القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الأونروا في سورية بعد تقليص خدماتها إلى أين؟

الأونروا في سورية بعد تقليص خدماتها إلى أين؟

وليد محمد محمد

بدأت الأونروا تقديم خدماتها لللاجئين الفلسطينيين إلى سوريا فعليا في أيار من عام (1950) بعد قرار تأسيسها رقم (302) الصادر في ثمانية ديسمبر لعام (1949) وتحت مسمى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والذي اعترفت فيه بضرورة استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس مع عدم الإخلال بالقرار (194) الصادر عن الجمعية العامة وان يكن أدبياها قد خلت من أي تعريف سياسي لها فان ذلك لا يغير من حقيقة ان نشأتها ارتبطت بعامل سياسي شكل العنوان الأساس للقضية الفلسطينية والمتمثل بقضية اللاجئين وحق عودتهم إلى قراهم وبيوتهم في فلسطين المحتلة والتي هجروا منها قسرا نتيجة مؤامرة دولية صهيونية كبرى عام (1948)، واليوم بعد أكثر من ستين عاما على تأٍسيسها مازال الجدل قائما حول حاضرها ومستقبلها، دورها ووظائفها وخدماتها والمهام التي أنشأت لأجلها، مكانتها لدى الشعب الفلسطيني وما اذا كان مطلوبا الإبقاء عليها دون تغيير لما تشكله من دلالة سياسية ووطنية مرتبطة باللجوء والعودة وشاهد حي على نكبته الكبرى التي حلت به، لا شك ان الشعب الفلسطيني لم ينشأ الأونروا لكنها فرضت عليه بقرار دولي ضمن منظومة مؤامرة متكاملة مازالت فصولها تتكشف إلى اليوم، هل هي سيف مسلط عليه وورقة ابتزاز للتنازل عن حقوقه الوطنية أم على المقلب الآخر ان التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والارتقاء بمستوى المعيشة حق طبيعي يحتاجه اللاجئ الفلسطيني كأي إنسان يعيش على الكوكب إلى حين انتفاء سبب لجوئه ونكبته، إنها له وعليه.

تقتضي الموضوعية الحديث عن إنجازات الأونروا الكبيرة وتأثيرها الإيجابي على مجتمع اللاجئين في سورية منذ تأسيها حتى اليوم والدور الذي لعبته في مساعدتهم على تجاوز أثار نكبتهم وتحصينهم من الجهل والأمية والأمراض والفقر وتمكينهم من الوقوف أمام التحديات الحياتية التي واجهتهم وخاصة خلال سنوات اللجوء الأولى، ومن الإنصاف الحديث عن خصوصية وضع اللاجئ الفلسطيني في سورية عن غيره من اللاجئين الفلسطينيين في أماكن الشتات كونه يحظى بحقوق مدنية كثيرة يتساوى فيها مع المواطن السوري في كل شيء تقريبا ما عدا الترشح والانتخاب الأمر الذي هيأ له حياة كريمة خففت من وطأة الشعور بالاغتراب والنكبة، والأمر الذي سهل على الأونروا مهمتها كمكمل لما تقدمه الحكومة من خدمات لمجتمع اللاجئين عبر المؤسسة العامة لللاجئين الفلسطينيين، ومنذ منتصف ثمانينات القرن الماضي شعر اللاجئون الفلسطينيون في سوريا مثلهم في ذلك مثل بقية إخوانهم في مناطق عمليات الأونروا الأخرى بتراجع مستوى وحجم مع تقليص كبير للخدمات التي تقدمها الأونروا في البرامج التي تعمل عليها (التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وبرامج تنظيم الأسرة الخ...) ومع قناعة البعض ووفق ما تقدمه الأونروا من تبريرات لهذا التقليص والتراجع من ان العين بصيرة واليد قصيرة نتيجة لعدم وفاء الهيئات المانحة لالتزاماتها المالية، فان كثير من اللاجئين يعزون ذلك إلى سياسة ممنهجة يفرضها المتبرعون المتنفذون وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية نحو إنهاء تدريجي لمهامها وإفراغ ما يمثله بقاءها من سمة سياسية للفلسطينيين، ان ذلك لا يعفي الأونروا من القيام بالمهام التي أنشأت لأجلها رغم حالة التضييق المالي التي تمارس عليها والتي أثبتت التجارب انه يمكن تجاوزها عبر توسيع دائرة المتبرعين وزيادة حصصهم كي تتمكن من إنجاز برامجها على الوجه الأمثل الذي يلبي حاجة مجتمع اللاجئين المتضرر نتيجة هذا التقليص في الخدمات والذي نشأ عنه أثار سلبية ومعيقات تؤثر في تنفيذ برامج الأونروا المختلفة وتقلل نسب النجاح فيها وهنا لابد من الحديث عن تلك الآثار وما ينتج عنها بغية الوقوف عليها أمام المعنيين لتجاوزها وحل ما امكن من المشاكل الناجمة عنها:

