القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رؤية نقدية سياسية بالعموم

الاعتراف بالدولة الفلسطينية، رؤية نقدية سياسية بالعموم

 

علي بدوان
كاتب فلسطيني/دمشق
عضو اتحاد الكتاب العرب

مقدمـــــــة

شكّلت موضوعة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 أو مابات يسمى بـ "استحقاق أيلول الفلسطيني" الشغل الشاغل عند دوائر العمل اليومي الفلسطينيه في الداخل والشتات وعند عموم القوى الفلسطينية، وبالأخص منها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، التي تواصلت في التفاعل مع الحراك السياسي المحموم بشأن التوجه للأمم المتحدة، وقد ترافق هذا الحراك مع دعوات إعلامية استثنائية يوازيها تصريحات متوالية من قبل سلام فياض حول "استكمال بناء مؤسسات الدولة واستعداد الفلسطينيين لتولي شؤونهم السياسية والاقتصادية في إطار دولة مستقلةً".

فقد غدا "استحقاق أيلول" الورقة السياسية الرائجة في الحراكات اليومية في المنطقة وعلى مسار العملية السياسية، بعد أن وصلت التسوية إلى مسارها المسدود، وبعد تخلّي الرئيس الأمريكي باراك أوباما العملي حتى عن خطاباته ووعوده المعسولة التي طالما دغدغ فيها مشاعر البعض من الفلسطينيين والعرب الرسميين وعموم المسلمين في المنطقة والعالم، فضلاً عن الفقدان المريع لأي دور أمريكي نزيه مرتقب في المنطقة، لدرجة استعمال واشنطن لحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد قرار يطالب بإدانة الاستيطان في الفترة الأخيرة ([1]).

ومن الواضح، بأن الجمود المسيطر على عملية التسوية منذ أن توقفت أخر جلسة تفاوضية مباشرة قبل عامين بين الطرفين الفلسطيني الرسمي و "الإسرائيلي"، اندفعت السلطة الفلسطينية في رام الله باتجاه اشتقاق خطوات تالية لمنع حدوث الانهيار التام للعملية السياسية، وتحديداً بعد الفجاجة العالية التي بدت في تتالي المواقف الأمريكية بالنسبة لمسألة الاستيطان، حيث تراجع الموقف الأمريكي من المناداة بالوقف الكامل لأعمال الاستيطان إلى المطالبة بالوقف الجزئي ومن ثم المطالبة بالتجميد المؤقت لمدة ثلاثة شهور، ولكن تلك المواقف الأمريكية المتتالية في هبوطها، انهارت أيضاً أمام السياسات العنجهية التي اشتقتها حكومة نتنياهو من خلال استمرارها في عمليات التهويد والاستيطان في منطقة القدس ومحيطها، وإصرارها على إدامة الحصار الظالم والجائر على القطاع غزة بالرغم من تواصل الدعوات الدولية لإنهاء هذا الحصار ([2]).

وفي تلك الأجواء والمناخات من الانهيار المريع لعملية التسوية وانسداد أفقها المرئي، كانت موضوعة "استحقاق أيلول" في واحدة من وجوهها خطوة بديلة أمام السخط الشعبي الفلسطيني المتنامي، وانسداد مسار المفاوضات المباشرة.

فالشعب الفلسطيني الذي خبر وصبر على خيار "المفاوضات ثم المفاوضات" أصبح الآن في موقع يتهيأ في المدى المنظور لإشعال انتفاضة فلسطينية ثالثة، خصوصاً مع استمرار عمليات الاستيطان ونهب الأرض، واستمرار الحصار المطبق على قطاع غزة، وهو أمر مازالت تتوقعه إلى الآن العديد من مصادر القرار الأمني والسياسي في "إسرائيل" التي تخشى من انطلاقة كفاحية فلسطينية جديدة.

لقد اصطدم خيار المفاوضات وحدها دون غيرها، بجبال التعنت والغطرسة "الإسرائيلية"، وألقى بأوزاره على عموم الحالة الفلسطينية، التي اندفعت للتفتيش عن خيار الذهاب للأمم المتحدة دون إسقاط الخيار الأساسي المتمثل بالمفاوضات ثم المفاوضات ([3]).

ومع هذا، فان تعاطي حكومة نتنياهو مع الجانب الرسمي الفلسطيني، كان ومازال يتم بصلف وتعال، حيث فرضت "إسرائيل" منطقها وسياستها على الأرض، وتساوقت معها الإدارة الأمريكية بالموقف ذاته، وزادت عليه بالقفز عن مطلب التوقيف المؤقت لعمليات التهويد مقابل العودة لطاولة المفاوضات، ثم ما لبثت هيلاري كلينتون وزيرة خارجيته أن استدركت بأنّ التجميد المؤقت لعمليات "الاستيطان" ليس شرطاً لاستئناف المفاوضات، بل حثّت الرئيس محمود عباس على الاعتراف بيهودية "دولة إسرائيل" كشرط لابد منه لإعادة إحياء المسار التفاوضي.

ومع ذلك، وبعيداً عن الجمود المسيطر على العملية السياسية، وتوقف مسار التفاوض الرسمي والمعلن، يمكن القول بأن سلسلة الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية وأخرها اعتراف عدد من دول القارة الأمريكية الجنوبية والوسطى مثل تشيلي، هندوراس، البرازيل، والأكوادور، وبوليفيا، والأورغواي، والبيرو، ودولة غويانا، وسانت فينست، والغرينادينز ... شجعت مصادر القرار الرسمي الفلسطيني على إطلاق الجهود باتجاه الذهاب للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ولكن، إن تلك الاعترافات التي جائت في المسار الايجابي، لم تكن لتقع بفضل العملية السياسية التسووية في المنطقة وعلى المسار التفاوضي الفلسطيني الرسمي مع دولة الاحتلال، بل آتت في سياقات النضال الوطني للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات بشكل عام، وفي سياقات الحراكات الدولية المتنامية على امتداد المعمورة والرافضة لسياسات الاحتلال "الإسرائيلي" ولسياسات التغطية الأمريكية المتواصلة على مشاريع الاستيطان والتهويد الجارية فوق عموم الأرض المحتلة عام 1967.

كما جاءت تلك الاعترافات، رداً مباشراً على سياسة العدوان والغطرسة الصهيونية في وقت تظاهرت فيه الولايات المتحدة بعجزها عن ممارسة الضغوط على حكومة الاحتلال لدفعها لوقف سياساتها داخل الأراضي الفلسطيني المحتلة خصوصاً بالنسبة لمواضيع التهويد والاستيطان.

وفي حقيقة الأمر، فان تلك الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية الموعودة، تمت عملياً بعيد إعلان الجزائر الصادر عن المجلس الوطني الفلسطيني بدورته الثامنة عشرة في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 1988 إبان الصعود الهائل لكفاح الشعب الفلسطيني في ظل الانتفاضة الكبرى الأولى التي هزت العالم بأسره ونقلت قضية فلسطين من موقع إلى موقع أكثر تقدماً وحضوراً على أجندة المجتمع الدولي باعتبارها قضية تحرر بامتياز لشعب تحت الاحتلال([4])،

وقد اعترفت غالبية دول العالم بـ (الإعلان الفلسطيني) الصادر في حينها عن أعمال المجلس الوطني والذي أعلنه الشهيد ياسر عرفات من منصة أعمال المجلس بعد أن كلف الراحل محمود درويش بصياغة نصه الكامل.

ومن بين تلك الدول التي اعترفت بإعلان المجلس الوطني الفلسطيني المشار إليه، كانت غالبية دول أمريكا اللاتينية بدءاً من كوبا ونيكاراغوا وانتهاءاً بتشيلي والأرجنتين ([5]).

ومن تلك الفترة، فان عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وبكيانه الموعود بلغ (107) دول، وقد أقامت مع منظمة التحرير الفلسطينية شكلاً من أشكال العلاقات الدبلوماسية، ومن بينها أكبر تسع دول في العالم من حيث عدد السكان ([6])، وهنالك (باستثناء الولايات المتحدة)، ثمانٍ دول يتوقع لها أن تعترف بدولة فلسطين القادمة وتصوت إلى جانبها في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن بين أكبر (20) دولة في العالم من حيث عدد السكان، يتوقع أن تعترف بدولة فلسطين القادمة (15) دولة منها (أي جميعُها باستثناء الولايات المتحدة، اليابان، المكسيك، ألمانيا وتايلاند)، وهو مايعني وبحساب بسيط، أن ما بين (80%) و (90%) من عموم البشرية، يعترفون بدولة فلسطين القادمة، بينما مازالت الولايات المتحدة تربط بين أي اعتراف (بدولة أو كيان فلسطيني قادم) انطلاقاً من عملية التسوية دون غيرها.

