الأسرى الفلسطينيّون يخوضون صراعاً مع إسرائيل
بقلم: عدنان أبو عامر
يخوض الأسرى الفلسطينيّون في السجون الإسرائيليّة منذ 3 آب/أغسطس
صراعاً قاسياً مع مصلحة السجون، احتجاجاً على الحملة التي تنفّذها ضدّهم مثل نقل بعضهم،
واقتحام أقسامهم وتفتيشها، وعزل عدد منهم، وفقاً لتأكيد رئيس نادي الأسير الفلسطينيّ
قدورة فارس في 9 آب/أغسطس.
كما تصاعد التوتر يوم 3 أغسطس بين الأسرى الفلسطينيين وإدارات
السجون الإسرائيلية، عبر إرجاع الأسرى للوجبات الغذائية، وإعلان الإضراب عن الطعام
احتجاجا على قيام وحدة القمع التابعة لمصلحة السجون باقتحام الأقسام التابعة لأسرى
حماس، وإبلاغ بعض الأقسام بعمليات نقل جماعي في الأيام القادمة، كما شنت سلطات السجون
حملة للبحث عن أجهزة خلوية مهربة نجحت خلالها في العثور على عشرات الأجهزة والشرائح.
العزل والتفتيش
حمّل الناطق باسم حماس والمتابع لشؤون الأسرى عبد الرحمن
شديد في حديث إلى "المونيتور" السلطات الإسرائيليّة مسؤوليّة حياة الأسرى
الفلسطينيّين، واتّهم مسؤول استخبارات السجون الإسرائيليّة إيلان بوردا بـ"ما
يحصل للأسرى، لأنّه يقود حرباً شرسة ضدّهم، ويترأس حملة التفتيشات، وتنقلات الأسرى
بين الأقسام، ويحرمهم من حقوقهم الإنسانية، ممّا يتطلّب من فصائل المقاومة بأذرعها
العسكريّة كافّة أن تتّخذ المواقف اللازمة والحاسمة لمساندة الأسرى في معركتهم مع السجّان
الإسرائيليّ".
أعلن الأسرى الفلسطينيّون يوم 6 أغسطس تصعيد احتجاجاتهم بإعلان
إضرابهم عن الطعام، بمشاركة 148 أسيراً، من الفصائل كافّة، منتشرين في سجون نفحة، ريمون
وإيشل، حتّى تحقيق مطالبهم.
تتمثّل أبرز مطالب المعتقلين في تسهيل زيارة أسرى غزّة كلّ
أسبوعين، وإدخال الأطفال والأقارب من الدرجة الأولى، وإنهاء قضيّة المعزولين، وإلغاء
العقوبات عن أسرى حماس، مثل منع توزيع الصحف أو مشاهدة التلفاز وحصر عدد ساعات الخروج
من الأقسام، ومضاعفة عمليات التفتيش داخل الغرف، والتفتيش أثناء الخروج إلى الفسحة
في ساحة السجن، وحلّ مشاكل الأسرى المرضى، والزيارات المفتوحة للحالات الإنسانيّة،
وإعادة المطبخ والمخبز للأسرى، التي منعتها إدارة السجون أوائل أغسطس من أجل الضغط
على الأسرى، وإدخال الأغراض عند زيارات الأهالي مثل الملابس والكتب والمواد الغذائية.
أكّد الأسير المحرّر الذي أطلق سراحه في 6 آب/أغسطس بعد
11 عاماً من الاعتقال، من جنين، سامي غوادرة لـ"المونيتور" أنّ "الظروف
العامّة في السجون الإسرائيليّة صعبة للغاية، حيث قرّر الأسرى إرجاع وجبتي الغداء والعشاء
احتجاجاً على الإجراءات التصعيديّة التي تنفّذها مصلحة جميع السجون الإسرائيلية ضدّهم،
خصوصاً أسرى غزّة بنقلهم المستمرّ من أقسام إلى أخرى، والتفتيش المستمرّ لهم".
دفع تدهور الأمور داخل السجون الإسرائيليّة، بالهيئة القياديّة
العليا لأسرى حماس في السجون في 6 آب/أغسطس، إلى حلّ تنظيم حماس داخل السجون كافّة،
وتحميل مصلحة السجن مسؤوليّة خدمات الأقسام.
