الأمم المتحدة وأولى مهامها في معالجة القضية الفلسطينية
بقلم: د. جميل بغدادي
لقد مارست "إسرائيل” والصهيونية العالمية الابتزاز السياسي لتمرير مخططاتهما واعتمدتا التهديد والوعيد وحتى القتل الذي استهدف كبار الشخصيات السياسية العاملة تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة لتحقيق أهداف الصهيونية باحتلال فلسطين كاملة وانتهاك حقوق شعبها المشروعة.
فقد تم استهداف الأمين العام السابق للأمم المتحدة النمساوي كورت فالدهايم الذي رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وأوضح موقفه خلال التحضير لاتخاذ القرار رقم 338 الصادر في 22 تشرين الأول 1973, وبعد ذلك جرى الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية دولياً وطلب من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات إلقاء خطابه الشهير في الأمم المتحدة. إثر ذلك وجّهت رئاسة المؤتمر اليهودي العالمي تهمة النازية للسكرتير العام للأمم المتحدة. كما تعرض العديد من رجال السياسة في السويد للتهديدات وفي مقدمتهم داغ همرشولد سكرتير عام الأمم المتحدة من قبل الزعيم الصهيوني دافيد بن غوريون ليدفعه إلى تعديل مواقفه والتغاضي عن الاعتداءات الصهيونية وإهمال تنفيذ قرارات الأمم المتحدة. وكنت قد أشرت في مجال سابق إلى اغتيال الوسيط الدولي الكونت فولك برنادوت، كما تعرض الميجور السويدي هانس الذي عيّن في جهاز المراقبة الدولية في فلسطين عام 1958 إلى ضغوطات بعد أن أظهر خطورة الفساد والتجسس وإفساد موظفي الأمم المتحدة على يد الأجهزة الإسرائيلية. فأصدرت "إسرائيل” قراراً بتصفيته بحادث سير مدبر قرب طبريا، صحيح أنه نجا من الموت بأعجوبة إلا أنه خرج مشلولاً ليمضي ما تبقى من العمر على كرسي متحرك. وتعرض الجنرال السويدي فون هورن أيضاً للتهديد بالقتل عندما كان يعمل كبيراً لمراقبي الأمم المتحدة في الشرق الأوسط، وقد هاجمه مندوب "إسرائيل” في مجلس الأمن، وهاجمته صحيفة معاريف الإسرائيلية بسبب موقفه إبان عرض شكوى الدول العربية. وكان سبق أن تعرّض الجنرال هورن للتهديد واتهمته الصحافة الإسرائيلية بإحراز وسام "الصليب الحديدي الألماني” أثناء حرب هتلر المزعومة لإبادة اليهود.
إن الدور السياسي لم يعد مرتبطاً بأي حال من الأحوال بالأمم المتحدة، أو بدول الاتحاد الأوروبي بل أصبح بمجمله بيد صاحبة القرار الولايات المتحدة الأميركية، التي استثمرت انهيار الاتحاد السوفيتي السابق وأحداث 11 أيلول 2001 لتفرض سطوتها على العالم بحجة مكافحة الإرهاب، ولهذا لم يعد خافياً على أحد أن مصالح دول العالم أصبح مرتبطاً مع واشنطن عاصمة القرار السياسي والتي تنظر إلى القضايا الدولية من منطلق مصلحتها الخاصة الهادفة إلى دعم "إسرائيل”، وهذا ما جعلها مسبقاً تعلن بشكل واضح أنها ستتخذ حق النقض ضد إعلان الدولة الفلسطينية دون أن تهتم بأصدقائها وحلفاؤها العرب الذين أيدوا مشروع إعلان الدولة . فقد كانت دول العالم حريصة على تحقيق الوفاق الدولي ولهذا فقد وقعت 33 دولة على وثيقة هلسنكي في 1 آب 1975 والتي حددت الأسس العامة التي تحكم العلاقات بين الشرق والغرب ومن أهم هذه المبادئ:
1- الامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الشرق والغرب.
2- التعهد بحل النزاعات التي يمكن أن تحدث بالطرق السلمية.
3- التعهد باحترام الحدود الإقليمية القائمة في أوروبا.
4- التعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة كل دولة.
5- التعهد بإزالة أسباب سوء التفاهم والتقليل من أخطار النزاعات المسلحة في القارة الأوروبية. ولكننا مع الأسف في هذا العصر وفي العصور التي سبقته لم نجد تطبيقاً عملياً لمبادئ الوثيقة، فأمريكا علانية تتخذ قرارات الفيتو ضد ما يمس "إسرائيل”، واليوم هي تتعهد علانية بإسقاط قرار الدولة الفلسطينية مؤكدة وقوفها إلى جانب "إسرائيل”، ولا تكتفي بهذه الخطوة من التحدي للمجتمع الدولي بل تمارس المزيد من الضغط والترهيب السياسي ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادة السياسية من أجل إخضاعهم لرغباتها بعدم نقل ملف دولة فلسطين إلى الأمم المتحدة وهي بذلك تخالف بنود الوثيقة. علماً أنه لم يكن لدى الحكومة الأميركية حتى الحرب العالمية الأولى أي اهتمام بالصهيونية كحركة سياسية ولكنها كحركة روحية كانت تشكل عنصراً هاماً في الفكر الأميركي، ولهذا فقد استغل اليهود هذه النقطة وبدأوا بالتقرب من المسؤولين الأميركيين ليتمكنوا من الحصول على دعم أميركي بالموافقة على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد سارعت بريطانيا من قبلها بتقديم المساعدات بلا حساب إلى الصهيونية العالمية لتكمل مخططها الاستيطاني، حيث نشطت الهجرة اليهودية من روسيا وشرق أوروبا، وتم تقديم الحماية اللازمة للمستوطنات اليهودية بالقوة المسلحة ضد العرب، كما اعترفت بالعلم الصهيوني كعلم رسمي لليهود وبنشيد الهاتكفاه كنشيد قومي.
