الأمل «٦٧»
بقلم: يوسف رزقة
في مثل هذه الأيام من شهر مايو/ أيار من كل عام,
يجتمع الشعب الفلسطيني في أماكن تجمعه لإحياء ذكرى النكبة التي حلت به في عام ١٩٤٨م.
كان للفلسطيني قبل هذا التاريخ وطن، واليوم هو يناضل من أجل استعادة الوطن، الذي فقده
في هذا التاريخ. ذكرى فَقْد الوطن ذكرى مؤلمة، لأن كل مصيبة بعد ضياع الوطن تهون أمام
مصيبة الوطن.
هذا القول ليس بلاغة في الإنشاء والتعبير، بل
هو حقيقة الواقع والميدان، التي تحكي أن جلّ مآسي الشعب الفلسطيني ومعاناته، مترتبة
بشكل أو بآخر عن نكبته بضياع وطنه، وتهجيره من أرض آبائه وأجداده. قيمة المرء تعلو
في وطنه، وتنقص قيمته لا محالة بنفيه وطرده من وطنه، لذا كان النفي والطرد عقوبة قاسية،
ويدرك هذه الحقيقة جيدًا من يسكنون مخيمات الشتات والغربة في البلاد العربية.
كانت معاناة الشعب في السنوات الأولى التي تلت
النكبة مباشرة خفيفة الوطأة، إذا قيست بالوطأة التي نقاسيها الآن بعد (٦٧) سنة من النكبة،
لأن شعبنا كان مسكونًا بأمل العودة والتحرير، ولكن مع تراكم الهزائم العربية، وبالذات
بعد عام ١٩٦٧م فقد قطاع من الشعب ومن القادة جزءًا من الأمل باستعادة الوطن وتحقيق
التحرير، فقرروا الاعتراف بالوجود الصهيوني على ٧٨% من الوطن الفلسطيني، ثم التفاوض
على ما تبقى لاستخلاصه من المحتل وإقامة دولة فلسطينية عليه، غير أن عشرين سنة من التفاوض
لم تحقق شيئًا، واستوطن اليهود الجزء الأهم من الأرض التي يتفاوض عليها المفاوضون،
وأعني بها القدس ومحيطها, وهذه في نظري النكبة الحقيقية التي تتفوق في آلامها وأضرارها
على نكبة ١٩٤٨م.
إن أسوأ مخرجات النكبة، وأكثرها إضرارًا بالقضية
الفلسطينية أن تفقد أغلبية الشعب الأمل بالعودة والتحرير، ومن ثمة تستسلم للأمر الواقع،
وهو ما راهن عليه العدو في استراتيجيته بمقولة (الكبار يموتون، والصغار ينسون)، لذا
فإن من أهم أعمال المقاومة هو إحياء الأمل في الشعب بالعودة والتحرير، ومواجهة كل من
يزعزع أمل الشعب بالعودة، وهذا الهدف الحيوي يحتاج إلى أعمال تبعث الأمل، لأن الأقوال
وحدها في هذه المسألة ضعيفة الأثر وغير مجدية. والأسوأ أن بعض الأقوال تعمل باتجاه
معاكس، كأن يقول رئيس السلطة مثلًا إنه لا يطالب بصفد!.
ذكرى يوم النكبة ليست يومًا للبكاء وتجديد الآلام
والأحزان، ولكنه يوم لتجديد الأمل بالعودة والتحرير، وإقناع الشعب بأن هذا اليوم قادم
وقريب بإذن الله، بعز عزيز أو بذل ذليل, وأنه مهما اشتد سواد الاحتلال، ومهما تعاظمت
قوته العسكرية، فهو زائل وساقط لا محالة، وستزول دولة الكيان كما زالت الدولة الفارسية،
والدولة الرومية لا محالة، وسندنا في هذا القول القرآن، والحديث، وتاريخ الدول والحضارات.
في هذه الذكرى يجدر بنا وبقادة شعبنا أن يزرعوا
الأمل بالعودة القريبة إلى الوطن، إلى يافا وحيفا، واللد والرملة، ولن تضيع فلسطين
من العرب والمسلمين كما ضاعت الأندلس مثلًا، ففلسطين ليست كالأندلس؛ لأنها في قلب العالم
العربي والإسلامي، ومقاومة شعبنا الفلسطيني لم تتوقف منذ عام ١٩٤٨م، والأجيال الحديثة
صغيرة السنّ، أكثر تمسكًا بحق العودة من الأجيال التي قضت وهي تنتظر العودة. إن دوام
الحال محال، وسقوط الدول الظالمة والحضارات الفاسدة يكون على غير مثال، وأحيانًا على
غير توقع. اللهم اكتب لشعبنا عودة قريبة إلى وطنه، وأرض أجداده.
المصدر: فلسطين أون لاين