وعلى كل حال، إن تلك الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، وبحق الشعب بإقامة دولته المستقلة وبحقه في تقرير مصيره، لم تأت من فراغ، أو دون فعل وتأثير، ولم تأت بسبب من إعلان الجزائر للمجلس الوطني عام 1988، بل جاءت بتأثير مباشر من وقائع حالة النهوض الوطني الفلسطيني العارم في ظل صعود الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى التي دقت أبواب العالم بأسره، ونقلت القضية الفلسطينية من طور إلى طور أخر وقد تواصلت تلك الوقائع الكفاحية مع انطلاقة الانتفاضة الكبرى الثانية، التي شكّلت نقلة نوعية في مسار المشروع الوطني الفلسطيني.

لقد اعترفت أكثر من مائة دولة بإعلان الاستقلال الفلسطيني الصادر عن المجلس الوطني بدورته التاسعة عشرة التي عقدت بالجزائر نهاية العام 1988، إلا أن هذا الاعتراف وان ترافق مع افتتاح مقرات وسفارات فلسطينية أو ممثليات في تلك البلدان المعترفة بإعلان الجزائر، إلا أن الإعلان بقي عملياً دون تجسيد كامل وحي على الأرض الفلسطينية، ولم يترجم إلى حقيقة على ارض الواقع وذلك لغياب الرؤية والإستراتيجية الفلسطينية الموحدة في إدارة وتوجيه الصراع مع الاحتلال، ولقصور الاستثمار السياسي الحقيقي لفعل وتأثير الانتفاضة الأولى، حيث فضلت الأطر الرسمية الفلسطينية في حينها، اتخاذ خيارات جديدة أملتها عليها (على حد تقديراتها) التطورات التي وقعت بعد حرب الخليج الثانية وانهيار الحالة العربية وتفككها وصولاً إلى الذهاب العربي والفلسطيني المذل إلى مؤتمر مدريد وتحت الشروط الأمريكية وحتى "الإسرائيلية" بالنسبة للتمثيل الفلسطيني على الأقل ([7]).

فقد خلقت التطورات الإقليمية التي تتالت بعد الانهيار العربي المريع اثر احتلال الكويت نهاية العام 1989 ظروفاً ومعطيات جديدة انعكست على الحالة الفلسطينية بشكل عام، وقد أدت لحدوث انتكاسات أطاحت بالعديد من المكتسبات التي كان من الممكن جنيها من منتوج الانتفاضة الأولى. وقد أدى تلك الانهيارات في الحالة العربية إلى تدشين عهد جديد ترافق مع الاختلال في التوازن الدولي، وبالتالي الوصول إلى صيغة مؤتمر مدريد، وانطلاق عملية التسوية المختلة من أساسها نهاية العام 1991.

لقد قوبل إعلان الجزائر الفلسطيني عام 1988 في حينها بترحيب الجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية موصوفة تعدت مئة صوت ومن ثم قامت دول عدة بلغت مائة وسبع دول بالاعتراف بهذه الدولة الفلسطينية، وكان ممكناً فيما لو تم مراكمة الجهود الفلسطينية والعربية من توظيف هذا الاعتراف لجهة تثبيت الدولة الفلسطينية على الجزء المتوقع تحريره من الأرض الفلسطينية في سياق العملية الوطنية الفلسطينية، لأن معاهدة مونتيفيديو عام 1933 (كما يؤكد خبراء القانون الدولي) تؤكد أن اعتراف الدول بالدول الأخرى غير مشروط وغير قابل للتراجع، إلا أن عملية التسوية التي انطلقت من مدريد نهاية العام 1991 واتفاق أوسلو اللاحق أغفلا كل هذه الاعترافات ولم تشر حتى إلى الحق في تقرير المصير، وإنما تم أرجاء المواضيع الهامة كالحدود وقضية اللاجئين الفلسطينيين وغيرها، وقذف بها نحو المجهول.

الموقف الأمريكي : الفيتو بالانتظار

في هذه الأثناء، يتركز الجهد الأمريكي كما بات معروفاً، على جلب السلطة الفلسطينية في رام الله والطرف "الإسرائيلي" إلى طاولة التفاوض من جديد، باعتبارها الطريق الوحيد للوصول إلى تفاهم أو اتفاق بشأن الكيان الفلسطيني المرتقب، وليس عبر الأمم المتحدة ولا حتى عبر اللجنة الرباعية الدولية (الكفارتيت) التي لادور لها سوى الدور الإعلامي من حين لأخر ودور شاهد الزور.

فواشنطن لها أسبابها في مناهضة التوجه الفلسطيني إلى المنظمة الدولية، وهي لطالما عملت ومنذ سنوات طويلة، على جعل نفسها مرجعية لما يوصف بالعملية السياسية في المنطقة على كافة مساراتها، وكلمة السر هنا تتصل بالسعي لتمرير الرؤية المشتركة مع "إسرائيل" بالنسبة لخارطة الحل مع الفلسطينيين، وصياغة الظروف الملائمة لتمرير تلك الرؤية بعيداً حتى عن مرجعية قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة.

والجديد الآن في هذا المضمار، يدور عن مبادرة أمريكية تشكل إطاراً للمفاوضات المزمع عقدها أو استئنافها ولإعادة إحياء المفاوضات بين الفلسطينيين و "إسرائيل" للحؤول دون وصول الطلب الفلسطيني إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتشير بعض المعلومات أن المبادرة الأميركية تقوم على أساس قيام دولة فلسطينية في حدود 1967 مع تبادل أراضٍ متفق عليه، واعتراف الفلسطينيين بـ "إسرائيل دولة يهودية"، وتشير المعلومات أيضاً بأن "إسرائيل" قبلت المبادرة.

وفي هذا المقام، يبدو أن الإدارة الأمريكية تستمد كثيراً من الحماس لطرح المبادرة المشار إليها، من التصريحات الفلسطينية التي تشدد على أن المفاوضات هي خيارها الأساسي، وعلى أن التوجه إلى المنظمة الدولية، "ليس إستراتيجية فلسطينية جديدة، بل هو جزء من العملية السياسية التفاوضية".

إن الولايات المتحدة التي تقف وتستعد لمواجهة الموقف الفلسطيني حال تقدم الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بدولتهم المستقلة على حدود العام 1967، ترى أن الطريق الوحيدة لحل الصراع في المنطقة هو المفاوضات المباشرة بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية وتحت رعايتها وحدها دون غيرها، ودون إشراك للأخرين حتى للجنة الرباعية الرباعية الدولية (الكفارتيت)([8]).

كما ترى الولايات المتحدة بأن "أية محاولة لحرف السلطة الفلسطينية عن قناة المفاوضات المباشرة لا يدفع باتجاه التسوية السياسية، وإنما يعيقها، وربما يمنع الوصول إليها". وأن "الدولة الفلسطينية لن تقوم بواسطة التصريحات والعلاقات العامة مع كافة دول العالم، وإنما بواسطة الحوار المباشر والشجاع مع إسرائيل"، وان الدولة الفلسطينية "لن تقوم بواسطة التصريحات والعلاقات العامة مع كافة دول العالم، وإنما بواسطة الحوار المباشر والاعتراف بشروط الرباعية الدولية من قبل جميع الأطراف الفلسطينية"، وان الإدارة الأمريكية "سوف ترفض الاعتراف بأي دولة فلسطينية معلنة من جانب واحد، وستستخدم حق النقض، الفيتو، ضد أي قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإقامة أو الاعتراف بدولة فلسطينية خارج إطار المفاوضات" ([9]).

في هذا السياق، تشير المعلومات شبه المؤكدة بأن الولايات المتحدة ستستخدم على الأرجح حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن حال تقدّم الفلسطينيون بطلب إلى الأمم المتحدة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، فالطلب الفلسطيني سيتحوّل إلى الجمعية العامة (للأمم المتحدة) في دورها السادسة والستين والمقرر أن ترأسها دولة قطر، وسيحظى هناك بموافقة الأغلبية (أغلبية الثلثين) والمقدرة بـ (130) دولة من أصل (193) دولة عضو في الأمم المتحدة ([10]). لكن الموافقة النهائية تتطلب رفع الطلب من الجمعية العامة لمجلس الأمن للبت النهائي فيه في الدورة المقرر أن ترأسها لبنان.