فؤاد الخفش، مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان،
أبلغ "المونيتور" أن "الهيئة القيادية العليا لأسرى حماس تمثلهم في
كافة السجون الإسرائيلية، وتتعامل مع مصلحة السجون باسم جميع أسرى الحركة في القضايا
الخدماتية اليومية داخل السجون، ويقودها محمد عرمان، وبجانبه 15 من كبار أسرى حماس
مثل: عبد الناصر عيسى، معاذ بلال، محمد صبحة، سليم حجة، بلال البرغوثي، مصطفى الأسطل،
وجميعهم من ذوي الأحكام العالية المؤبدات، ورفضت إسرائيل الإفراج عنهم في صفقة التبادل
السابقة عام 2011".
وتضامن أسرى الجهاد الإسلاميّ مع رفاقهم أسرى حماس، وأعلنوا
في 9 آب/أغسطس، حلّ تنظيمهم في السجون الإسرائيليّة كافّة.
الهيئات القياديّة للأسرى داخل السجون الإسرائيليّة، تابعة
للتنظيمات الفلسطينية خارج السجون، وليست منشقة عنها، لكنها ترتّب أوضاع الأسرى، ومخوّلة
بإجراء الاتّصالات مع مصلحة السجون الإسرائيليّة لحلّ أيّ مشاكل. وخطورة قرار حلّها
أنّها تلزم مصلحة السجون الإسرائيليّة بالتعامل مع كلّ أسير على حدّة، في ظلّ غياب
جهّة رسميّة تمثّله أمامها، ممّا يعني دخول السجون في حالة فوضى عارمة قد لا تقوى إسرائيل
على مواجهتها، وقد تنتقل تأثيراتها خارج السجون، ممّا يدفع القيادات الفلسطينيّة الأسيرة
إلى الضغط على إسرائيل عبر هذه الخطوة.
وقد حضر "المونيتور" في 6 آب/أغسطس مؤتمراً صحافيّاً
أمام مكتب الصليب الأحمر في غزّة، في حضور ممثّلين عن القوى الفلسطينيّة كافّة للتضامن
مع الأسرى في احتجاجاتهم.
وزاد من تدهور الأمور داخل السجون الإسرائيليّة، قرار الكنيست
الإسرائيليّ في 20 تمّوز/يوليو، بإلزام الأسرى المضربين عن الطعام بالتغذية القسريّة،
ممّا استجلب ردود فعل فلسطينيّة غاضبة في 8 آب/أغسطس، واعتبار القرار الإسرائيلي جريمة
حرب ضد الأسرى الفلسطينيين، ومطالبات برفع القانون لمحكمة الجنايات الدولية.
تضامن الأسرى
وقال القياديّ في حماس من نابلس عدنان عصفور، المفرج عنه
في 4 آب/أغسطس من السجون الإسرائيليّة، بعد 30 شهراً من الاعتقال الإداريّ، لـ"المونيتور"
إنّ "الأسرى يحضّرون لبرنامج تصعيديّ لانتزاع حقوقهم، ورفع العقوبات المفروضة
عليهم، خصوصاً أسرى حماس، الذين ما زالوا رهن العقوبات المفروضة عليهم منذ عام كامل،
حيث تحرمهم مصلحة السجون الإسرائيليّة من التلفاز والمطبخ والزيارات وأوقات الخروج
من الزنازين".
وأكّد الأمين العام للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين المحكوم
بالسجن المؤبّد في السجون الإسرائيليّة أحمد سعدات في 9 آب/أغسطس من داخل سجن نفحة
خلال زيارة محاميه، أنّ الإضراب المفتوح عن الطعام يتّسع، وأنّ أقساماً عدّة في السجون
تستعدّ إلى الانضمام إلى المضربين، للمطالبة بوقف الهجمة التي تشنّها إسرائيل على الأسرى.
الخفش شرح "للمونيتور" أن هناك "5600 أسير
فلسطيني، موزعين على 11 سجناً إسرائيلياً، في كل سجن هناك 5-7 أقسام، وكل قسم يضم
20 غرفة، وكل قسم يضم ما يقرب من 120 أسيراً".
