الاستعداد للخسارة يعبِّد
طريق السلام؟
سركيس نعوم
يعتقد عدد من الباحثين
الأميركيين الذين عمل بعضهم في وزارة الخارجية سابقاً أن الولايات المتحدة تعامل قطاع
غزة كأنه منبوذ، وتدعم عزله لتقويض "حركة حماس" المسيطرة عليه. ويعتقدون
أيضاً أن هذه المقاربة تعطي عكس النتائج المرغوب فيها. ذلك انها تساعد "حماس"
في تعزيز قبضتها على القطاع وفي إدامة ركوده، وتحول دون قيام دولة فلسطينية منطلقة
من سلام دائم مع إسرائيل. في حين أن إعادة وصله سياسياً واقتصادياً بالضفة الغربية،
وإعادة تأسيس مؤسسات وطنية شرعية تشكلان خطوتين ضروريتين لتوصّل الفلسطينيين واسرائيل
الى اتفاق ديبلوماسي. ويعتقدون أخيراً أن على إدارة أوباما أن تشجع على إجراء انتخابات
عامة وطنية، وعلى تشكيل مجموعة إتصال إقليمية هدفها التأسيس لمصالحة فلسطينية – فلسطينية.
ما هي الخطوات العملية
لإنهاء عزل قطاع غزة؟
أنها أربع في رأي الباحثين
أنفسهم. أولاها قيام وزير الخارجية الأميركية جون كيري المهتم بإيجاد حل للصراع الفلسطيني
– الإسرائيلي المزمن ومع شركاء إقليميين بتشجيع إسرائيل على إعادة العلاقات التجارية
مع غزة أو على إعادة تأسيسها. ومن شأن تدفّق البضائع بين "القطاع" و"الضفة"
إعادة توجيه الاقتصاد الغزاوي بحيث يبتعد عن التجارة غير المشروعة مع مصر ويقوّي الطبقة
الوسطى. وثانيها هي تشجيع كيري إسرائيل للعمل مع السلطة الوطنية الفلسطينية لإعادة
تأسيس "كوريدور" الترانزيت الذي يسمح بتنقُّل الفلسطينيين بين غزة والضفة.
وثالثها مبادرة كيري إلى العمل لتأسيس مجموعة إتصال إقليمية تقود الفلسطينيين الى انتخابات
عامة. ويتطلّب ذلك مصالحة بين الفلسطينيين ويساعدهم في إعداد أنفسهم للمفاوضات مع الإسرائيليين.
أما أعضاء المجموعة فيفترض أن يكونوا من الدول الصديقة لـ"حماس" مثل تركيا
وقطر، ومن دول أخرى تقيم وزناً لآراء السلطة الوطنية الفلسطينية. ويسمح ذلك لـ"حماس"
مستقبلاً بالإشتراك في العمل السياسي الفلسطيني. أما رابعة الخطوات فهي قيادة وزارة
الخارجية الأميركية جهداً منسّقاً مع الشركاء الأوروبيين والمنظمات غير الحكومية الملائمة
لمساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية للتحضير للانتخابات العامة.
كيف ستنظر إسرائيل إلى
الخطوات الأربع المذكورة أعلاه وإلى الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه؟
الحكومة الاسرائيلية والبعض
في الولايات المتحدة، يجيب الباحثون الأميركيون أنفسهم، سيعترضان عليها لاقتناعهما
بأنها ستكون مكافأة غير مستحقة لـ"حماس". كما أنها ستفتح الباب واسعاً للتفاعل
بينها وبين المجتمع الدولي. لكنهم يعتقدون أن الاعتراض في غير محله لأن "حماس"
تستفيد من المأزق الذي يلف قطاع غزة لا العكس. علماً ان الخطوات ليست ولن تكون وسيلة
لـ"شرعنة" هذه الحركة الإرهابية. طبعاً، يستدرك هؤلاء، يمكن ان تسعى
"حماس" إلى استغلال التغييرات السياسية التي تحققها الخطوات المقترحة بغية
السيطرة على الضفة الغربية. علماً أن العكس أي سيطرة السلطة على القطاع، هي الأكثر
احتمالاً. ذلك ان المواجهة مع "حماس"، السياسية طبعاً، هي الدواء المضاد
لشعبيتها وليس الانكفاء أمامها، وخصوصاً بعدما أظهرت قدرة محدودة على ممارسة الحكم
في القطاع الأمر الذي أثار نقمة عليها وإن متدرجة صعوداً. أما في الضفة فمن غير المحتمل
ان تصبح "حماس" شعبية.
ما هو المطلوب للنجاح في
تطبيق الخطوات المفصّلة أعلاه؟
هو تفاهم الولايات المتحدة
مع إسرائيل ومع الكونغرس الأميركي عليها باعتبار أن نتيجتها ستكون تقوية الاعتدال الفلسطيني
القادر وحده على قيادة شعب فلسطين إلى السلام. علماً ان ذلك لا يعني تغيير أميركا علاقاتها
مع "حماس". لكن المطلوب أكثر في رأي باحث وناشط يهودي أميركي مؤيد بقوة لحل
الدولتين، وناقد بشدّة لنتنياهو وحكومته، ويائس تقريباً من الوصول إلى الحل المشار
إليه، وهو الدكتور هنري سيغمان، المطلوب هو أن يكون أوباما رأس الإدارة الأميركية مستعد
لتحمّل خسارة داخلية قد يتسبب بها له موقف أميركي رسمي ضاغط على إسرائيل مثل مطالبتها
باحترام حدود الـ1967 إقتناعاً منه بأن ذلك يساعد في تحقيق السلام. ولم يجرؤ رئيس أميركي
حتى الآن على تحمّل خسارة كهذه ستأتيه حتماً من الكونغرس حيث إن لإسرائيل نفوذاً مهمّاً
باعتراف مؤيديها في أميركا.
المصدر: النهار