أن الإدارة الأمريكية ومعها عدد من دول الاتحاد الأوربي، تعتبر أن الطريق الوحيد لحل الصراع في المنطقة هو المفاوضات المباشرة (وحدها ولاغيرها وتحت رعايتها) بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية وعلى قاعدة الاعتراف الفلسطيني والعربي المسبق بـ "الحق التاريخي لإسرائيل في الوجود" (لاحظوا عبارة : الاعتراف بالحق التاريخي لإسرائيل بالوجود وليس الاعتراف بإسرائيل) مضافاً لها الاشتراط الجديد المتمثل بالاعتراف بـ "يهودية إسرائيل" مع كل ما يحمله من أخطار على مستقبل الكفاح الفلسطيني وعلى وجود أبناء الشعب الفلسطيني الذين بقوا صامدين على أرض فلسطين بعد النكبة داخل حدود العام 1948.

وفي هذا الشأن، إن الجهود الأمريكية تسير باتجاه تخفيض عدد الدول التي يمكن لها أن توافق على المطلب الفلسطيني وهو ما أشار إليه الرئيس محمود عباس بقوله "نحن لدينا (130) دولة، ونحتاج في وقت لاحق أن ثلثي الأصوات وسنؤمنها، لكن ربما تمسكهم أميركا فرداً فرداً ليصبحوا فقط (22) دولة".

وقد أجاز الكونغرس الأمريكي مشروع القرار رقم (1765) بالتصويت في الخامس عشر من كانون الأول/يناير 2011. الذي قدمه النائب الأمريكي الديمقراطي من كاليفورنيا، هوارد بيرمان، الذي يصف نفسه بأنه صهيوني، بمعارضة أي إستراتيجية اعتراف بالدولة الفلسطينية عبر الأمم المتحدة، ويدعو في جانب منه الفلسطينيين إلى التوقف والكف عن مثل هذه الجهود، وأن يعودوا بدلاً من ذلك إلى المفاوضات. ويختتم القرار بدعوة الإدارة إلى "توكيد أن الولايات المتحدة سوف ترفض الاعتراف بأي دولة فلسطينية معلنة من جانب واحد، وتستخدم حق النقض، الفيتو، ضد أي قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإقامة أو الاعتراف بدولة فلسطينية خارج اتفاق بين الطرفين".

ونشير هنا، إلى تبنّى مجلس النواب الأمريكي بالتصويت بالإجماع، مسودة قرار صاغته لجنة العلاقات الأمريكية "الإسرائيلية" العامة (ايباك) يدعو الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى عدم الاعتراف بفلسطين، وإلى استخدام الفيتو ضد أي مسعى فلسطيني للحصول على عضوية الأمم المتحدة.

وعليه، فان الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، بانتظار الطلب الفلسطيني حال التصويت والموافقة عليه في الجمعية العامة للأمم المتحدة. فالجمعية العامة لا تستطيع قبول الدولة الفلسطينية كعضو كامل العضوية فيها دون موافقة مجلس الأمن، بالرغم من أن القرار رقم (377) الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 1950 المتعلِّق بالحرب الكورية، والمُسمّى "معاً من أجل السلام" ينصّ على إمكانية تجاوز قرارات مجلس الأمن "حين لا تدعم هذه القرارات السلام الدولي"، وبالرغم من سريان هذا القرار على القضية الفلسطينية قانوناً، إلاّ أنه من الناحية السياسية لا يمكن تطبيقه لعدة أسباب تقف وراءها سطوة حضور الولايات المتحدة داخل مجلس الأمن، إضافة لميوعة الموقف الأوربي وتردد كلاً من بريطانيا وفرنسا العضوين الدائمين في مجلس الأمن. ونشير في هذا الصدد إلى الواقعة التالية حين استعمل الاتحاد السوفييتي السابق حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن لإفشال قرار الحرب على كوريا الشمالية، فذهبت واشنطن إلى الجمعية العامة واستصدرت قراراً بضرب كوريا الشمالية وسمي PEACE FOR UNITED (الاتحاد من اجل السلام).

ميوعة الموقف الأوربي

إن الموقف الأوربي مازال غائماً وغير واضح المعالم تماماً بشأن ما بات يعرف بـ "استحقاق أيلول"، وهو ما يرجح احتمال تراجع السلطة الفلسطينية في رام الله عن تقديمها طلبها إياه، فضلاً عن أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر مجرد تصويت رمزي فقط، وليست له قوة القانون، وسيصطدم على الأرجح حال رفعه لمجلس الأمن من قبل الجمعية العامة بالفيتو الأمريكي، وربما يكون هناك فيتو بريطاني وأخر فرنسي بانتظاره.

إن الموقف الأوربي، مازال غائماً ومغمغماً، ويكتنفه الغموض بالنسبة للاقتراح الفلسطيني القاضي بالتوجه للأمم المتحدة وتقديم طلب الاعتراف الأممي بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967.

ومن الواضح بأن مرد الالتباس في الموقف الأوربي يعود أساساً لتأثيرات الموقف الأمريكي، حيث ترفض الولايات المتحدة التوجه الفلسطيني المذكور، منطلقة من أحقية العودة لطاولة المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، باعتبارها الطريق الأمثل نحو الوصول إلى مايسمى "حل الدولتين" الذي سبق وأن تبنته الإدارة الأمريكية (لفظياً) منذ عهد الرئيس الأسبق وليام بيل كلينتون، مضيفة إليه احتمال تبادل للأراضي عبر التفاوض.

ومع أن العديد من الإشارات الايجابية كانت قد أطلقت حتى الأيام الأخيرة وعلى لسان العديد من القادة الأوربيين بشأن المقترح الفلسطيني المتوقع تقديمه للمنظمة الدولية وإمكانية تصويت الدول الأوربية بالإيجاب عليه، إلا أن تلك التصريحات الايجابية لاتلبث أن تتلاشى وتذوب على الفور مع الموقف العملي لمختلف دول أوربا الغربية، وخصوصاً منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومعهما دول الاتحاد الأوربي الأساسية. وبالتالي فان الموقف الأوربي العملي مازال غير واضح المعالم، بل وتذهب كل المؤشرات للقول بأن دول الاتحاد الأوربي تفضل تريث الطرف الفلسطيني قبل تقديم طلبه للمنظمة الدولية بشأن ما بات يعرف اليوم بـ "استحقاق أيلول".

لقد سبق وحذر الاتحاد الأوروبي من عواقب ما اسماه "مأزق أيلول" إذا استمر الجمود في عملية السلام، معلناً أهمية تكثيف الجهود من أجل أن تتوصل اللجنة الرباعية الدولية إلى "صيغة مقبولة بالنسبة إلى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي" لإعادة استئناف المفاوضات في الأسابيع، لا أن تقوم السلطة الفلسطينية بالتوجه إلى الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين للجمعية العمومية والمتوقع التئامها في العشرين من أيلول/سبتمبر الجاري.

فدول الاتحاد الأوربي تفضل اتخاذ خيار العمل على توفير الظروف لإعادة إطلاق مفاوضات "السلام الإسرائيلية الفلسطينية" المباشرة، ساعية إلى تجنب التصويت في الأمم المتحدة، وهو ما أكدته دول الاتحاد في أخر اجتماع عقدته اللجنة الرباعية الدولية (الكفارتيت) المعنية بشأن عملية التسوية في المنطقة، معتبرة بأن الفرصة مازالت مفتوحة ومتاحة لإعادة إطلاق عملية التفاوض المباشرة، متناسية في الوقت نفسه موضوع الاستيطان، وقافزة عن مسألة حصار قطاع غزة.

في هذا السياق، فان سوء النزاهة تبدو واضحة في مواقف بعض الدول الأوربية التي يرى عدد منها أن مفهوم الهوية اليهودية "لدولة إسرائيل" يفترض به أن يكون حاضراً على الطاولة وهو ذات الموقف الأمريكي الذي باتت تستخدمه واشنطن في حملاتها السياسية على السلطة الفلسطينية وعموم الفلسطينيين بالطلب منهم الإقرار بما يسمى "يهودية إسرائيل" قبل أي خطوة قادمة، وهو طلب يحمل في طياته مخاطر واسعة من أهمها إدارة الظهر لأكثر من ربع سكان "إسرائيل" من المواطنين العرب الفلسطينيين أبناء الوطن الأصليين الذين بقوا وصمدوا داخل فلسطين المحتلة بعد نكبة العام 1948.

وبالواقع العملي، إن الموقف الأوربي بات يقصم الظهر بالنسبة للمشروع الفلسطيني بشأن "استحقاق أيلول"، حيث يمكن لدول غرب أوربا تحديداً أن تسهم بشكل مؤثر بتعطيل الجهد الفلسطيني والعربي في المنظمة الدولية، وأن تزيد من مفعول الفيتو الأمريكي المتوقع في مجلس الأمن حال رفع الطلب من الجمعية العامة لمجلس الأمن بعد موافقة ثلثي دول العالم وهو أمر محقق على الأرجح بواقع موافقة (140) دولة من دول العالم من اصل (193) على الطلب الفلسطيني في الجمعية العامة في اجتماعها القادم للدورة السادسة والستين قبل نهاية الشهر الجاري.