يتزامن الصراع الذي يخوضه الأسرى الفلسطينيّون مع مصلحة السجون
الإسرائيليّة مع بدء مفاوضات صفقة التبادل بين حماس وإسرائيل، التي قد تسفر عن الإفراج
عن معظم الأسرى الفلسطينيّين. وتعتقد حماس، على لسان مسؤول فيها رفض الكشف عن هويّته،
أبلغ "المونيتور" أنّ التضييقات الأخيرة على الأسرى في السجون تأتي بغرض
الضغط الإسرائيليّ عليها في مفاوضات التبادل الجارية بعيداً عن الإعلام، لتقديم مزيد
من التنازلات.
تحدّث المركز الفلسطينيّ للإعلام، الموقع الرسميّ لحماس،
في 8 آب/أغسطس عن أنّ الذرائع الإسرائيليّة للإجراءات الأخيرة ضدّ الأسرى جاءت بسبب
تواصل عدد من قياداتهم داخل السجون مع قيادات حماس في الخارج، للضغط على إسرائيل خلال
مفاوضات صفقة التبادل الجارية بين حماس وإسرائيل، عبر تهريب الهواتف المحمولة إلى داخل
السجون عبر سجّانين إسرائيليّين يحصلون على مبالغ ماليّة من أسرى حماس.
وقد تحدّث الأسير أحد قادة كتائب القسّام الجناح العسكريّ
لحماس، المحكوم في السجون الإسرائيليّة 67 مؤبّداً مدى الحياة عبد الله البرغوثي، في
31 أيّار/مايو من داخل سجن "رامون" الإسرائيليّ، عبر اتّصال هاتفيّ مع إذاعة
الرأي في غزّة، وطالب حماس وجناحها العسكريّ بعدم التسرّع في إنجاز صفة تبادل الأسرى
مع إسرائيل.
وقد تمثّلت آخر التطوّرات من داخل السجون الإسرائيليّة، في
عقد اجتماع مساء 9 آب/أغسطس بين إدارة مصلحة السجون في سجن نفحة وممثّلي الأسرى الفلسطينيّين،
للبحث في تحقيق مطالب الأسرى بوقف التنقلات والتفتيشات داخل الأقسام، والتوقف عن سياسة
عزل الأسرى، وإلغاء العقوبات ضدهم، لكن الاجتماع فشل في تحقيق نتائج إيجابية، ممّا
يعني بقاء الأزمة على حالها، واحتمال تصعيدها في الأيّام المقبلة بدءاً من صباح الاثنين
10 آب/أغسطس.
وفي تطور جديد، أعلنت مصلحة السجون الإسرائيلية صباح 10 أغسطس
إقامة غرف طوارئ في كافة السجون، حتى لا يتم نقل الأسرى المضربين عن الطعام للمستشفيات
الإسرائيلية العادية، بل علاجهم داخل السجون.
وفي وقت لاحق، أكد رياض الأشقر، المتحدث باسم مركز أسرى فلسطين
للدراسات، صباح 12 أغسطس أن "قيادة الأسرى أعلنت فجر الأربعاء 12 أغسطس، عن تعليق
مؤقت للخطوات النضالية التي ينفذها الأسرى لمدة 48 ساعة فقط، عقب لقائها مع مصلحة السجون
الإسرائيلية في سجن نفحة، وأبلغتهم بوجود مساعي من المستوى السياسي الإسرائيلي للاستجابة
لمطالبهم، وعودة الهدوء للسجون مرة أخرى".
أخيراً... ليست المرّة الأولى التي تندلع صدامات بين الأسرى
الفلسطينيّين ومصلحة السجون الإسرائيليّة، لكن ما يميّزها هذه المرّة أنّ العلاقات
الفلسطينيّة-الإسرائيليّة تمرّ في مرحلة توتّر كبيرة، نجمت عن إحراق المستوطنين الإسرائيليّين
عائلة "دوابشة" الفلسطينيّة في نابلس في 31 تمّوز/يوليو، ممّا أثار مظاهرات
فلسطينيّة ومواجهات مع الجيش الإسرائيليّ والمستوطنين في الضفّة الغربيّة، وقد يسهم
تدهور وضع السجون الإسرائيليّة في صب مزيد من الزيت على النار المشتعلة بين الجانبين.
المصدر: المونيتور