البرنامج التعليمي

تقدم الأونروا خدمة التعليم في سورية لحوالي 119 مدرسة لمرحلة التعليم الأساسي تشمل أكثر من (66500) تلميذ وتلميذه ومركز مهني واحد لحوالي (1200) طالب يعمل في هذه الخدمة حوالي (2700) كادر تعليمي تستحوذ هذه الخدمة على حصة الآسد من الميزانية، وفي الحقيقة ان لدى الأونروا في هذا المجال برنامج طموح تسعى لتنفيذه ولكن مهما بلغ هذا البرنامج من تطور فانه سيبقى أسير محددات البيئة الاقتصادية الاجتماعية السياسية والنفسية لمجتمع اللاجئين وخصوصا في المخيمات فالمخيم الذي يعيش أبناؤه مع الفقر والبؤس والبطالة وانخفاض مستوى المعيشة وقلق وتوتر بشأن الحاضر والمستقبل هو ما يلقي بظلاله على بيئة المدرسة ونظامها التعليمي وستكون النتيجة مدمرة اذا لم تأخذ المدرسة دورا رياديا في تشخيص المشكلات وإيجاد الحلول لها والوقوف على السلبيات التي قد تتحول إلى ظواهر كارثية على العملية التربوية برمتها وتبقى العبرة بالمردود.

وعلى سبيل المثال ما زالت مشكلة التسرب للتلاميذ قائمة بل وتزداد وقد وصلت اكثر من (9%) في بعض المدارس بينما تستمر مشكلة اكتظاظ الطلاب في الصفوف وبلغت في بعضها حوالي خمسين تلميذا الأمر الذي يحرم الكثير منهم من خاصية متابعته من قبل المدرس وخاصة التلاميذ ذوو المستوى المتوسط والمتدني مع الاستمرار بسياسة طي الشعب بدل من زيادتها، وهناك مشكلة نظام الدوامين صباحي ومسائي الذي تعمل عليه جميع مدارس الأونروا في سورية الأمر الذي يمنع المدرس من التواصل مع التلاميذ المقصرين أو اكتشاف المواهب والأذكياء منهم ويحرم الطلاب من الاطلاع على التجارب المخبرية والميدانية والاستفادة من المكتبات والموسوعات العلمية لضيق الوقت، ينتج عن هذه المشكلة أيضا مشكلة اكبر تكاد تتحول إلى ظاهرة خطيرة وهي وجود نسبة ليست بالقليلة بين التلاميذ وفي مراحل دراسية متقدمة (خامس_ سادس) لم تتعلم بعد القراءة ولا الكتابة بلغتنا العربية نتيجة عدم المتابعة من قبل المدرس والمدرسة لعدم توفر الوقت اللازم هذه المشكلة تحتاج إلى حملة وبرنامج خاص لتداركها، ومن المعروف ان نسب النجاح مرتفعة لدى طلاب الأونروا مقارنة بنظيرتها السورية في الشهادتين الابتدائية والإعدادية خصوصا في ظل توحيد الأسئلة وهذا شيء إيجابي والخطأ هنا هو الركون إلى هذه النسبة وتعميمها وعدم الالتفات إلى الواقع مما يبعدنا عن إيجاد آليات لحل المشكلة مثلا مدرسة نموذجية في مخيم اليرموك نسبة النجاح فيها مائة بالمائة بينما يتكرر منذ سنوات انخفاض يصل إلى خمسين وأكثر بالمائة في نسبة الناجحين في بعض المخيمات ومنها مخيم خان دنون مثلا(لدى الذكور)، ومن المشاكل التي تؤثر في مستوى الأداء أيضا الاعتماد على نظام التعاقد والمياومة في تعيين المدرسين وبالتالي حرمان التلاميذ من المدرس الكفؤ الذي يبحث عن التوظيف الدائم في مكان آخر، وثمة مشكلة أخرى ليست بالبسيطة يعاني منها العاملون في هذه الخدمة تتمثل في غياب روح التعاون بين المركز المتمثل بالمدراء والموجهين وبين العاملون في الميدان المتمثل بالمدرسين وبصراحة اكثر وعلى حد وصف احد المدرسين كأننا في مؤسسة عسكرية يجب التنفيذ بشكل صارم ودون تعليق أو إبداء للرأي أو تذمر أونقاش..... الأمر الذي يفقد الكادر التدريسي حبه للمهنة ورسالته الإنسانية، وإضعاف الدافعية والعطاء لديه, مشكلة أخرى في بعض التعليمات التي تصدر من المركز وقد تكون غير مكتوبة أو مكتوبة تتمثل في تحريم النشاط السياسي داخل المدارس وهذا يمكن تفهمه لكن ما لا يمكن تفسيره هو منع الكادر التعليمي من نقل الإرث النضالي الوطني والثقافي إلى أذهان التلاميذ وبمعنى أدق تربية الجيل تربية وطنية تتناسب ووضع اللاجئين وحقهم في العودة إلى قرى إبائهم وأجدادهم التي هجروا منها في فلسطين. ومنع حتى الصور والرسوم والبوسترات التي ترمز لنضال هذا الشعب وكفاحه , ولن نتحدث عن ثقافة حقوق الإنسان (وقبول الآخر) التي يروج لها في سياقات مختلفة عن السياقات التي وضعت لأجله وفي اطار ما يسمى المناهج الملحقة مع ان مناهج زارة التربية السورية فيها من التربية الوطنية للأجيال الكثير.