ومما لاشك فيه بأن (الفيتو) الأمريكي في مجلس الأمن قادر لوحده على تعطيل الطلب الفلسطيني، إلا أن الإسهام الأوربي بدعم هذا (الفيتو) الأمريكي، يكسبه المزيد من التعزيز الدولي والشرعية في المجتمع الأممي، في مواجهة الموقفين العربي والفلسطيني، ويعزز في الوقت نفسه من موقف دولة "إسرائيل" التي ترى بان "استحقاق أيلول" معركة سياسية تستهدفها وتستهدف وجودها أساساً، وان الطرف الفلسطيني يهدف من وراءه لفتح معركة سياسية ودبلوماسية تستهدفها.

في هذا الوقت، وعلى النقيض من المواقف الأوربية الرسمية المتوقعة، وبغض النظر عن بعض التصريحات الايجابية لبعض القادة الأوربيين، فان المناخ العام في الأوساط الأوربية العامة والشعبية منها على وجه الخصوص، تشهد موقفاً جيداً بالنسبة للموقف الفلسطيني، فقد دلت المعطيات الأخيرة المنشورة بأن أغلبية كبيرة من المواطنين الأوروبيين تؤيد قيام الاتحاد الأوروبي بدعم المساعي الفلسطينية في الأمم المتحدة. وبالتأكيد فان هذا المناخ العام في أوربا ماكان ليأتي لولا الجهود الكبيرة التي بذلت من قبل أنصار القضية الفلسطينية ومن قبل المؤسسات والهيئات والجمعيات العربية والإسلامية الناشطة في عموم دول القارة الأوربية، والتي ساهمت بشكل كبير بتسيير أساطيل سفن الحرية باتجاه شواطىء قطاع غزة، وفي إطلاق الصيحة العالمية للانتباه على مايجري من حصار جائر وظالم للشعب الفلسطيني.

وحسب النتائج الأخيرة المنشورة يوم الخامس من أيلول/سبتمبر الجاري على موقع "يوروبرس" الذي استطلع آراء (452) مواطناً، فإن (75%) من العينة أجابت بنعم على سؤال "وجوب دعم الاتحاد الأوروبي طلب فلسطين الحصول على اعتراف الأمم المتحدة" في حين عارض ذلك (22%)، بينما قال (3%) إنهم غير متأكدين من خياراتهم.ويذكر أن مركز "يوروبرس" وبالتنسيق مع مؤسسات إعلامية أخرى تابعة للاتحاد الأوروبي، يتولى إصدار نشرة يومية بعشر لغات أوروبية وتضم أهم القضايا المنشورة في صحف رئيسية تصدر في دول الاتحاد.

وبالنتيجة، إن الموقف الأوربي الرجراج والغائم، ينتظر جهوداً عربية وفلسطينية مع جميع الأصدقاء والحلفاء في العالم ومع الدول الكبرى ذات المواقف المتوازنة كروسيا والصين واليابان والهند وجنوب افريقيا والبرازيل من أجل تحقيق المزيد في انفراج ووضوح الموقف الأوربي، وفي العمل على التقليل من مدايات انزياحه لوجهة النظر الأمريكية بشأن قضايا السلام والمفاوضات والتسوية في المنطقة.

الموقف "الإسرائيلي"

من الطبيعي القول بأن "إسرائيل" لاتريد إشراك أي طرف دولي مؤثر في المسار السياسي لعملية التسوية في المنطقة، وتتوافق تماماً في هذا المسعى مع الطرف الأمريكي من خلال حصر العملية برمتها تحت الرعاية الأمريكية دون غيرها، وبالتالي الاستفراد بالطرف الفلسطيني ووضعه تحت مطرقة الضغط الإسرائيلي اليومي في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وعلى أرضية السندان الأمريكي.

لكن بالمقابل، إن القلق "الإسرائيلي" يزداد مع كل اعتراف جديد بالدولة الفلسطينية (الموعودة)، ويشكل ضربة للسياسة الخارجية "الإسرائيلية" التي كانت ترى في دول أمريكا اللاتينية على سبيل المثال، مركزاً مهما لحضورها وتأثيرها السياسي والتجاري هناك، خصوصاً في ترويج صناعاتها العسكرية حين كانت دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا (ومازال بعضها) سوقاً هاماً لتسويق المنتوجات العسكرية "الإسرائيلية"، ولمنتوجات وصناعات (الهاي تك) ([11]).

كما يتزايد القلق "الإسرائيلي" من مسألة "استحقاق أيلول" مع الأجواء والمناخات التي ولدّتها المتغيرات والحراكات العربية خصوصاً في مصر، وبسبب ما يبدو من الإصرار الرسمي الفلسطيني على الذهاب إلى الأمم المتحدة، مدعوماً بتوافق عربي كانت قد أطلقته لجنة المتابعة العربية قبل شهرين أثناء اجتماعها في الدوحة.

إن القلق "الإسرائيلي" من الاعترافات الدولية بحق الشعب الفلسطيني وبدولته الفلسطينية القادمة، قلق موجود وفعلي، ويعبر في طياته عن (قلق الوجود التاريخي) الذي صاحب ومازال يصاحب هذا الكيان العبري الذي نشأ نشأة طافرة ككيان مصطنع على حساب الوجود الوطني والقومي للشعب الفلسطيني.

ولكن من الضروري بمكان عدم التطاير والمبالغة الفلسطينية بالقلق "الإسرائيلي". فـ "إسرائيل" تحظى بمظلة دعم وإسناد أمريكية هائلة، تحيطها من كل جانب، وتحميها من تأثيرات الفعل الدولي المناهض أو الناقد لها، وذلك بالرغم من وجود بعض الخلافات السياسية التي تبدو أحياناً بينها وبين الولايات المتحدة، وهي خلافات تبقى على السطح السياسي في كل الحالات ولا تمس صميم العلاقات الإستراتيجية بينهما.

ويلحظ في هذا السياق وجود بعض الاتجاهات في صفوف الانتلجنسيا "الإسرائيلية" تنتقد موقف نتنياهو وحكومته بشأن التعطيل الذي حصل في مسار المفاوضات المباشرة مع الطرف الرسمي الفلسطيني، معتبرة بأن الاعترافات المتوقعة بالدولة الفلسطينية دليل على الأخطاء الإستراتيجية في السياسة "الإسرائيلية" التي وضعت "العالم كله ضدنا" (أي ضد إسرائيل) حيث بات الفلسطينيون يتمتعون بتأييد شبه توافقي([12]).

وعليه، فان العديد من الشخصيات "إسرائيلية" السياسية والعسكرية وحتى الأمنية وفي عموم قطاعات الانتلجنسيا "الإسرائيلية" طالبت ومنذ أشهر، حكومة نتنياهو بإطلاق مبادرة سياسية تؤدي إلى إحباط توجه الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة، من خلال القبول بوقف الاستيطان والعودة إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي في استمرار التنسيق الأمني، وحماية معاهدة كامب ديفيد ووادي عربة، وإضعاف موقف "أعداء إسرائيل".

بينما يعتقد أخرون من أقطاب اليمين الصهيوني بشقيه التوراتي والقومي العقائدي بأن التصويت على الاعتراف بدولة فلسطين في الجــمعية العامة للأمم المتحدة، لا يغير أي وضع قائم. وهو بمثابة إعلان حرب على "إسرائيل" ومن هنا فهم يدعون لإلغاء اتفاقيات أوسلو من طرف واحد، ورفض أي عملية تسوية قد تؤدي إلى السيطرة الفلسطينية ولو المحدودة على وادي الأردن، وتجريد الكيان الفلسطيني القادم عبر أي حل من السلاح، واستبعاد القدس الشرقية، والطلب من الطرف الفلسطيني الاعتراف بـ "إسرائيل دولة يهودية" ([13]).

وقد عرض بعض الوزراء "الإسرائيليين" من أحزاب اليمين اتخاذ عدة إجراءات ضد الفلسطينيين في إطار الضغط ومواجهة مسعى الأخيرة المرتقب بالتوجه للأمم المتحدة، والتراجع عنه. حيث طرح الوزراء عدة اقتراحات من ضمنها تفعيل عقوبات ضد السلطة منها اقتراح وزير المالية (يوفال شطاينتس) وقف تحويل أموال الجمارك التي يجبيها الكيان "الإسرائيلي" للسلطة، علما أن السلطة تواجه أزمة سيولة خطيرة، وتجد صعوبة في دفع رواتب عشرات آلاف الموظفين والعاملين في عموم أجهزة السلطة الفلسطينية، مع الإشارة إلى أن أموال الجمارك تستخدم لدفع جزء كبير من الرواتب ([14]).

