«الاتفاق النووي» والقضية الفلسطينية
بقلم: هاني المصري
ما هي عواقب اتفاق إيران
مع الدول «الخمسة زائد واحد» فيما يتعلق بالبرنامج النووي على القضية الفلسطينية؟ ما
هي التحديات والمخاطر التي يطرحها، وما هي الفرص التي يتيحها؟
لو عقد الاتفاق في ظل وحدة
وطنية فلسطينية ضمن رؤية واستراتيجية ودور فلسطيني فاعل وفي ظل علاقات فلسطينية جيدة
مع إيران لكانت عواقب هذا الاتفاق مضمونة وإيجابية جداً، وستصب بشكل خالص لصالح القضية
الفلسطينية، ولكن لو «تفتح عمل الشيطان» فالحقيقة الماثلة أمامنا أن الانقسام الفلسطيني
السياسي والجغرافي مزدهر ومرشح للتفاقم أكثر، وهذا ما يشجع على استخدام الأطراف الفلسطينية
لخدمة المحاور العربية والإقليمية والدولية بدلاً من توظيفها لصالح القضية الفلسطينية.
هناك خشية حقيقية من محاولة
جرّ الفلسطينيين إلى صراع المحاور العربية والإقليمية والحرب «السنية الشيعية»، ما
يعني ويتطلب تهدئة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي يترافق مع تصور محور عربي أن
الخطر الإيراني الشيعي الفارسي هو الخطر الذي يجب أن يحظى بالأولوية، وهذا يقتضي تحالف،
أو على الأقل تقاطع، مع إسرائيل، ومحاربة خطر الإرهاب، وتحديداً «داعش»، وتأتي القضية
الفلسطينية بعد ذلك، ما يعني تهميشاً للقضية الفلسطينية وضياعها في دهاليز وغياهب الصراعات
العربية الداخلية، والصراعات الإقليمية، وتحديداً الإيرانية التركية الإسرائيلية.
يأتي هذا في ظل غياب مشروع
عربي وقيادة عربية لا يمكن أن يتحققا من دون وضع الخطر الاستعماري الصهيوني الاستيطاني
الاحتلالي في صدارة الأولويات، وينظر إلى علاقات حسن جيرة تحفظ المصالح والحقوق العربية
مع الجيران تركيا وإيران.
المعضلة الكبيرة أن العلاقات
الفلسطينية الإيرانية أقل ما يقال عنها إنها فاترة، فلم يستجب الرئيس محمود عباس للدعوات
القديمة المتجددة دوماً التي قدمت له لزيارة طهران والاستثمار في العلاقات معها، فلا
يعقل إهمال دولة بحجم إيران في ظل دورها المتنامي في المنطقة والإقليم وعدائها لإسرائيل؛
لأنه خشي من انعكاس أي تحسين للعلاقات مع إيران سلبياً على العلاقات الفلسطينية - الخليجية
بالرغم من أن بعض دول الخليج علاقاتها، خصوصًا الاقتصادية، مع إيران أكثر من جيدة.
أما «حماس» التي كانت تربطها
علاقات جيدة مع إيران، فتعاني من عدم نجاحها في ترميم العلاقات معها التي تدهورت بعد
«الربيع العربي» على خلفية الموقف من النظام السوري، كما أنها تتجاذبها نزعات وتيارات
حول أولوية العلاقة مع الرياض أو طهران.
إن طبيعة القضية الفلسطينية
العادلة، وتفوقها الأخلاقي، وأبعادها المختلفة، خصوصاً البعد الديني والتحرري الإنساني؛
يجعلها قادرة على الحصول على دعم الجميع إذا نأى الفلسطينيون بأنفسهم، وسعوا للحصول
على دعم الجميع من دون التورط في الصراعات الداخلية العربية أو غيرها، ومن دون الوقوف
مع محور ضد محور آخر، لأن في هذا ضياع للقضية الفلسطينية.
في هذا السياق يمكن أن نضع
زيارة وفد من قيادة «حماس» برئاسة خالد مشعل إلى السعودية ولقائه بالعاهل السعودي،
الأمر الذي يؤشر إلى سعي سعودي واضح لجذب «حماس» بعيداً عن طهران، وتوظيف علاقاتها
باعتبارها امتداداً فلسطينياً للإخوان المسلمين في حربها في اليمن، والعقبة أو العقبات
التي تحول دون تحقق ذلك بسرعة وعلى أفضل شكل الخصومة الحمساوية المصرية والانقسام الفلسطيني؛
لذلك من المتوقع أن تعمل الرياض على إزالة هذه العقبات، وهذا يمكن أن ينجح أو أن يساهم
في انتهاء «شهر العسل» المصري السعودي.
هناك خشية من أن تقع «حماس»
في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه تحت إغراء عوائد الانضمام إلى «مشروع عربي إسلامي» بقيادة
السعودية.
من المفترض نظرياً أن يساهم
«الاتفاق النووي» في عودة الاهتمام في الملف الفلسطيني استجابة لوعد إدارة الرئيس باراك
أوباما بأنها ستفتح ملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بعد توقيع الاتفاق، كما
أنها طلبت من فرنسا تأجيل طرح مشروع قرار على مجلس الأمن ليكون مرجعية لأي مفاوضات
مقبلة، ولكن هذا الوعد الأميركي معرض كما الوعود السابقة لعدم الالتزام به، بسبب انشغال
الإدارة الأميركية خلال الأشهر الثلاثة القادمة بحشد التأييد للاتفاق في الكونغرس،
لأن معارضي الاتفاق لو استطاعوا الحصول على تصويت ثلثي الأصوات في مجلسي النواب والشيوخ
فهذا يعني أن أوباما لن يستطيع استخدام الفيتو الذي يتيح له تمرير الاتفاق رغم معارضة
الكونغرس له بمجلسيه.
