الانترنت..جبهة قتال جديدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين
بقلم: د. عدنان أبو عامر
قبل أيام قليلة فاجأ رئيس هيئة الحواسيب والاتصالات
في الجيش الإسرائيلي "عوزي موسكوفيتش" الأوساط الأمنية، بإعلانه الاستعداد
لمواجهة التهديدات الفلسطينية والعربية في مجال الحرب الالكترونية على الانترنت، واستكمال
إقامة غرفة عمليات جديدة لرصد الهجمات الالكترونية، وإحباطها بشكل منظم.
وهذا يعني نجاح "القراصنة" الفلسطينيين
في أن تجد إسرائيل نفسها فجأة، وبدون مقدمات، في مواجهة حرب مفروضة عليها، لم تستخدم
فيها رصاصة واحدة، ولم تطلق قذيفة أو صاروخ مضاد، لكن خسائرها فادحة، وأدواتها فتاكة،
ونتائجها لم تتمكن من أجهزتها الاستخبارية من تقديرها حتى كتابة هذه السطور، تطلق عليها
أوصاف حرب "الانترنيت، هاكرز الحاسوب، حرب الظلال، الهجمات الالكترونية، حرب السايبر".
حرب الظلال
مع تزايد الحديث الإسرائيلي حول تعاظم الحرب الالكترونية
التي تدور رحاها بأقصى قوة، بات واضحاً أنّ جبهتها الداخلية أصبحت عرضة للتضرر عبر
شبكات الحواسيب، ومما يزيد الخوف الإسرائيلي أنّ هذه الحرب التي يشنها قراصنة فلسطينيون
وعرب، هي المجال القتالي الوحيد الذي لا تؤثر فيه العمليات الهجومية على قدرات العدو
للقيام بهجوم من جانبه، خاصة وأن الميزة الأبرز توجد دائماً لدى الطرف المهاجم، وهو
ما لا يمثل بشرى سعيدة لإسرائيل التي تخشى التعرض في السنوات القادمة لهجمات بلا توقف
من هذا القبيل.
كما أصبح هذا المجال بمثابة مجال قتال جديد يضاف
للمجالات البحرية والجوية والبرية التي سيخوضها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، لتصبح
شبكة الانترنت ساحة معركة حقيقية، وليس مجرد ذراع إضافي، بل اتجاه ذو أبعاد يتفوق على
جميع أذرع الجيش، وتكمن مهمته في التأكد أن جميع أسلحته مستعدة لهذا العصر، حيث يقوم
بصياغة تصورات، وبناء نظريات، وتأسيس وحدات تعمل على رصد حوادث "السايبر"
على شبكة الانترنت، في إطار عملية الاستعداد، وبناء القوة لهذه الجبهة الجديدة في مواجهة
الفلسطينيين.
ولذلك باتت تل أبيب تستعد جيداً لهذه الحرب الالكترونية،
خشية أن تدخل في أنظمتها الحساسة "فيروسات" تشل عملها في أحرج الأوقات، خاصة
وأن أعداءها الفلسطينيين نجحوا بالسيطرة على عدة أنظمة في السنوات الأخيرة، وقفزوا
لمراتب تقنية متقدمة ذات صلة بها، وباتت جبهة دينامية يستعملون فيها سلاحاً ثقيلاً،
تتحارب فيها أفضل العقول، كما تحول الجيش لاعباً رئيساً في هذا الميدان، وسينفق في
خطته الخمسية مئات ملايين الشواقل على هجوم ودفاع عن نظم المعلومات، ورغم أنها حرب
لا يوجد للصاروخ والطائرة الحربية المتطورة أي تميز، لكنها تعتبر بامتياز "حرب
العقل للعقل"!
الأخطر من ذلك، أن حرب الانترنيت التي تواجه إسرائيل
من قبل الفلسطينيين، تدور فيها كل يوم معارك دفاع وهجوم، وتقع أضرار واضحة ومخفية،
ما يعني أن "الجميع يستعملون هذا السلاح ضد الجميع"، فهناك جيوش حديثة، ومنظمات
مسلحة، وقراصنة حواسيب أفراد.