البرنامج الصحي

حققت الأونروا في برنامجها الصحي في سورية نجاحا باهرا ساهم في خفض معدلات سوء التغذية بين الأطفال والرضع إلى الحد الأدنى، كما نجحت في تنفيذ برامج تأمين الرعاية الصحية الأولية الوقائية الشاملة وتوفير خدمات الرعاية الطبية وصحة الأسرة وكانت متميزة في مجال التعليم الصحي بالإضافة إلى تنفيذ برنامج موسع للتطعيم لدى الأطفال الأمر الذي أدى وبشكل كبير إلى الحد من انتشار الأوبئة والأمراض وخاصة المعدية بين اللاجئين وكل ذلك عبر مراكزها ال23 الموزعة داخل المخيمات وخارجها، كما عملت عبر مراكز متخصصة على متابعة بعد الأمراض كالسكري وضغط الدم وطب الأسنان، وتساهم الأونروا في تغطية نفقات الحالات الطارئة حيث تتعاقد مع بعض المشافي المحلية ونظرا لظروفها المالية فقد اضطرت إلى إشراك اللاجئ في دفع 25بالمائة من تكاليف العلاج، ويلاحظ منذ عقد مضى تراجع في المستوى والأداء للأونروا في مجال الخدمات الصحية في سورية الأمر الذي أدى إلى تذمر وعدم رضا لدى اللاجئين عن بعض جوانب التقصير الملموسة والتي يمكن ذكر بعض منها على سبيل المثال:

حصر عمل المراكز بالفترة الصباحية مع عدم وجود مراكز مناوبة أدى إلى اكتظاظ كبير فيها ونتيجة لقلة عدد الأطباء العاملين اصبح لكل 113 مريض تقريبا طبيب واحد واذا ما قيست فترة دوامه بأربع ساعات هذا يعني ان الفحص سيكون شكليا وفي معظم الأحيان بالنظر، كما وتبرز ظاهرة عدم توافر الأدوية في هذه المراكز وخاصة لمرضى السكري والضغط وخلو صيدليات المراكز من أنواع كثيرة من الأدوية ومنذ الأيام الأولى في الشهر، ولابد من الإشارة إلى ان افتقار الأونروا في سورية إلى وسائل تشخيص متقدمة ومختبرات متطورة ومراكز للتصوير وخاصة الطبقي المحوري والمرنان عبئا كبيرا و إضافيا على كاهل اللاجئ في ظل ارتفاع تكاليف هذه الخدمات , كذلك لابد من الإشارة إلى عدم وجود أطباء ذوو اختصاصات متنوعة يضاف الهيا افتقار هذه المراكز لعيادات العلاج نفسي، ولابد من الحديث عن بعض التصرفات الغير مقبولة التي يبديها البعض من الكادر الطبي تجاه المرضى كالصراخ والتوبيخ والتعامل بفوقية وهذه مسؤولية إدارية يجب الوقوف عندها ومعالجتها مثلما يجب معالجة ظاهرة المحسوبية والواسطة وخاصة عند إجراء العمل الجراحي في المشافي التي تتعاقد معها الأونروا.

ولا يخفى على احد ما طرأ على علم الطب والطبابة من تحول نتيجة لتعقد الحياة وتطورها وظهور تكنولوجيا طبية حديثة ومتطورة وظهور أمراض جديدة واختفاء أخرى قديمة وللأسف لم يلمس اللاجئ في مراكز الأونروا هذا التغير بل يتمنى لو بقيت الأمور على حالها وبات المطلوب التوسع في الخدمات الصحية والطبية ومواكبة متطلبات العصر.

