الأسير الشهيد عرفات جردات وغياب الإرادة السياسية
بقلم: فؤاد الخفش
منعت نفسي مرات ومرات عن الكتابة عن الأسير الشهيد عرفات جردات آخر شهداء الحركة الأسيرة الفلسطينية، وفي كل مرة كنت أقول لا أريد أن أستعجل الكتابة، حتى لا تطغى اللغة العاطفية على المقال أو أتهم بأنّني أتجنّى على الجانب الرسمي الفلسطيني المقصر في التعامل مع قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال.
قضية اغتيال الشهيد عرفات جردات وبعد خمسة أيام من اختطافه والسماح لطبيب فلسطيني بمعاينة الجثمان والمشاركة في عملية التشريح سابقة لم تحدث مع الشهداء السابقين للحركة الأسيرة الأمر الذي يعد سابقة يجب استغلالها والاستفادة منها، ليس من أجل أن نعيد الروح لجسد الشهيد، ولكن لنحمي من سيأتي بعده من أبناء الشعب الفلسطيني.
ولعل الشهيد جردات هو أول شهيد يرتقي لربه بعد أن حصلنا على لقب وصفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، الأمر الذي يمكننا إن ” توفرت إرادة سياسة” التوجه للمؤسسات الأممية لمحاسبة الاحتلال على جريمته النكراء.
لا أستطيع أن أفهم حتى الآن المانع وراء نشر الوثائق الرسمية والتقرير الطبي الرسمي للطبيب الفلسطيني وصور وآثار التعذيب الذي نفاه الجانب الإسرائيلي وما زال مصراً على غيّه ونفية، ولماذا يتم تأخيرها ومن هم الخبراء القانونيون الذين سيشرفون على توثيق الحادثة وتسجيلها بالطرق القانونية لرفعها للجهات الدولية.
مع اللحظات الأولى لاستشهاد الأسير وعبر مواقع التواصل الاجتماعي علق عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين الذين قالوا أن الأمر لن يتعدى الشجب والاستنكار والمطالبة والمناشدة، وهو ما كان وليس أكثر.
المؤلم بالأمر أيضاً ليس موقف الجانب الرسمي المتوقع أصلاً ولكن رد فعل الشارع الفلسطيني الباهت والذي لم يرق لحجم الحدث، علماً أن الشارع كان متعاطفاً مع قضية الأسرى المضربين وكانت هناك تعبئة لحد ما، ولكن الأمر لم يتجاوز مسيرة هنا أو هناك لا ترقى إطلاقاً لحجم الحدث.
على كل حال فقط الله جل في علاه يعلم حجم الألم الذي تعرض له الشهيد قبل أن تفيض روحه إلى بارئها، على يد من باعوا أرواحهم وضمائرهم لعدوهم.
أما فيما يخص عائلة الشهيد فالصورة التي نقلت لهم تتحدث عن حجم معاناتهم وما أصعبه من موقف حين يعود الرجل الذي خرج على قدميه محمولاً على الأكتاف، الرجل تستقبله النسوة بالعويل والزغاريد والإخوة بتقبيل الأقدام والبكاء على من غاب ولن يعود.
لن يرحم التاريخ من قصر أو سيقصر في محاسبة الاحتلال على هذه الجريمة، ويجب أن لا يتحول الشهيد إلى مجرد رقم يذكر، فقط كلما ارتقى جديد وحمل لقب أسير شهيد.
رحمك الله عرفات جردات وصبر تلك الزوجة التي تحمل في أحشائها طفل عرفات الذي سيخرج ومع ولادته ستتفتح الجراح التي لن تندمل أبداً.