
رافت
مرة/ كاتب فلسطيني
لطالما ارتبط
اسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بدورها الإغاثي والإنساني،
وبأهميتها في توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين. وفي
المقابل، لا يكاد يخلو النقاش العام من الحديث عن تقليص خدماتها الممنهج، ومخاطر
إنهاء عملها، وما قد يترتب على ذلك من تداعيات إنسانية واجتماعية خطيرة.
غير أنّ هذه
النقاشات، على أهميتها، تغفل جانبًا بالغ الخطورة يتعلّق بسلوك الوكالة في لبنان
خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ تعيين دوروثي كلاوس مديرةً لها. إذ شهدت
الأونروا في هذه المرحلة تحوّلًا نوعيًا في نهجها، تمثل في ممارسات تقوم على
التهديد والتخويف والقمع، إلى حدّ بات معه هذا السلوك أقرب إلى ما يمكن وصفه
بـ«السلوك الإرهابي» الممنهج، الذي لم يعد يهدد الموظفين فحسب، بل المجتمع
الفلسطيني في لبنان ككل، ويمسّ كذلك بطبيعة العلاقات الفلسطينية – اللبنانية
وتتلخص هذه الممارسات الإرهابية بأربعة ملفات اساسية:
فصل تعسفي
واستهداف نقابي
في عهد دوروثي
كلاوس، أقدمت إدارة الأونروا على فصل وإيقاف عدد كبير من موظفيها. ولم يتوقف الأمر
عند هذا الحد، بل طاولت الملاحقات موظفين فازوا في انتخابات اتحاد موظفي الأونروا،
وهو إطار نقابي شرعي وقانوني يعمل وفق أنظمة الوكالة وقوانينها الداخلية. وقد شملت
هذه الملاحقات تهديدات مباشرة لقيادات في الاتحاد، وعرض ما سُمّي بملفات أمنية على
بعض الموظفين، في محاولة واضحة لإخافتهم وترهيبهم وكسر إرادتهم النقابية.
استهداف النشطاء
والحراكات الشعبية
كما لاحقت مديرة
الأونروا عددًا كبيرًا من النشطاء ورموز الحراكات الشعبية في المخيمات الفلسطينية،
وهم أشخاص عرفوا لسنوات طويلة بنشاطهم الاجتماعي ودورهم في مساعدة الأهالي
والتخفيف من معاناتهم، ولهم حضورهم الإيجابي المعروف داخل المجتمع. وقد وصلت هذه
الملاحقات إلى حدّ فبركة ملفات أمنية بحقهم وتقديمها إلى الأجهزة الأمنية
اللبنانية. إلا أنّ هذه الأجهزة، بحكم معرفتها بهؤلاء النشطاء ووعيها لطبيعة
أدوارهم، لم تنسق مع هذه المحاولات، فجاءت النتائج معاكسة لما سعت إليه دوروثي
كلاوس. ويبدو واضحًا في هذا السياق أن هذه الخطوات جاءت كردّ فعل على حالة الغضب
الشعبي المتزايدة تجاه سياسات الأونروا، ومحاولة لكسر إرادة النشطاء عبر التحريض
عليهم.
تحريض الفصائل
واستغلال النفوذ
وفي سياق متصل،
عملت دوروثي كلاوس على تحريض عدد من الفصائل الفلسطينية ضد الحراكات الشعبية
والنشطاء، مستغلة نفوذها للضغط على قيادات هذه الفصائل. وقد تُرجم ذلك في تنظيم
تحركات واحتجاجات قيل إنها دعم للأونروا، لكنها جاءت ضعيفة الأثر، وبدا أنها أقرب
إلى مشهد شكلي أو مهزلة سياسية، لا تعبّر عن موقف حقيقي من القاعدة الشعبية.
بث الفتنة داخل
المجتمع الفلسطيني
ويرى متابعون
للشأن الفلسطيني في لبنان أن إدارة الأونروا تعمل، بشكل ممنهج، على الإيقاع بين
الفصائل الفلسطينية نفسها عبر استغلال الواقع السياسي الدولي الجديد في لبنان
واستغلال الواقع السياسي الجديد لمنظمة التحرير الذي تمثل باستحداث منصب جديد لم
يكن معروفا سابقا الا وهو منصب "ممثل الرئيس"، وعمدت الى بث الفتنة داخل
المجتمع، وخلق حالات تصادم بين الأهالي من خلال شارع مقهور ومطحون مقابل شارع يسمي
نفسه "الشرعية"، في محاولة للوصول إلى مرحلة إنهاء الحراكات الشعبية
التي باتت تشكل عبئًا حقيقيًا على صورة الوكالة وسمعتها حتى ولو كلف الأمر إراقة
الدماء على مذبح دوروثي كلاوس.
إن ما يجري داخل
الأونروا في لبنان لم يعد مجرد أزمة إدارية أو خلافات عابرة، بل يعكس تحولًا
خطيرًا في طبيعة دور الوكالة وسلوكها. فبدل أن تكون مؤسسة إغاثية تحمي الإنسان
وكرامته، باتت تُتَّهم بممارسات قمعية تهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني، وتنعكس
سلبًا على الاستقرار والعلاقات مع الدولة اللبنانية. وأمام هذا الواقع، تبدو
الحاجة ملحّة لفتح تحقيق جدي وشفاف في سياسات إدارة الأونروا في لبنان، ومحاسبة
المسؤولين عن هذه الممارسات، حمايةً لدورها الإنساني أولًا، وللمجتمع الفلسطيني
وحقوقه ثانيًا.