برنامج الخدمات الاجتماعية

منذ تأسيسها سعت الأونروا إلى سد الحاجات الاجتماعية والإنسانية لمجتمع اللاجئين وخصوصا الفئات الأكثر بؤسا والأشد عسر وعرضة للمخاطر وتمثلت خدماتها بتقديم المساعدات الغذائية والإعانات المتنوعة إضافة إلى تقديم مساعدات نقدية في حالات الطوارئ كما تسعى لمعالجة الاحتياجات الاجتماعية الطارئة ومعالجة احتياجات المرأة واللاجئين من ذوي الاحتياجات الخاصة , والعمل على ضمان مسكن ملائم للعائلات،لا شك ان الأونروا شكلت العامل الأكثر أهمية في الواقع الاجتماعي والحياتي للاجئين في السنوات الأولى للتهجير وحققت الأونروا على هذا الصعيد نجاحا كبيرا وبعد توقيع اتفاق أوسلوا بدأ التراجع في تقديم هذه الخدمات ورغم اعتراف الأونروا ان 30 بالمائة من اللاجئين الفلسطينيين في سورية هم عند حد الفقر فان نسبة اللذين يحظون بالخدمات لا تتجاوز 7 بالمائة من المسجلين وتتناقص النسبة مع مرور الوقت كما الكمية المخصصة لكل عائلة الأمر الذي ينطبق على مستوى الخدمات، وفي هذا الجانب تبرز اكثر من مشكلة من الذي يحدد حالة العسر عن غيرها، وكيف يتم توزيع المعونات الطارئة وبعض التبرعات وعلي أي أساس وهل كل اللذين يحصلون على الإعاشة يستحقونها فعلا ان الإجابة على هذه الأسئلة يعرفها اللاجئين في المخيمات ويدركون ان هناك غياب للشفافية وسطوة للمحسوبية وعدم متابعة ومحاسبة جدية لبعض القائمين على هذه الخدمة، كما ويلاحظ أيضا ان الأونروا في هذا الجانب من الخدمة تتجه نحو تطبيق سياسة تنموية مع اهتمام بالبنى التحتية للمخيمات على حساب خدمات الإغاثة والإعانة الأمر الذي يؤهل اللاجئين مستقبلا للاندماج في البلد المضيف بما يخدم سياسة الإقامة الدائمة وربطا بالاستحقاقات السياسية المقبلة كما يراها المتبرعون المتنفذون , صحيح ان من حق اللاجئ ان يعيش في بيئة نظيفة ومسكن ملائم ومناسب لإنسانيته يتوفر فيه كل البنى التحتية اللازمة بالمقابل يجب ان لا يأتي كل ذلك على حساب الانتقاص من الحقوق الوطنية وأولها حق العودة ولا على حساب التعليم والصحة وبقية الخدمات الأخرى, بمعنى ان يكون مدخلا لا نهاء عمل الأونروا مستقبلا وفي هذا الجانب قد يكون تخوف البعض في محله سيما ان الأونروا تفتقر لعنصر الشفافية في هذا الجانب إضافة إلى إنها لم تقم بشرح وتوضيح مبررات برامج التنمية البشرية والأهداف المرجوة منها ولم تشرك اللاجئين لمعرفة ماهي الأولويات التي يحتاجون اليها وما تغيير اسم الأونروا وإزالة إغاثة وتشغيل من التسمية إلا ترجمة لما يتخوف منه جموع اللاجئين. وتقدم الأونروا برنامج تقديم القروض للمشاريع الصغيرة أيضا بغية خلق فرص عمل اكثر داخل المجتمع اللاجئ الأمر الذي ينعكس إيجابا على تحسين دخله وبالتالي مستوى معيشته بالإضافة إلى مشاريع تنموية أخرى وهو جزء من برنامج الأونروا نحو إيجاد سبل عيش مستدامة.

من الضروري اليوم إعادة تمتين الثقة بين مجتمع اللاجئين وبين الأونروا من خلال حث الأخيرة على الالتزام بالدور والوظيفة الذي حدده لها قرار إنشاءها رقم (302) دون التساوق مع أية مشاريع وتحت أي مسميات مهما كانت الذرائع، كما انه من الواجب على مجتمع اللاجئين التمسك بالأونروا كمؤسسة قدمت الكثير للشعب الفلسطيني وما زالت تقدم مع ضرورة حثها على زيادة حجم ومستوى الخدمات التي تقدمها بما يتناسب مع التغيرات الديمغرافية والاحتياجات المتزايدة لمجتمع اللاجئين، ولما تمثله من دلالة سياسية مرتبطة بأم القضايا والمتمثلة بمشكلة اللاجئين وحق عودتهم.

المصدر: دنيا الرأي