القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الإعلام اللبناني وتهمة الفلسطيني الجاهزة

الإعلام اللبناني وتهمة الفلسطيني الجاهزة

بقلم: سماء أبو شرار

لم تكن المرة الأولى التي توجّه فيها وسائل إعلامية لبنانية اتهامات بحق الفلسطينيين بعد التفجير الإرهابي الذي طال برج البراجنة مؤخراً، وعلى الأغلب لن تكون الأخيرة.

منذ اللحظات الأولى للتفجير، ومن غير تروّ، انشغلت أكثر من قناة تلفزيونية لبنانية بإطلاق الحكم المسبق، على من رأت أنهم يقفون وراء تفجير الضاحية الجنوبية، من دون انتظار نتائج التحقيق أو تبيان معطياته الأولية.

كان القرب الجغرافي لمخيم برج البراجنة من موقع التفجير في عين السكة، وحده يشكل بالنسبة لهؤلاء دليلاً قاطعاً على تورط اللاجئ الفلسطيني بالجريمة البشعة، عبر إبلاغنا أن من نفّذوا العملية خرجوا من مخيم برج البراجنة سيراً على الأقدام، وهي معلومة تشير إلى إلصاق التهمة بالفلسطيني.

وما زاد الطين بلّة، البيان المفبرك لتنظيم «داعش» الذي نقلته قنوات تلفزيونية ومواقع الكترونية لبنانية من دون محاولة التأكد من مصداقيته، والذي أعلن فيه مسؤوليته عن العملية، مشيراً إلى أن اثنين من منفذي العملية هما فلسطينيان والثالث سوري.

لم يحاول مراسلو محطات التلفزة اللبنانية المختلفة سؤال أنفسهم إن كان القرب الجغرافي لمخيم برج البراجنة من موقع الانفجار وحده يشكل الدليل الدامغ على تورط سكان المخيم في تلك الجريمة البشعة. لم يخطر على بالهم أنه توجد أماكن أخرى غير المخيم قريبة من مكان التفجير، ولم يسألوا أنفسهم قبل إطلاق أحكامهم على الهواء مباشرة إن كانت هناك جنسيات أخرى غير الفلسطيني تسكن مخيم برج البراجنة وبينهم لبنانيون وسوريون؟

ألا يعرف هؤلاء عواقب اتهمات من هذا النوع وكيفية تأثيرها على حياة عشرات ألاف اللاجئيين الفلسطينيين في لبنان؟ ولنفترض فعلياً أن منفذي تفجير عين السكة كانا فلسطينيين، ألم يفكر هؤلاء أن الانتحاريين ليسا سوى أدوات في ماكينة تنظيم إرهابي بات يضم في صفوفه من كل جنسيات العالم، وبالتالي، لا ينبغي الحكم بالإعدام المعنوي على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، جرّاء فعل مدان لشخص أو شخصين؟

التسرع في إلصاق التهمة بالفلسطيني أقل ما يقال فيه أنه تصرف غير مسؤول من قبل بعض المراسلين، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أين كانت مرجعية هذا المراسل أو ذاك من تهم كهذه؟ أليست مسؤولية هذه المرجعية أن تلعب دور الرقيب في حالات كهذه لمنع إطلاق التهم جزافاً، لما يترتّب على ذلك من تبعات كبيرة قد تجر البلد إلى فتنة لبنانية فلسطينية لا يحمد عقباها.. إلا إذا كان الجواب الجاهز أن من ينظر من وراء المكاتب غير الموجود في أرض الحدث!

وفي غياب مرجعية رسمية فلسطينية كان يفترض بها أن تلعب دوراً محوريا في الأيام القليلة الماضية في دحض الشائعات عن أبناء شعبها في لبنان والمطالبة باعتذار رسمي من كل وسيلة إعلامية أخطأت بحقهم، وجد الفلسطيني نفسه وحيداً ومتهما بجريمة تبين لاحقاً أنه لا يد له فيها، كما اضطر للدفاع عن نفسه عن ذنب لم يقترفه، بل ألصق به جزافاً.