وبالنتيجة، هناك قلق فعلي داخل "إسرائيل" من تصاعد العملية الدبلوماسية السياسية والتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وهو قلق تسارع أكثر فأكثر مع القبول الدولي المريح لإمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لكن "إسرائيل" بالمقابل تبذل كل ما بوسعها لإحباط تطلعات الفلسطينيين إلى تقرير المصير، حيث أطلقت العنان لدبلوماسييها لكي يعرقلوا الجهود الفلسطينية الرامية للحصول على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وفي الوقت ذاته، لا تسهم الولايات المتحدة ومعظم قوى غرب أوربا بأي شيء ذي معنى في هذا النقاش، باستثناء دعم عملي لمجهود التعطيل "الإسرائيلي"، وبالتالي فان "إسرائيل" لايمكن أن تخضع أو تلوي عنقها مادام الموقف الأمريكي متأهباً وبالمرصاد للالتفاف على المشروع الفلسطيني بالتوجه للأمم المتحدة، والإجهاز عليه عبر الفيتو المنتظر، ومادامت الأمور على الأرض ممسوكة بيد الاحتلال لجهة إمكانية توليد تأثيرات وضغوط كبيرة على الفلسطينيين في الأرض المحتلة عام 1967 خصوصاً منها في جانبها الاقتصادي، فضلاً عن الاستمرار في إطباق الحصار الظالم والجائر على قطاع غزة.

الاعترافات الدولية وقوس الخيارات الممكنة

إن الاعترافات الدولية المتتالية الآن بالدولة الفلسطينية المفترضة، خطوات جيدة، ومؤثرة، ولها دلالاتها القطعية، لكنها تفترض بالفلسطينيين المراكمة عليها في خطوات لاحقة ولاحقة من أجل تحويل هذا الاعتراف إلى واقع ملموس عبر انجاز بناء الكيان الوطني الفلسطيني وتجسيده التام على ارض فلسطين بدولة حرة مستقلة للشعب الفلسطيني، وهو مايتطلب مراجعة نقدية جادة وملموسة، وبناء سياسات فلسطينية جديدة ومغايرة لما تم اشتقاقه خلال السنوات الماضية.

إن تلك الخطوات المتخذة من أنصار وأصدقاء الشعب الفلسطيني في المنظومات الدولية المختلفة بصدد الاعتراف بالوليد الفلسطيني القادم، وعلى أهميتها، يفترض بها أن لاتدفع الإطارات القيادية الفلسطينية الرسمية للاسترخاء والانتعاش والنشوة المبالغ بها، وكأن الدولة الفلسطينية باتت أمراً واقعاً، وأمراً مجسداً بشكل تام فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.

فالاعترافات الدولية وعلى أهميتها تبقى محدودة الفعل والتأثير مالم يترافق معها حركة دبلوماسية وسياسية وإعلامية فلسطينية نشطة، تنتقل بالعمل الفلسطيني من مرحلة اللهاث وراء نهج المفاوضات وحدها دون غيرها، إلى آفاق أرحب، يتم من خلالها تثمير كل عوامل وأوراق القوة باليد الفلسطينية وفتح قوس الخيارات على أوسع مداه، وأولى تلك الأوراق ضرورة انجاز وحدة الشعب والبيت والصف الفلسطيني بعد سنوات من الانقسام المدمر، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يفترض بها أن تشكل الإطار التمثيلي والكياني الموحد لعموم الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وعلى قاعدة إشراك وحضور الجميع من القوى السياسية والكفاحية الموجودة على الأرض في إطاراتها ومؤسساتها وتركيبتها القيادية، خصوصاً حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وعلى أساس برنامج الإجماع الوطني التوافقي بين الجميع.

إن الاعترافات الدولية المتتالية بالدولة الفلسطينية تظهر في جانب هام منها، أن بإمكان الفلسطينيين القيام باشتقاق خيارات كفاحية متعددة تتجاوز الطريق الأمريكي الوحيد الاتجاه، وهي اشتقاقات ممكنة، كبديل عن خيار التفاوض (وحده دون غيره أو بالترافق معه) في ظل اختلال عملية التسوية بشكل صارخ، وغياب الراعي النزيهة لها. ولكن اشتقاق تلك الخيارات مسألة غير ممكنة مادام التمزق الداخلي يضرب أطنابه في الساحة الفلسطينية، ومادامت المراهنة متواصلة على الخيار الوحيد المتمثل بالخيار التفاوضي اليتيم، مع إهمال باقي الخيارات.

إن المقاومة بكافة أشكالها الممكنة، وباقي الخيارات تشكل الوسيلة الأنجع لتحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، مع تجنب طرح خيارات لا تخدم المشروع الوطني الفلسطيني كالخيار اليتيم المتمثل الذهاب إلى الأمم المتحدة وإحالة القضية الفلسطينية إليها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

فالاعترافات الدولية بدولة فلسطين قد يكون لها جدوى "إذا استثمرت في سياق خطة فلسطينية خالصة بعيدة عن الخيارات الوحيدة ممثلة بالمفاوضات دون غيرها حتى ولو بالترافق معها". ومن هنا فان هذه الاعترافات يجب أن تترافق بإعلان من القيادة الفلسطينية بفشل المفاوضات مع "إسرائيل" وهو مايستوجب القيام بإجراء الوقفة النقدية الجادة واتخاذ خطوات نوعية والالتفات إلى إعادة بناء البيت الفلسطيني الداخلي. فاستمرار استمرار المفاوضات مع الدولة العبرية في ظل هذه الاعترافات بالدولة الفلسطينية سيكون غطاء تستخدمه إسرائيل للمماطلة. ومن هنا، أهمية استغلال هذا الجهد العالمي ليكون حقيقة ورافعة من روافع الإسناد للكفاح الوطني الفلسطيني، وليس لصالح المفاوضات بصيغتها التي تريدها الدولة العبرية والولايات المتحدة وبعض الأطراف الإقليمية.

وعلى كل حال، إن الاعترافات المتلاحقة بدولة فلسطين تأتي رغم التعنت الإسرائيلي والتواطؤ الأمريكي، وتحمل في هذه الظروف معاني هامة تؤكد تزايد الدعم والتأييد الدولي لحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. كما تؤكد بأن للفلسطينيين قوساً واسعاً من الأصدقاء والأنصار على امتداد المعمورة مهما اختلت المعادلات والتوازنات الإقليمية والدولية بهذا الاتجاه أو ذاك.

ومع ذلك، إن من الضروري عدم المبالغة في تلك الاعترافات وماستعطيه للقضية الفلسطينية على أهميتها، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية أمراً إيجابياً غير أنه يفترض العمل الفلسطيني وفق إستراتيجية شاملة تشمل تعزيز الصمود والمقاومة وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، وألا تكون تلك الاعترافات بديلاً عن باقي الوسائل الكفاحية المفترضة.

إن تلك الاعترافات على أهميتها، غير قادرة عملياً لوحدها على إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي" وإحقاق الحقوق الفلسطينية، ولن تغير كثيراً، حال لم ترافقها لم ترافقها خطوات جدية على الأرض، ويبرز في هذا المجال أهمية الدور العربي، حيث من السذاجة الاعتقاد بأن العالم سيدعم قضية فلسطين بجدية إذا لم يكن هناك موقف عربي حازم يتجاوز المواقف الرسمية الراهنة للنظام الرسمي العربي، وحالة الركود السياسي التي يعيشها في التعاطي مع العملية السياسية وتحولاتها اليومية على ارض الصراع في فلسطين.

إن الدعم والإسناد العربي يفترض به أن يشكل العنصر الأبرز في إنجاح الخيارات والبدائل الوطنية الفلسطينية المطلوبة، في سياق السعي الوطني الفلسطيني لترجمة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية إلى حقيقة راسخة على الأرض بقيام الدولة الفلسطينية قولاً وعملاً.

إن ظروف استحضار الدور العربي المطلوب مازالت صعبة وغير مهيأة لعدة أسباب في وقت واحد، يقف على رأسها السبب الهام المتمثل بغياب الموقف العربي الموحد الذي يفترض به أن يستند لرؤية وإستراتيجية عربية موحدة بشأن العملية السياسية في المنطقة. فالموقف العربي الموحد بقي ومازال ضعيفاً، راوح ويراوح عند حدود ضيقة وضعيفة عنوانها مبادرة السلام العربية التي أطلقت من قمة بيروت العربية قبل ثماني سنوات. ومع هذا فان تلك الرؤية العربية المتواضعة أجهضت في مهدها من قبل الاحتلال الذي رفضها على الفور، فيما عملت الإدارة الأمريكية على تمييعها. وللأسف فان الحالة العربية لم تقدم البدائل للمبادرة (اليتيمة) التي مازالت تشكل العنوان السياسي العربي للمجتمع الدولي بشأن العملية السياسية في المنطقة.

