القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

الأقصى.. والكلام الصعب!

الأقصى.. والكلام الصعب!

بقلم: لمى خاطر

تتوقف الكلمات في الحناجر أو تتلاشى من حبر الأقلام حين تكون القدس شاخصة في قلب الحدث، ثم حين تصبح تحت التهديد والانتهاك.. وحدها قضية الأقصى من تجعل الكلام صعباً أو مائعاً أو بلا قيمة، ووحدها من تحيطك بالخجل إذا ما فكّرت في الكتابة عنها لتوصيف حالها، أو تحليل ملابسات ما يجري في محيط الأقصى، أو الإجابة على سؤال: لماذا؟ لماذا تتصاعد الهجمة على الأقصى؟ أو لماذا يتجرأ المستوطنون على اقتحامه كل يوم؟ أو لماذا يسود الصمت؟

وبداية، لعل تمادي الاحتلال بمستوطنيه وجنوده في انتهاك الأقصى واقتحامه بشكل شبه يومي مردّه معرفته بأنه قد مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه المقدسات فتيل إيقاد العزائم الأهم، والأسرع دفعاً نحو تحريك دم الكرامة في العروق، ولعلنا بدورنا نخدع أنفسنا إن قلنا إن الروح الوطنية للفلسطيني بشكل عام ما زالت نضرة ومتعافية وتشبه حالها مطلع الانتفاضة الأولى (على سبيل المثال)، يوم كانت دروب الأمل فسيحة، والتلوّث السياسي ضئيلا ومحاصرا.

فقط تبدو اليوم حالة المرابطة داخل الأقصى أهم حلقات حمايته والدفاع عنه، ويبدو الاحتلال منكباً على تفكيكها وإنهائها كظاهرة، لأنها رباط داخل قلب القدس، ولأنها حالة متقدّمة من الاستعداد للفداء، ولأنها ناقوس يومي يذكّر الأمة بمقدّساتها، ويحول دون عزلها وتحييدها عن الاهتمام.

غير أنه سرعان ما يقفز ذلك السؤال الجوهري كلما اشتد الخطب حول الأقصى.. ما المطلوب؟ سؤال لا ينفك يتردد في فضاء القنوات الإعلامية وهي تغطي مشاهد الاقتحام على الهواء مباشرة، تستضيف كثيرين وتمطرهم بهذا السؤال.. يسارع بعضهم لاستجلاب ما تحفظه الذاكرة منذ عقود حول هبة منتظرة مفترضة للشعوب العربية دفاعاً عن مقدساتها، ولكن قَلّ أن يلتفت أحد إلى تلك المياه التي جرت تحت جسور الساحات العربية منذ سنوات، فسقطت أنظمة، وما زال بعضها يواصل فتكه وإجرامه، وحلت في أوطان أخرى أنظمة أشد قمعاً واستبداداً من سابقتها.. وقلَّ أيضاً أن يرى بعضنا أن الأمة كلها تعيش حالة مخاض وأنها مثخنة بالجراح وعنقها تحت المقصلة، فكيف لمن يواجه ظلماً فاحشاً على أرضه أن ينتصر لساحة أخرى، حتى لو كانت القدس؟ ثم كيف يصحّ أن ينسحب بعضنا من أمام مرآته حتى لا يبصر مسؤولياته هو، ويلوذ بنداء عبثي متواصل لغيره؟!

الآن، وأكثر من كل مرحلة سابقة، لا تبدو قضية القدس والأقصى محتاجة للاستغراق في الإجابة على سؤال: ما المطلوب؟ لأن المطلوب معروف ومحدد، أقلّه رباط في ساحاته لحمايته، وأكثره مقاومة شديدة البأس في التخوم القريبة منه أو المجاورة له، حتى لا يطمئن المحتل إلى استكانتها.

لكن السؤال الأصعب، والذي لا تملك الإجابة عليه غير فئة قليلة عالية القامة والطموح هو: كيف؛ كيف يمكن تسوية الدروب للوصول إلى المطلوب، كيف نعين أنفسنا ومساحات وطننا المستنزفة على النهوض لاستعادة دورها؟ كيف نفتح في الجدار الصلب نفقاً يصلح السير فيه باتجاه الأقصى؟!

هذا السؤال الصعب لا تعالجه الكلمات ولا أطنان التحليلات والقراءات للمشهد، لأن رموزه تنفكّ بالفعل، وهذا الفعل لا بد أن تسبقه أو ترافقه نهضة نفسية شاملة تضع أصحابها على أول الطريق، ولا تشتتهم في مسارات العبثية واجترار الأزمنة أو الوقوف على أطلالها!