«الأونروا » والتعليم.. مع وقف التنفيذ
بقلم: أيهم السهلي
لايزال الفلسطيني في سوريا يعتمد بشكل كبير على خدمات الأونروا المقدمة إليه منها.. والتي لا منة فيها عليه ولا حسنة. إنما هي حق من حقوقه البسيطة التي سيأخذها كاملة بفعل القانون. وهي (الأونروا) أحد المثبتات الرئيسية لحقه ووجوده كلاجئ خرج من أرضه بفعل الجريمة الصهيونية عام 1948.
فالأونروا منظمة دولية أنشئت لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات الفلسطيني، ضمن المناطق العاملة بها (القدس - الضفة الغربية - قطاع غزة - الأردن - سوريا - لبنان). وهذه الإغاثة شملت على مر عقود طويلة قطاعات مختلفة كالتعليم والصحة وسواها.
ولكن من "المستغرب" في السنوات الأخيرة تراجع دور الأونروا في تقديم واجباتها تجاه اللاجئين، فكم سمعنا خلال هذه السنوات القليلة الماضية من أب أو أم عن تراجع التدريس ضمن المدارس المخصصة للاجئين وحتى باعتراف الكثير من المعلمين ـ سراً ـ والمدراء والموجهين التربويين فيها.
ليس للفلسطيني في شتاته إلا تعليم أبنائه ودفعهم لأفضل تحصيل علمي ممكن، لأن الفلسطيني في الشتات ليس لديه ما يؤمنه لمستقبل أولاده إلا ما يجعله يشعر بالأمان في ترحاله المحتمل من مكان تواجده المؤقت لأي سبب كان وفي أية لحظة كانت تبعا لمتغيرات ما قد يحصل. وجميعنا سمع من "الكبارية" ومن الأهل والجيران كما سمع من بعض مدرسيه في مدارس الوكالة "ما إلكم إلا الدراسة.. إحنا الفلسطينية ما إلنا غير العلم.. عشان نعيش بكرامتنا وعشان نرجّع فلسطين".
مثل هذا الكلام يبدو أنه يزعج إدارة التربية في الأونروا، كما يبدو أنه لا يطرب آذانها، فهي مشغولة بالبرامج الدولية التي تطبق على أبنائنا مقابل المنفعة المالية لفئة ضيقة في الأونروا كما حدث بإدراج مناهج "التسامح" و " حل النزاعات سلمياً" و"إطار الجودة" وسواها من الشروط التي تتفتق بها وتفرضها قريحة الدول المانحة التي تشترط استخدام أموالها في برامج معينة إضافة للخدمات الأساسية.
ومن جهة أخرى تمعن الأونروا في تقليص حقوق المدرسين، وأجورهم، ليتحول المدرس إلى مجرد موظف يقدم حصته وينظر إلى الساعة منتظرا رنين جرس انتهاء الحصة. وكل هذا الوضع ازداد سوءاً وارتفعت نسبته، بعد أن أصبحت الوظيفة في مهنة التدريس في المدارس الزرقاء محكومة بفيتامين (الواو) لدى الفرد المتقدم لـ «مسابقة» التعيين، والتي يحصل عليها فلان ابن فلان بغض النظر عن كفاءته ويخسرها فلان رغم أن اسمه قد يكون في الترتيب الأول، أو قد تكون حقوق المدرس محكومة بشكوى من طالب تعرض للتوبيخ أو لضربتين بالعصا على يديه ليصبح هذا الطالب أكثر قيمة، واهتماما من المدرس الذي يحتاجه على الأقل مئة طالب، مما يستدعي إدارة التربية "الحديثة" إيقاف المعلم عن العمل أو تخفيضه أو حتى فصله.
يبدو أن المعايير التي كانت تجعل مدارس الأونروا وطلبتها مثالا لقوة التعليم وجودته، لم تعد موجودة وإن كان بعض مسؤولي التربية في الأونروا من الفلسطينيين ذوي الرواتب الخيالية يختبئون وراء نسب النجاح في شهادة التعليم الأساسي ـ وهو أمر مشكوك فيه نسبة لما يرشح من وجود نسب مخيفة من الأمية وانخفاض نسب التحصيل وجودته في الصفوف الانتقالية ـ (وهذا ما لا يجرؤ مدراء المدارس على التحدث به علناً خشية الإجراءات الانتقامية من إدارة التعليم في الأونروا) ولم تعد هذه الأجيال وتعليمها أمرا ذا أهمية بالنسبة للقائمين على قطاع التعليم، لأنهم يبدون مشغولين في الحفاظ على توازنات الوظيفة بعلاقات خارجية واستقواء بهذا أو ذاك ، أو مشغولين بخلافات داخل الإدارة التربوية لها الطابع المصلحي والشخصي أو أن سعر صرف الدولار المتفاوت بين يوم وآخر هو المعيار فقط لدى بعض الجهات المسؤولة.
إضافة إلى ما سبق تختصر جدران المدارس الزرقاء على رسومات ترضي دعاة "التسامح" في العالم "المتحضر" وتفرض على المدرسين تعليم حقوق الإنسان بينما حقه في العيش في وطنه مغفل، ولا يمكن التعليق عليه حيث تمنع الأونروا أي رسومات متعلقة بنضالات الشعب الفلسطيني عبر عقود طويلة قدم فيها الغالي والثمين، كما قدم البشر قبل المال. وكذلك تمنع الإشارة من قريب أو بعيد للاحتلال والصهيونية ـ ومن المستغرب أن تهتم الأونروا بحقوق الإنسان، في الوقت الذي تمنع طلبة مدارسها الفلسطينيين من التعبير عن آرائهم تجاه قضيتهم التي هي أولا وآخرا سبب وجودهم خارج أرضهم، وسبب وجود الأونروا ذاتها ـ.
أما المدرس الفلسطيني الذي كان واحدا من أهم الشركاء الأساسيين في العملية النضالية الفلسطينية من موقعه في العلاقة اليومية مع أبناء الشعب الفلسطيني، حيث كان يزرع في نفوس الطلاب الوطنية، وحب فلسطين، وضرورة النضال لأجلها، وعدم التنازل عن حبة تراب منها، هو اليوم ذاته المشغول بأعمال ورقية لا طائل منها و هو ذاته الذي يضعونه بحال معيشي سيء يمتهن كرامته في مواقف عديدة، ما يجعل تفكيره محصورا بإنهاء يومه المدرسي بأقل الخسائر إضافة للقوانين التي أشير إليها سابقا، والمجبر على الالتزام بها، والتي لا تفيد قضيتنا بشيء أكثر من إبعاد أجيال فلسطينية قادمة عن التفكير بحقوقهم الوطنية الطبيعية، والتي تضمنها القوانين الدولية ذات الصلة.
جميعنا نعيد السؤال القديم الجديد عن دور الأونروا الحقيقي تجاه الشعب الفلسطيني اللاجئ، ليس من باب فكرة المؤامرة، إنما من باب الحق (حقي وحقك.. حقنا) الذي بدأوا تقطيره علينا كأنه منة أو حسنة. وكأنه ليس واجبهم تجاهنا. وعلى قولة جدودنا "يرجعونا عالبلاد وبدناش منهم لا دوا ولا مدارس".
كلنا نبحث عن إجابة.. وجميعنا نريد أن نعرف لم هذا التقصير في قطاع التعليم.. أهو متعمد أم ماذا؟!
المصدر: موقع يرموك