إن تلك المبادرة العربية التي انطلقت من قمة بيروت العربية ربيع العام 2002، لم تكن تحمل رؤية إستراتيجية، ولم تكن رؤية برنامجية، بمقدار ماكانت عملية عربية اعتراضية محدودة لا أكثر ولا أقل. لذلك انهارت عملياً منذ ولادتها، وأصبحت نسياً منسياً بالرغم من التأكيد عليها في القمم العربية التي تلت قمة بيروت 2002.

ومن هنا، فان سلسلة الاعترافات الدولية بحق الشعب الفلسطيني وبدولته المستقلة، ايجابية وممتازة، ورائعة، وانجاز هام، لكنها تتطلب الآن إعادة بناء إستراتيجية فلسطينية جديدة متوافقة مع رؤية عربية جديدة، تتجاوز الحالة الهابطة في الوضع الرسمي العربي على مستوياته كافة.

إن الشعب الفلسطيني، يريد وينشد البدائل التي تفتح الطريق أمام تجسيد عملي وقانوني للدولة الفلسطينية على أرض الواقع وعودة اللاجئين، عبر انتزاع تلك الحقوق من يد الاحتلال بالمقاومة والنضال المتعدد الأشكال وليس عبر مفاوضات غرف المفاوضات المغلقة التي تتم تحت إدارة ورعاية الموقف الأمريكي المنحاز، الذي يتقاطع مع الموقف"الإسرائيلي" بالنسبة لمستقبل الحل والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.

المخاطر على المنظمة وحق اللاجئين

في هذا السياق، إن العديد من الملاحظات النقدية، والمخاوف ذات المضمون الجوهري تلحظ الآن بصدد الإقدام الرسمي الفلسطيني على طرق أبواب الجمعية العامة للأمم المتحدة سعياً وراء الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد أثارت تلك الملاحظات الكثير من الجدل القانوني والسياسي في الأوساط الفلسطينية. ويأتي في مقدمة تلك الملاحظات والمخاوف عنوانين رئيسيين : أولهما مسألة منظمة التحرير الفلسطينية. وثانيهما قضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وما يتعلق بفلسطيني الداخل المحتل عام 1948.

ففي مسألة منظمة التحرير الفلسطينية وهي العضو المراقب في الأمم المتحدة منذ العام 1974، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، يتوقع أن يفضي الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلى إنهاء العضوية المراقبة للمنظمة، وتكريس السلطة الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وبالتالي تأتي المخاوف من شطب الشتات الفلسطيني، وفقدان الجهة التمثيلية الجامعة ([15]).

وقد جائت في هذا السياق "الوثيقة القانونية" التي صاغها البروفيسور (جاي جودوين جيل) الأستاذ في القانون الدولي، لتكشف عن المخاطر الكبيرة التي تشكلها مبادرة الأمم المتحدة في حال تضمنت نقل تمثيل الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة من منظمة التحرير الفلسطينية إلى دولة فلسطين، حيث إن هذا سيلغي الوضعية القانونية التي تتمتع بها منظمة التحرير في الأمم المتحدة منذ عام 1975 "والمعترف بها دولياً منذ عام 1974" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ([16]).

وقد تضمنت الوثيقة التي أعدها البروفسور (جيل) تحذيراً واضحاً مما تصفه بمخاطر جمة، تشكلها مبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، على الحقوق الفلسطينية. خصوصاً حق تقرير المصير، وعودة اللاجئين، وشرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

وقد ردت جهات رسمية من السلطة الفلسطينية في رام الله على تلك الدراسة بقولها بأنها لا أساس لها من الصحة، فالدراسة تبني استنتاجاتها على الافتراض الخاطئ بأن السلطة الفلسطينية هي التي ستتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف بها كدولة، الأمر الذي سيؤثر على حقوق فلسطينيي الشتات في التمثيل وفي تقرير المصير والدولة، وهذا الافتراض لا أساس له، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي سوف تتوجه إلى الأمم المتحدة بطلب الاعتراف والعضوية لدولة فلسطين التي أعلنت في عام 1988 بقرار من المجلس الوطني الفلسطيني والتي وثيقتها الدستورية، المتمثلة بإعلان الاستقلال تنص على كونها "دولة الفلسطينيين أينما كانوا، وبالتالي فإن توسيع نطاق الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ليشمل الأمم المتحدة سوف يعزز المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير وليس العكس.

وأضاف رد اللجنة التنفيذية على تلك التقديرات بقولها "لقد قادت منظمة التحرير الفلسطينية منذ إنشائها نضال شعبنا نحو التحرر والاستقلال على قاعدة الإيمان بالحقوق والثوابت، وعلى قاعدة الشرعية الدولية. وقد زادت المخاطر التي مرت بها قضيتنا الوطنية من التفاف شعبنا حول منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب المناضل والمقدام والمتمسك بالثوابت والحقوق، ومازالت حامية الحقوق الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، بما فيها حق العودة والاستقلال". وأن "عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة ستعزز من قدرة منظمة التحرير الفلسطينية في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة ولن تؤثر على دور ومكانة والصفة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ([17]).

وقد أسهم البروفسور (فرانسيس بويل) أستاذ في القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة الينوي في تقديم اجتهاد أخر، اعتبر فيه أن وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطينية والتي تم تبنيها بدورة المجلس الوطني التاسعة عشر في الجزائر عام 1988 تضمنت تحويل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، وأن إعلان الاستقلال نص على أن الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم يصبحون بشكل تلقائي مواطنين في دولة فلسطين. وبالتالي فحسب (فرانسيس بويل) فان منظمة التحرير الفلسطينية لن تخسر مكانتها ([18]).

أما في المسألة المتعلقة بحق العودة وفلسطينيي الشتات الذين يشكلون أكثر من (65%) من أبناء الشعب الفلسطيني، فان الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 يبرز مخاوف تتبدى عبر تجاهل الشتات الفلسطيني وحقه في العودة إلى أرض وطنه التاريخي عملاً حتى بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وستؤثر هذه الخطوة سلباً على تمثيل حق تقرير المصير، لأنه حق تقرير المصير، حق يخص كل الفلسطينيين سواء تواجدوا في داخل فلسطين أو خارجها، ويؤكد الرأي القانوني بأن هذا التغيير في الوضع التمثيلي سيهدد بشكل كبير حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم وأملاكهم التي هجروا منها قسراً.

وقد ردت أيضا اللجنة التنفيذية للمنظمة على تلك التقديرات بقولها أن الخطوة المتعلقة باستحقاق أيلول لا تمس بالمكانة القانونية وحقوق وتمثيل اللاجئين الفلسطينيين بما في ذلك حقهم في العودة والحصول على تعويض عادل على أساس قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11كانون الأول 1948. وهذا ما تصونه التشريعات الدولية والإقليمية والوطنية بما فيها مقررات المجلس الوطني الفلسطيني ووثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني، وإعلان المجلس الوطني الفلسطيني عن تشكيل الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين والذي تم تبنيها في المجلس الوطني في دورته التاسعة عشرة في 15 نوفمبر 1988 والتي تفيد بأن تتولى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مهمة الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين ([19]).

تحفظات وتباينات

إلى ذلك يمكننا القول أن قيام دولة فلسطينية ونيل الاعتراف الدولي الحقيقي بها يبنى على الجهد والنضال الفلسطيني أكثر من بنائه على وعود أمريكية وأوروبية أو غيرها. فاستحقاق أيلول" المنتظر، والذي طالما بات الشغل الشاغل خلال الأشهر الماضية الأخيرة، قد يحمل في طياته مكسباً صافياً فلسطينياً سيكون حال نجاحه سياسي، ومعنوي ورمزي، ونوع من الاستفتاء الدولي حول الموقف من الحق الفلسطيني، ولكن هذا المكسب معرض للتبديد حال استثماره باتجاه تحسين شروط التفاوض فقط ([20]) .

فالذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية اعتماداً على الوعود أو الالتزامات من قبل بعض المنظومات الدولية سيكون مراهنة غير مضمونة النتائج فهذه الوعود لا يمكن الركون إليها، وقد جرب الشعب الفلسطيني وعوداً أكثر وضوحاً وكانت موثقة ومكتوبة ومع ذلك لم يتم الالتزام بها، ومنها الوعود التي حملتها اتفاقات أوسلو المجحفة ذاتها، فاستحقاق أيلول، لا يؤسَس عملياً أية التزامات أو وعود دولية واضحة ومحددة ولا يؤسس على متغيرات حقيقية على الأرض تجعل هذا الاستحقاق مؤكد الحدوث بقدر ما يؤسس على إرادة رغبوية، وبقدر ما هو ورقة ضغط لتحسين موقف المفاوض الفلسطيني ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خيار التسوية وما ارتبط بها.