وسنتطرق الآن إلى أهم القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة حول فلسطين والتي كان الكثير منها لمصلحة الشـعب الفلسطيني إلا أنه ظل حبراً على ورق بسبب التعنت الإسرائيلي في تطبيق القرارات من جهة، وبسبب الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل واتخاذ حق النقض الفيتو ضد أي مشروع قرار يدين "إسرائيل” من جهة ثانية. وهنا تكمن المهزلة العالمية حيث أفرزت ازدواجية المعايير في تطبيق القرارات، وقلصت من مصداقية وهيئة الأمم المتحدة التي برزت للوجود حتى تحقق العدل والمساواة بين الشعوب.
ويأتي في مقدمة القرارات الجائرة ضد الشعب الفلسطيني بالطبع قرار التقسيم الذي يحمل الرقم 181 الصادر في 29 تشرين الثاني 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان هذا القرار جائراً بكل بنوده بحق الشعب الفلسطيني، حيث قضى بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم أراضيه إلى 3 أقسام، دولة عربية وأخرى يهودية على تراب فلسطين وأن تقع مدينتا القدس وبيت لحم في منطقة خاصة تحت الوصاية الدولية. وقد أوصت المملكة المتحدة بصفتها السلطة المنتدبة على فلسطين جميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، بتبني مشروع التقسيم. وكي يكون القرار إلزامياً على الفلسطينيين اعتبر مجلس الأمن كل محاولة لتغيير التسوية التي ينطوي عليها هذا القرار بالقوة تهديداً للسلام أو خرقاً له، أو عملاً عدوانياً، وذلك حسب المادة 39 من الميثاق.
وبالنسبة إلى وضع الأماكن المقدسة فقد جاء في القرار: لا تنكر أو تمس الحقوق القائمة المتعلقة بالأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية. وفيما يختص بالأماكن المقدسة، تضمن حرية الوصول والزيارة والمرور بما ينسجم مع الحقوق القائمة لجميع المقيمين والمواطنين في الدولة الأخرى وفي مدينة القدس، وكذلك للأجانب دون تمييز في الجنسية على أن يخضع ذلك لمتطلبات الأمن القومي والنظام العام واللياقة. كذلك تضمن حرية العبادة بما ينسجم مع الحقوق القائمة، على أن يخضع ذلك لصيانة النظام العام واللياقة. وتصان الأماكن المقدسة والأبنية والمواقع الدينية، ولا يسمح بأي عمل يمكن أن يمس بطريقة من الطرق صفتها المقدسة. فإذا بدا للحكومة في أي وقت أن أي مكان مقدس أو مبنى أو موقعاً دينياً معيناً بحاجة إلى ترميم عاجل، جاز للحكومة أن تدعو الطائفة أو الطوائف المعنية إلى إجراء الترميم. وإذا لم يتخذ إجراء خلال وقت معقول أمكن للحكومة أن تجريه بنفسها على نفقة الطائفة أو الطوائف المعنية. و تكون حرية العقيدة والممارسة الحرة لجميع طقوس العبادة المتفقة مع النظام العام والآداب الحسنة مضمونة للجميع. ولا يجوز التمييز بين السكان بأي شكل من الأشكال بسبب الأصل أو الدين أو اللغة أو الجنس. ولا يجوز أن يسمح بنزع ملكية أي أرض تخص عربياً في الدولة اليهودية أو يهودياً في الدولة العربية إلا للمنفعة العامة. وفي جميع الحالات يجب دفع تعويض كامل وبالمقدار الذي تحدده المحكمة العليا، وأن يتم الدفع قبل تجريد المالك من أرضه.
وإن المواطنين الفلسطينيين المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس، والعرب واليهود المقيمين في فلسطين خارج مدينة القدس، وهم غير حائزين على الجنسية الفلسطينية يصبحون مواطنين في الدولة التي يقيمون فيها، ويتمتعون بالحقوق المدنية والسياسية جميعها بمجرد الاعتراف باستقلال الدولة. وقد صوت لصالح قرار التقسيم 33 دولة، وعارضته 13 دولة، في حين امتنعت 10 دول عن التصويت، وغابت دولة واحدة عن الاجتماع.
- في 26 نيسان 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 185 حول الطلب من مجلس الوصاية دراسة إجراءات لحماية مدينة القدس وسكانها.
- في 18 أيلول 1948 أعرب فيه مجلس الأمن في قراره رقم 57 عن الصدمة العنيفة لاغتيال وسيط الأمم المتحدة في فلسطين الكونت فولك برنادوت نتيجة عمل جبان اقترفته جماعة مجرمـة من الإرهابيين في القدس. ف
- في 19 تشرين الأول 1948 أعرب مجلس الأمن في قراره رقم 59 عن قلقه لعدم تقديم "إسرائيل” تقريراً عن اغتيال الكونت برنادوت وإقرار واجب الحكومات في التعاون مع موظفي هيئة الرقابة.
- في 29 تشرين الأول 1948 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 60 حول إقامة لجنة فرعية لتعديل مشروع القرار بشأن وضع القدس.
- في 4 تشرين الثاني 1948 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 61 وفيه يدعو مجلس الأمن إلى سحب القوات وإقامة خطوط هدنة دائمة.
- في 11 كانون الأول 1948 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 194 حول إنشاء لجنة توفيق تابعة للأمم المتحدة وتقرير وضع القدس في نظام دولي دائم وتقرير حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في سبيل تعديل الأوضاع بحيث تؤدي إلى تحقيق السلام في فلسطين في المستقبل.
المصدر: سوريا نيوز