ولقد تبين أنه سقط شهيدان أو أكثر من الفلسطينيين في التفجير، وشاهدنا كيف ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بصور شبان فلسطينيين يتبرعون بالدم في مستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة، وبتعليقاتهم الرافضة لهذه التهم وللإرهاب الذي لا يميز بين جنسية واخرى. فكتبت أحداهن على صفحتها على «فايسبوك»: «‏الإرهاب يضرب لبنان الإرهاب لا دين ولا جنسية له. الفلسطيني شماعة العنصريين الأزلية».

كثيرون تبرأوا من منفذي الجريمة، معتبرين أن المخيمات الفلسطينية لم تكن ولن تكون بيئة حاضنة للجماعات التكفيرية، مشددين على أن معركة الفلسطيني كانت وستبقى مع الاحتلال الإسرائيلي، «وما حصل خسارة لنا قبل الجميع لان هولاء الشهداء من بيئتنا المقاومة، وكنا وما زلنا نعول عليها بمعركة التحرير»، كتب احدهم أيضا على صفحته على «فايسبوك».

كثيرون أيضاً تلقفوا تصريحات قيادة «حزب الله» وحركة «أمل» التي شددت منذ اللحظات الأولى للتفجير على أن لا علاقة للفلسطينيين بالجريمة. صدرت بيانات تنديد عن اللجان والفصائل الفلسطينية وأعلن الحداد العام في مخيمات لبنان. وزعت رسالة مفتوحة من أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى قناة «الجديد» تخاطب القيمين عليها «بالتحري عن الأخبار قبل نشرها والإيعاز لمراسليكم بعدم التسرع بالاتهامات تحقيقاً لكسب صحافي»، مطالبين القيمين على المحطة بالاعتذار. ولكن فعليا كل ذلك وغيره لم يشفع لهم، فقد بقي الفلسطيني تحت المجهر والمتهم الأول في الجريمة إلى أن تبين بعد يومين من تفجير عين السكة أن لا علاقة له بما حدث. فكتب أحد الشباب على حائطه على «فايسبوك» «إن محاولة زج مخيم برج البراجنة في ما يحصل في ‏الضاحية الجنوبية لا يخدم لا الفلسطينيين ولا اللبنانيين».

أسئلة كثيرة لا بد من طرحها هنا حول ما جرى في الأيام القليلة الماضية أكثرها إلحاحا ربما هو: إلى متى سيبقى الفلسطيني وقضيته بمثابة الشماعة التي تعلق عليها خطايا الآخرين؟ والى متى ستبقى بعض وسائل الإعلام اللبنانية تطلق التهم جزافاً بحق هذا الشعب من دون أدنى محاسبة؟ ألا يتوجب عليها أن تقدم اعتذاراً من الفلسطيني في لبنان لأنها أخطأت بحقه وتسرعت في اتهامه بجريمة لا ذنب له فيها؟

قد لا تكون هذه المرة الأولى التي يجد فيها الفلسطيني نفسه متهما ظلما ولكن دعونا نجعل منها الأخيرة.

ولكي يحصل ذلك، لا بد أولاً من وجود جهة رسمية فلسطينية على قدر المسؤولية لا تترك أبناءها وقت الأزمات وتتصدّى لكل اتهام ظالم يطالهم.

التنديد وحده لا يكفي في حالات كهذه، بل ما هو مطلوب أولاً عمل إعلامي وسياسي جاد وفعال على جميع المستويات، وثانياً، اعتذار رسمي تقدمه بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية للفلسطينيين في لبنان على الخطأ الذي ارتكب بحقهم ليكون درساً لكل من يفكر في المستقبل بإطلاق الاتهامات بشكل عشوائي.

المصدر: السفير