ومع ذلك، إن تسجيل الملاحظات على مسألة الذهاب إلى الأمم المتحدة، لا يعني التقليل من أهمية استثمار الجهد السياسي في المعركة الدبلوماسية مع الاحتلال والإدارة الأمريكية، وأهمية الاشتغال على الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة، بل يجب استثمار ما أُنجِز دولياً في السابق وإن كان متواضعاً.

ومن جانب أخر، إن الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية المنتظرة التوجه إلى الأمم المتحدة، لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هو خطوة سياسية ينبغي أن توضع في إطار الضغط لنيل الحقوق الفلسطينية، ولكنها ينبغي ألاّ تكون معوقاً لترتيب البيت الفلسطيني، بما في ذلك إعادة بناء وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية.

إن مشروع الذهاب إلى الأمم المتحدة بقصد طلب عضوية فلسطين الكاملة في الأسرة الدولية، أمر جيد ومستحسن بشكل عام، لكن هذا الأمر كان من المفترض أن تتهيأ له الظروف والمقدمات لإنجاحه والفوز به، والخروج بنتائج طيبة، ومن بين تلك الظروف كانت أهمية إقرار التوافق الوطني الفلسطيني على هذا الأمر بمشاركة كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، وعدم الاقتصار بتقرير هذا الأمر بين فصائل المنظمة المتواجدة في رام الله دون غيرها، والبناء عليه من أجل فتح قوس الخيارات الفلسطينية بشكله الواسع ومغادرة المربع الصفري اليتيم القائم على المفاوضات ثم المفاوضات لاغيرها ([21]).

استخلاصات أخيرة

إن طلب السلطة في رام الله كان مقرراً له أن يتم التقدم به إلى الأمين العام للأمم المتحدة في النصف الثاني من شهر يوليو/تموز المنصرم، ثم عدل عن ذلك، وقال صائب عريقات بأن الطلب سيقدم مطلع شهر آب/أغسطس، فيما أعلن بعد ذلك أنه لا يوجد موعد محدد للتقدم بطلب العضوية، فعاد رياض المالكي ليعلن أن تقديم الطلب سيتم في أيلول/سبتمبر 2011 حيث مازال الوضع حتى كتابة هذه السطور في السابع من أيلول/سبتمبر على حاله.

إن التردد في موعد تقديم الطلب يعود في جانب منه إلى أن السلطة الفلسطينية في رام الله، وعلى ضوء اتصالاتها الدولية خصوصاً مع الجانب الأمريكي، تعيش حالة من الحذر وعدم اليقين بخصوص إمكانية نجاح جهدها المطروح بهذا الاتجاه، فعملت على المناورة لتثمير الاقتراح المعلن من قبلها في سياق المحاولة للعودة إلى طاولة المفاوضات من باب جديد وبوضع مختلف عما كان سائداً في الفترة التي سبقت إيقاف عملية التفاوض المباشرة اثر الاصطدام المتتالي للعملية السياسية بسياسات الاستيطان ورفض حكومة نتنياهو حتى للتجميد المؤقت لعمليات التهويد.

ومع هذا، فهناك معلومات شبه مؤكدة تميل للقول بأن السلطة الفلسطينية في رام الله قد تسعى إلى تأجيل موعد تقديمها الحصول على العضوية للأمم المتحدة، خوفاً من عدم قدرتها على تحمل تبعات أي قرار أميركي بقطع المعونات المالية وتعرضها لحصار مالي جديد قد يعيق استمرار عمل الحكومة الفلسطينية في رام الله.

إضافة لذلك، فان الموقف الأوربي مازال غائماً وغير واضح المعالم تماماً، بالرغم من معسول الكلام الذي يطلقه البعض من الوزراء والمسؤولين الأوربيين حين التعليق على المسعى الفلسطيني باتجاه الأمم المتحدة، وهو ما يرجح احتمال تراجع السلطة الفلسطينية في رام الله عن تقديمها طلبها إياه.

إن خطوة تقديم طلب عضوية فلسطين إلى الأمم المتحدة، هو جهد سياسي هام ولايمكن التقليل من شأنه أو تقزيمه بالرغم من كل الانتقادات التي قد تقال بهذا الشأن ومنها أن الذهاب الفلسطيني كان من المفترض أن يتم بتوافق وطني فلسطيني تام، وبعد انجاز خطوات هامة على صعيد تطبيق اتفاق المصالحة. إن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مسألة قبول دولة فلسطين في عضويتها، يعتبر مجرد تصويت رمزي فقط لكنه يحمل بعداً سياسياً هاماً، وليست له قوة القانون، وسيصطدم على الأرجح حال رفعه لمجلس الأمن من قبل الجمعية العامة بالفيتو الأمريكي، وقد يكون هناك فيتو بريطاني وأخر فرنسي بانتظاره.

فالذهاب إلى الأمم المتحدة، كان يمكن أن يكون أكثر فعالية حال تم التوافق عليه بين الجميع داخل الساحة الفلسطينية، وحال تم انجاز خطوات ملموسة للمصالحة الفلسطينية على الأرض بعد أكثر من شهرين على توقيعها في القاهرة.

ومع أهمية هذا العمل من الجانب السياسي والدبلوماسي ومع الملاحظات المختلفة كما أسلفنا القول، إلا أن استحقاق أيلول القادم، لا يؤسَس عملياً أية التزامات أو وعود دولية واضحة ومحددة ولا يؤسس على متغيرات حقيقية على الأرض تجعل هذا الاستحقاق مؤكد الحدوث بقدر ما يؤسس على إرادة رغبوية، وبقدر ما هو ورقة ضغط لتحسين موقف المفاوض الفلسطيني ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من خيار التسوية وما ارتبط بها .

إن الذهاب إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لانتزاع اعتراف بدولة فلسطينية اعتماداً على الوعود أو الالتزامات من قبل بعض المنظومات الدولية سيكون مراهنة غير مضمونة النتائج فهذه الوعود لا يمكن الركون إليها، وقد جرب الشعب الفلسطيني وعوداً أكثر وضوحاً وكانت موثقة ومكتوبة ومع ذلك لم يتم الالتزام بها، ومنها الوعود التي حملتها اتفاقات أوسلو المجحفة ذاتها.

ومع ذلك، إن هذا الحراك والتفاؤل باعتراف الأمم المتحدة وقبول فلسطين لعضويتها الكاملة هام وايجابي، بل ويجب استثمار ما أُنجِز دوليا من اعترافات كان من بينها اعترافات دول القارة الأمريكية الجنوبية ودول أمريكا اللاتينية، وهو أمر يقتضي تمتين الجبهة الداخلية واستكمال عملية المصالحة وإعادة بناء البرنامج التوافقي الوطني الفلسطيني بين الجميع ليصبح الخطاب الفلسطيني موحداً أمام العالم وأمام الجمعية العامة.

أخيراً، إن مرحلة مابعد "استحقاق أيلول" سواء تم تقديم الطلب الفلسطيني للأمم المتحدة أو تم الإحجام عنه، تتطلب إنتاج البدائل الوطنية القائمة على أساس التوافق الوطني، التي تشكّل ضرورة كبرى في إطار العمل المطلوب من أجل تحشيد أوراق القوة الفلسطينية، ووقف عملية بعثرتها، وبالتالي في السير باتجاه انجاز كامل ملفات اتفاق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وحل الاستعصاءات التي مازالت تعترض طريق تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها، ومنها مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية تعيد توحيد المؤسسات الفلسطينية بين القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

 

 

ورشة عمل مقدمة في ورشة عمل، "اللاجئون الفلسطينيون وحق العودة: بين اتفاق أوسلو والإعتراف بالدولة الفلسطينية، مراجعة سياسية وقانونية"، بيروت الاثنين 12 ايلول 2011، فندق الكومودور

 



[1])) ـ لقد اصطدمت عملية "التسوية" التي تسيطر على دفتها الولايات المتحدة بعقبات هائلة هائلة،وقد أخفقت، خلال أكثر من عشرين سنة من المفاوضات الفلسطينية/"الاسرائيلية" المباشرة وغير المباشرة، لسبب بسيط، هو أن الولايات المتحدة أدت ومازالت تؤدي وظيفة "محامي إسرائيل" حسب تعبير المفاوض السابق في "عملية التسوية" الأمريكي أهارون ديفيد ميلر.

