر وضوحاً لحزب الليكود في التعامل مع حماس عبر عنه "بنيامين نتنياهو" زعيمه الفائز بأقل مما كان يتوقع وفقاً للنتائج المعلنة، حين رأى أن صعود الحركة يشكل خطراً على الدولة، ففي غزة يتمثل الخطر بصعود "دويلة مسلحة" بقيادتها، وفي الضفة يتمثل الخطر بانهيار السلطة الفلسطينية، وإقامة دولة أخرى لحماس أكبر، تتبنى نموذج غزة، وتهدد القدس و(تل أبيب).
وأبدى الحزب عبر دعاية رئيسته الفائزة "شيلي يحيموفيتش" مرونة ملحوظة بإمكانية محاورة حماس، مع التزام الأخيرة بالشروط السابقة، وإذا ما أعلنت الأخيرة التزاماً بذلك، يؤكد الحزب المرشح للدخول في ائتلاف حكومي متوقع، أنه لن يبقى من سبب يمنع اعتبار الحركة أهلاً للحوار في إطار مفاوضات تجرى في المستقبل.
وعند عقد مقارنة بين حرب (إسرائيل) ضد الفلسطينيين، والحرب الأميركية ضد تنظيمات القاعدة، يبرز التالي:
1- تكتيكياً: جاءت إنجازات (إسرائيل) في مجالات الاستخبارات والدِقة، والحدِّ من الخسائر، أفضل من الولايات المتحدة وبريطانيا في أفغانستان، ونجحت بالوصول لصورة استخبارات جيدة إزاء حماس، بما فيها اغتيال وتصفية قياداتها السياسية والعسكرية، وآخرهم أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، وهو ما مُني فيه الأميركيون بالفشل ضد القاعدة، باستثناء "ابن لادن".
2- استراتيجياً: خسرت القاعدة قواعدها في أفغانستان، وفقدت قدرتها على التجنيد، وتعبئة وتدريب آلاف الشبان، وتعرضت ركيزتها السياسية المتمثلة بنظام طالبان للإزالة، فيما أقامت حماس في قطاع غزة قواعد تدريب علنية تدرب فيها آلاف المتطوعين، وتقوم بصناعة صواريخ وتطوير أسلحة بصورة شبه علنية، وتعززت مكانتها السياسية نتيجة حربها الأخيرة، وظهورها كـ"منتصر" أمام (إسرائيل).
على الصعيد السياسي مع السلطة الفلسطينية، فإن غياب حزب "كاديما" الخاسر الأكبر في نتائج الانتخابات "المفاجئة"، قد يعني تراجعاً لفكرة استنساخ تجربة الانفصال الأحادي الجانب من قطاع غزة في الضفة الغربية، أو بعض أجزائها على الأقل، بعد ترديد مرشحه الأبرز "شاؤول موفاز" في دعايته الانتخابية أن المهمة المركزية أمام الحكومة القادمة تكمن في تحديد خطوط حدود آمنة ودفاعية توفر الأمن لمواطنيها.
ومع ذلك، فإن ما أعلنه "نتنياهو" في الآونة الأخيرة من عزمه الانسحاب داخل حدود الضفة الغربية من طرف واحد، ودون اتفاق مع السلطة، لفرض وقائع على الأرض، ترسم حدود الدولة الفلسطينية القادمة، قد يصطدم بعقبة ائتلافه المتوقع، لاسيما إن كان يمينياً صرفاً، حيث يعتبر الضفة جزءًا من (إسرائيل)، واعتباره أن هذه الخطوة -إن تمت- ترسخ اعتقاد الفلسطينيين بأنها هروب إسرائيلي حتمي تحت ضربات القوى المسلحة!
ولذلك يعتقد زعماء اليمين الإسرائيلي الفائزون أن مواجهة الجماعات المسلحة، وعلى رأسها حماس، تأتي ضمن محاربة مكثفة يومية ومتطورة ومتقدمة، وكما أسماها "موفاز" وزير الجيش الأسبق، فإنها "سباق ماراثوني طويل، وليس عَدواً لمسافات قصيرة"، وقد تخطت (إسرائيل) العوائق التي وضعت في طريقها ممن يتربصون بها، وباتت من الدول المتصدرة للكفاح العالمي ضد تلك الجماعات، للدرجة التي دفعت "نتنياهو" مثلاً لأن يبارك العملية الفرنسية الأخيرة في مالي، باعتبارها امتداداً لمحاربته حماس في الأراضي الفلسطينية!
أخيراً..فإن بقاء حماس مسيطرة على قطاع غزة، وتقويتها أكثر فأكثر عسكرياً وسياسياً وإقليمياً، مقابل التراجع المتواصل للسلطة الفلسطينية، مالياً وسياسياً، قد يجعل الأحزاب الإسرائيلية في حالة تغيير متوقع لمواقفها المعلنة منها، إن بقي الحال على ما هو عليه، ومرهون بطبيعة الائتلاف المتوقع تشكيله الأسابيع القادمة.. لننتظر ونرى.