المتوقع والمرجح أن تبذل
إدارة البيت الأبيض كل الجهود الممكنة لإرضاء إسرائيل وأصدقائها لكي تتمكن من تمرير
الاتفاق، وهذا سيترجم بتقديم أسلحة أميركية متطورة وضمانات أمنية متكررة، وضمانات أخرى
بعدم تمرير إطلاق أي مبادرة لحل الصراع في المنطقة، بما في ذلك عدم تمرير قرار في مجلس
الأمن إلا إذا هبط بسقف المرجعية الدولية عن السقف الهابط أصلاً الذي يحكم المفاوضات
الفلسطينية - الإسرائيلية.
لعل هذا يفسر تراجع فرنسا
عن مبادرتها الأصلية، إذ أخذت تركز أكثر على المواكبة الدولية للمفاوضات المقبلة أكثر
ما تفكر في عرض مشروع قرار في مجلس الأمن، لأنها على ما يبدو أصبحت مقتنعة بأن لا إمكانية
لحل الصراع، وأن المطلوب إدارته حتى لا ينفجر، خصوصاً بعد تأكدها بأن الإدارة الأميركية
ليست بوارد توجيه ضربة أخرى لإسرائيل بعد «الاتفاق النووي» بعدم استخدام الفيتو لمشروع
قرار كما ألمحت سابقاً.
في كل الأحوال، يقترب الرئيس
الأميركي من الدخول في مرحلة «البطة العرجاء» التي تبدأ مع اقتراب نهاية فترة رئاسته،
التي لا يستطيع فيها اتخاذ قرارات جوهرية وسط الانشغال بالانتخابات الرئاسية القادمة،
لذلك فإن الرهان على تحرك أمريكي عادل أو متوازن خاسر كما كان الحال دائماً.
تبقى نقطة مهمة جداً، وهي
أن إسرائيل (أقصد إسرائيل حكومة ومعارضة) تعارض «الاتفاق النووي»، ما يدل على أنها
متضررة منه بشدة، وهذا جعل نتنياهو يرفض مناقشة التعويضات التي ستقدمها إدارة البيت
الأبيض لإسرائيل التي عرضها أوباما عليه مرتين في مكالمتين ما قبل التوصل إلى الاتفاق
وبعده، لأن نتنياهو لا يريد أن يضعف فرص إسقاط الاتفاق في الكونغرس، وإذا فشلت المعارضة
فلن تضيع الفرصة على إسرائيل بالحصول على التعويضات.
مفترض في الحياة بشكل عام،
وفي السياسة بشكل خاص، أن ما يغضب عدوي يسرني، وما أغضب إسرائيل يسعد الفلسطينيين،
ولكن استثمار ذلك وتحويله إلى فرصة حقيقية يتوقف على توفر القدرة الفلسطينية على الاستثمار،
والوضع الفلسطيني في أسوأ حالاته، وأقل قدرة على مواجهة التحديات والمخاطر وتقليل أضرارها
وخسائرها وعلى تعظيم فوائد ومكاسب الفرص.
إن أهم ما يشير إليه هذا
الاتفاق أن أهمية منطقة الشرق الأوسط تتراجع (أقول تتراجع ولا تنتهي)، وأن الاهتمام
الأميركي بها تراجع لهذا السبب ولأسباب أخرى، أهمها أن آسيا أصبحت لها الأولوية في
ظل صعود الصين، واحتمالات مد نفوذها وتحولها إلى قوة منافسة جدياً للولايات المتحدة
على قيادة العالم، وهذا يعني أن الأطراف المحلية والإقليمية مطالبة بأن يكون لها دور
أكبر من الأدوار السابقة، ولعل هذا ما يقلق إسرائيل أكثر من حصول أو قرب حصول إيران
على القنبلة النووية، لأن هذا الاتفاق يعطي إيران الشرعية الدولية ويحولها من دولة
مارقة وإرهابية إلى دولة معترف بها وبدورها، بما في ذلك دورها لمحاربة إرهاب «داعش»،
ما يجعلها منافسة لإسرائيل التي لا تزال تداعبها أحلام وأوهام بأن تصبح الدولة الإمبريالية
المسيطرة على المنطقة.
لقد تبخرت هذه الأحلام عندما
جاءت القوات الأميركية لمحاربة صدام حسين «دفاعاً عن النفط وإسرائيل» كما قال أنطوني
زيني، كبير الجنرالات الأميركيين في حينه، فبدلاً من أن تحمي إسرائيل نفسها والمصالح
الأميركية والغربية أصبحت بحاجة إلى من يحميها، وعندما دفعت الولايات المتحدة ثمناً
باهظاً لتواجد قواتها في المنطقة من دون أن تحقق أهدافها، وفي ظل عدم رغبتها بتكرار
التجربة المرة في حرب جديدة مع إيران؛ اختارت الاتفاق مع إيران والسعي لاعتمادها كأحد
حلفائها ووكلائها في المنطقة، والكثير سيتوقف على التغييرات التي ستحدث في إيران بعد
هذه الصفقة، وهل ستغير موقفها من القضية الفلسطينية، خصوصاً أن حجم الانفتاح الأميركي
والغربي عليها يتوقف على مدى تغيير سياساتها، خصوصاً إزاء إسرائيل، كما صرح الوزير
الألماني في زيارته الحالية لإيران، أم ستواصل طريقها بقوة أكبر بعد ما حققته من مكاسب
من الاتفاق على برنامجها النووي، أم ستختار الانتظار؟
المصدر: الأيام