([2]) ـ مازالت عمليات التهويد والاستيطان تستهدف بشكل رئيسي مناطق القدس ومحيطها وداخل المدينة وأحيائها العربية الاسلامية والمسيحية، ويلحظ بأن جميع المستعمرات المقامة في عموم الضفة الغربية ترتكز فوق على استراتيجية فوق موارد مياه ، وتشغل أراضٍ زراعية أساساً، وتشمل نقاط تقاطع المواصلات المهمة.

[3]) ) ـ يمكن رصد ومتابعة عشرات التصريحات التي صدرت عن رموز السلطة الفلسطينية في رام الله، وهي تتحدث عن خيار المفاوضات بالتوازي مع خيار الذهاب للأمم المتحدة، ومن أن خيار الذهاب إلى المنظمة الدولية يعزز ويحسن العملية التفاوضية ولايقفز عنها أو يلغيها.

([4]) ـ مايعرف بإعلان الاستقلال الذي تلاه الشهيد ياسر عرفات من على منصة المجلس لوطني الفلسطيني في قصر الصنوبر في الجزائر يوم 15/11/1988.

(([5] ـ الإعلان الصادر عن الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشر التي عقدت في قصر الصنوبر في العاصمة الجزائر، تشرين الثاني/نوفمبر 1988.

([6]) ـ وهي : جمهورية الصين الشعبية، الاتحاد السوفييتي السابق، الهند، اندونيسيا، الباكستان، تركيا، نيجيريا، البرازيل، بنغلادش.

([7]) ـ من المعلوم أن صيغة التمثيل الفلسطيني في أعمال مؤتمر مدريد الافتتاحية تمت بطريقة التفافية، وضمن الوفد الأردني الذي ترأسه في حينها وزير الخارجية كامل ابو جابر، وقد ضم الوفد بعضويته إضافة للوفد الأردني الرسمي وجوه وشخصيات فلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة.

([8]) ـ ترى الولايات المتحدة بأن دول غرب أوربا ليس أكثر من ممول لعملية السلام والتسوية في المنطقة، وأن الولايات المتحدة هي المعنية بالملف التفاوضي برمته. فدول أوربا من الوجهة الأمريكية هذه ليست سوى عملاق اقتصادي (ممول) وقزم سياسي (لادور سياسي لها).

([9])ـ لنلحظ في هذا السياق ما أعلنه الرئيس أوباما وأمام مؤتمر "آيباك" (لجنة الشؤون لعامة الأمريكية/"الإسرائيلية" وهي اللوبي اليهودي الرئيسي في الولايات المتحدة) يوم 22 مايو/أيار2010 بقوله أن "ما من تصويت في الأمم المتحدة سينشئ يوماً دولة فلسطينية مستقلة" . وأن الولايات المتحدة ستتصدى لمحاولات عزل "إسرائيل" في الأمم المتحدة أو أي محفل دولي، وأن "شرعية إسرائيل ليست موضع نقاش".

([10]) ـ يقدر صائب عريقات عدد الدول المتوقع لها أن تصوت الى جانب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ (140) دولة على الأقل، الذي أضاف في تصريح أخر له أثناء لقاء عمل في مبنى المجلس الوطني الفلسطيني في عمان يوم الثلاثاء 8/6/9/2011 أن هناك (125) دولة حتى الآن اعترفت بفلسطين ومن المتوقع أن يساند الطلب الفلسطيني (150) عند طرحه على التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

 

([11]) ـ ازداد القلق "الإسرائيلي" بعد بلورة وثيقة مشتركة من قبل كافة دول أمريكا اللاتينية بخصوص القضية الفلسطينية بمبادرة البرازيل، في الاجتماع الذي تم عقده في نيسان/ابريل 2011 في مدينة ليما، عاصمة البيرو، والذي ضم دول أمريكا اللاتينية و (22) دولة عربية، في إطار المؤتمر الذي تم تشكيله عام 2005 من قبل الرئيس البرازيلي السابق لولا دي سيلفا، حيث ناقش المؤتمر أيضاً التعاون الإقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية.

([12]) ـ أنظر يارون ديكيل (يديعوت أحرونوت 28/8/2011).

([13]) ـ من المعلوم أن حكومة نتنياهو، تتشكل من اليمين واليمين المتطرف وهي غير مهيأة لتغيير تكتيكها. ما يعني بأنها ستبقى متمسكة بموقفها من عدم تجميد الاستيطان، ورفض الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 واعتبار القدس مدينة موحدة عاصمة لـ "إسرائيل"، ومطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بـ"يهودية إسرائيل"، والإعلان المسبق عن استمرار وجود "إسرائيلي" على امتداد الأغوار.

([14]) ـ نوقشت تلك المقترحات خلال جلسة المجلس الوزاري الثماني "الإسرائيلي" برئاسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي لم يبدِ اعتراضًا عليها. وأفادت الصحيفة بأن وزير الجيش أيهود باراك عارض تلك المقترحات، محذراً من أن تؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية، ما يعني انتشار الفوضى في الضفة الغربية وتحميل "إسرائيل" المسؤولية عن (2,5) مليون فلسطيني، أنظر صحيفة "هآرتس" العبرية في عددها الصادر الخميس 1/9/2011.

([15]) ـ يحضرني في هذا السياق ما كان قد كرره اسحق رابين بعيد توقيع اتفاق أوسلو الأول في حديقة البيت الأبيض في أيلول 1993 بقوله أن المنظمة الصهيونية العالمية انتهت مع قيام دولة "إسرائيل" وأن منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تنتهي مع قيام "الدولة أو الكيان أو السلطة الفلسطينية".

([16]) ـ في دراسة أعدها البروفيسور البريطاني (جاي جودوين جيل) القانوني المخضرم في جامعة أكسفورد، حول النتائج السلبية والتأثيرات الضارة لخطوة أيلول على المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ويعتبر جيل من أعضاء الفريق القانوني الذي ساهم بانجاز محكمة العدل الدولية عام 2004 بقضية بناء جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

([17]) ـ أنظر وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) البيان الصادر عن اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يوم الخامس من أيلول/سبتمبر 2011 في رام الله.

([18]) ـ خدم البروفسور (فرانسيس بويل) كمستشار قانوني لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان ممن ساهموا بدفع الجهود إعلان الاستقلال عام 1988، وقد تم نشر مطالعته إياها على صفحات العديد من المواقع الالكترونية الفلسطينية تحت عنوان "رداً على جاي جودين جيل .. منظمة التحرير والتمثيل الجماهيري".

([19]) ـ أنظر وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) البيان الصادر عن اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، يوم الخامس من أيلول/سبتمبر 2011 في رام الله (مصدر سبق ذكره).

([20]) ـ وهو ما أكد عليه الرئيس محمود عباس حين قال لصحيفة الوطن السعودية بتاريخ 15/8/2011 "لم نقرر التوجه إلى الأمم كبديل عن المفاوضات، فما زلنا نؤكد أن المفاوضات ستبقى خياٌرنا الأول للوصول إلى السلام، سواء قبل أيلٌول أو بعده بل وأكثر من ذلك فنحن نعتقد أن نجاحنا في هذا المحفل الدول سيعزز فرص الدخول في مفاوضات جادة بالتعاون مع أشقائنا العرب، وبدعم كامل من أصدقائنا".

([21]) ـ هناك تفاوت في مواقف القوى الفلسطينية من مسألة ما بات يعرف باستحقاق أيلول بين مؤيد وبضم كل فصائل منظمة التحرير الفلسطينية (فتح، الجبهة الشعبية، حزب الشعب، حزب فدا، جبهة التحرير العربية ...) التي تعتبره استحقاق ومعركة وطنية كبرى مع الاحتلال في إطار المجتمع الدولي، وبين مؤيد ولكن مع ملاحظات وتحفظات. فالذهاب للأمم المتحدة يواكبه مشاعر شعبية فلسطينية متباينة بين إمكانية النجاح في تحقيق هذا المطلب وبين القلق، وهو تباين نجده أيضاً عند عموم الأحزاب والفصائل، فحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وغالبية لها ملاحظات مختلفة وان كانت حركة حماس لاتعارض المبدأ، بينما تنظر معظم قوى التحالف الفلسطينية المعارضة ومنها الجبهة الشعبية/القيادة العامة ومنظمة الصاعقة وفتح/الانتفاضة، وجبهة التحرير، وجبهة النضال، والحزب الشيوعي الثوري، بعين الريبة لهذا الحراك ليس من موقع رفضه وتسجيل الملاحظات عليه فقط، بل من موقع التخوف من أن يكون محطة جديدة في طريق تقديم تنازلات إضافية. فملامح الدولة وحدودها وقضية اللاجئين والقدس أمور غامضة في هذا الاستحقاق على سبيل المثال.