الأميركيون في شاتيلا: لسنا مهتمين بإنقاذ أحد
بقلم: قاسم س. قاسم
كُشف منذ يومين ما كان معروفاً اصلاً عن تواطؤ اميركي مع الاسرائيليين في ما يتعلق بمجزرة صبرا وشاتيلا. لكن ظهور وثائق على هذا التواطؤ هو بمثابة اثبات حسي لهذه الادانة التي لطالما حاولت اميركا ان تنفيها. فبعد مرور 30 عاماً على المجزرة، كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» عن خمس وثائق تعود إلى تواريخ 15، 16، 17، 18، 20 أيلول من عام 1982، تكشف عن تورط اميركي في المجزرة وان بشكل غير مباشر.
وكشفت الوثائق التي هي عبارة عن «ويكيليكس» ذلك العصر عن حوار دار بين أرييل شارون وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، وموفد الرئيس الأميركي رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط السفير موريس درايبر.
وفي إحدى الوثائق المسرّبة العائد تاريخها إلى 17 أيلول 1982، اي بعد يوم من «فلتان» مقاتلي القوات اللبنانية في شاتيلا، قال شارون لدرايبر: «إذا كنت متخوفاً من أن تتورط معنا، فلا مشكلة، يمكن لأميركا بكل بساطة أن تنكر الأمر أو علمها به (ارتكاب المجزرة)، ونحن بدورنا سننكر ذلك أيضاً».
وفي أحد اللقاءات في شهر حزيران من العام 1982، طلب الموفد الأميركي من شارون سحب قوات الجيش الإسرائيلي من بيروت. فما كان من الاخير إلا أن رد قائلاً إن «الإرهابيين»، اي مقاتلي منظمة التحرير، لا يزالون في العاصمة، مؤكداً أنه يملك أسماءهم وأماكن مكوثهم في المخيمات.
لكن، وبرغم من إصرار شارون على «تنظيف» المخيمات، فقد وافق على الانسحاب من بيروت، شرط إعطاء قواته مهلة 48 ساعة. وقد وافق المبعوث الاميركي على ذلك، مشدداً على أن خطة الانسحاب يجب أن تطبق في غضون 48 ساعة، وهو الوقت الذي احتاجت إليه قوات ايلي حبيقة لتصفّي ما يقارب 2000 لبناني وفلسطيني في المخيم.
ولتأكيد شارون حرصه على إتمام المهمة كاملة، لم يترك وزير الدفاع الاسرائيلي حينها طاولة الاجتماع إلا بعدما تأكد من خلو الاتفاق مع درايبر من أي التباس، معدداً أسماء المخيمات والتجمعات الفلسطينية التي سيدخلها لتصفية «الإرهابيين » وهي مخيما برج البراجنة وشاتيلا، وتجمعا صبرا والفاكهاني. عندها بادره درايبر بالقول: «لكن البعض سيزعم بأن الجيش الإسرائيلي باق في بيروت لكي يسمح للبنانيين بقتل الفلسطينيين». فما كان من شارون إلا أن رد قائلاً: «سنقتلهم نحن إذاً، لن نبقي أحداً منهم، لن نسمح لكم (الولايات المتحدة) بإنقاذ هؤلاء الإرهابيين (رجال منظمة التحرير)».
بالطبع رد مثل هذا متوقع من شخص مثل شارون، إلا أن المفاجأة أتت من درايبر نفسه الذي «وافق» قائلاً: «لسنا مهتمين بإنقاذ أحد من هؤلاء». فكرر شارون قائلاً : «إن كنتم لا تريدون أن يقتلهم اللبنانيون فسنقتلهم بأنفسنا». فكرّر عندها المبعوث الأميركي موقف حكومة بلاده قائلاً: «نود منكم الرحيل. دعوا اللبنانيين يتصرفون». وهذا ما جرى فعلاً، اذ دخلت عناصر القوات اللبنانية وأفراد من جيش لبنان الجنوبي الى مخيم شاتيلا وصبرا بهدف «تطهيره» من «المخربين» الذين لم يكونوا سوى مدنيين نصفهم من ابناء جلدتهم، اي لبنانيون، لكن فقرهم جعلهم يسكنون المخيم الذي كانت ارضه مثواهم الاخير . هكذا، وبينما كانت المجزرة ترتكب بدماء باردة في المخيم كان هناك شخص اوفدته السفارة الاميركية الى شاتيلا ليراقب الفظاعات التي تجري فيه. وبعد ايفاده بالمعلومات، كتب السفير درايبر إلى أرييل شارون قائلاً: «هذا رهيب. لدي ممثل في المخيمات وهو يعدّ الجثث. يجب عليكم أن تخجلوا».
وفي كتابه «المحارب» الذي يروي سيرته الذاتية، ذكر شارون ان الخطة كانت تقضي بأن «تسيطر القوات الإسرائيلية على بيروت الغربية، وترابط في النقاط الرئيسية، وفي الضواحي، من دون أن تدخلها». ويضيف: «طلبت من المسيحيين أن يلعبوا دوراً رئيسياً في حال اندلعت المعارك في بيروت، فنحن لا نريد أن تتكبد قواتنا خسائر في حرب الشوارع، أما البحث عن الإرهابيين فسيكون أكثر فاعلية إذا قام به لبنانيون يتكلمون اللغة العربية، لذا كانت القوات اللبنانية مدعوة إلى دخول بيروت الغربية إلى جانب جيش الدفاع الإسرائيلي». ويكمل شارون روايته: «في 15 أيلول طرت إلى بيروت، حيث لقيت إيتان الذي قال لي إنه تحدث مع قادة القوات اللبنانية، ونسق معهم مشاركتهم في الدخول إلى ضواحي صبرا وشاتيلا، فقد تلقوا أمراً بإعداد تفاصيل عملياتهم مع الجنرال أمير دروري قائد الجبهة الشمالية. وفي مساء اليوم التالي دخل الكتائبيون إلى صبرا وشاتيلا. لم أفاجأ لدى سماعي خبر سقوط قتلى، لكن إيتان قال: لقد ذهبوا (القوات اللبنانية) بعيداً».
المصدر: الأخبار