ضربة قاتلة
تواصل هجمات الفلسطينيين عبر الشبكة العنكبوتية
يحتم بالضرورة الإشارة إلى فتح تحقيق إسرائيلي في عملية اختراق "الهاكرز"
لمعلومات شخصية بحجم 30 ميغابايت، تحتوي على التفاصيل الخاصة لـ400 ألف إسرائيلي، تضمنت
أسماءهم، وأرقام هواتفهم، وعناوين سكناهم، وأرقام بطاقات الائتمان والاعتماد الخاصة
بهم، مما اعتبر أكبر تسرب معلوماتي في إسرائيل، دفع بالهيئة الوطنية للحرب الالكترونية
لمباشرة عملها، لتنسيق العمليات الدفاعية من الهجمات الالكترونية على الحواسيب، وتطوير
أنظمة الحماية، وجمع معلومات الكترونية عن الدولة.
مع العلم أنّ الجيش يعمل سنوياً لتأهيل مئات الجنود
والضباط للعمل في مجال الحرب الالكترونية في إطار الدوائر الاستخبارية والتنصت، لكنهم
يعملون في جوانبها العسكرية والأمنية، وليس في مجال الدفاع عن الإسرائيليين، بعد قيام
قراصنة فلسطينيين وعرب في السنوات الأخيرة عدة مرات بمحاولات اقتحام شبكات الحاسوب
الحكومية والأمنية، في ظل مخاوف من حصول "ضربة قاتلة" للبنى التحتية.
كل ذلك يعني أن الوضع الذي يكون فيه بوسع كل مجموعة
قراصنة فلسطينيين التسلل لمخزونات المعطيات الإسرائيلية، لا يمكن أن يتوقف إلا إذا
بنيت منظومة دفاعية مناسبة، وهذا ما قررت إسرائيل فعله، لكنها لم تستوعب بعد بأنه في
عصر التكنولوجيا الذي تشكل فيه كل منظومة دفاعية إمكانية كامنة للتسلح، فإن ما يعرف
بـ"المخزون البيومتري" يعتبر ثغرة تدعو القراصنة لشن مزيد من الهجمات.
مع العلم أن إسرائيل، القوة العظمى العالمية في
التطويرات المتعلقة بمجال حرب المعلومات، وقعت في مشكلتين تقنيتين أمنيتين لدى شروعها
في الحرب الالكترونية، الدفاعية والهجومية، أولهما أن كل شيء في إسرائيل يدار بواسطة
الشبكات المحوسبة، ومن الصعب تحديد سلم الأولويات: شبكة الكهرباء، المنظومة البنكية،
البورصة والطيران، وبالتالي فإن المس بإحداها سيلحق ضرراً هائلاً، وكلها تعتمد على
الاتصال المتواصل مع الخارج، مما يجعل من الصعب أكثر توفير الحماية لها.
وهو ما دفع بأوساط عسكرية نافذة في هيئة الأركان
للجيش للكشف عن تخوفات شديدة تسود في الآونة الأخيرة من إمكانية مطاردة حركة حماس لعناصر
الجيش عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وسقوط أحد أجهزة الحاسوب العسكري في أيديها، أو
قدرتها على دخول تلك الأجهزة، والحصول على المعلومات السرية.
ولذلك، يأخذ الجيش الإسرائيلي المسألة على محمل
الجد، ويسعى لمحاربتها، من خلال "شعبة تكنولوجيا المعلومات" المسئولة مباشرة
عن توفير سبل الحماية من الاختراق، كما مرت شبكة الحواسيب العسكرية بإجراءات تعديلية
في السنوات الأخيرة، للسماح بإخراج وثائق ومستندات عسكرية بطريقة آمنة.
الشبكة العنكبوتية
قدرة الفلسطينيين "الضعفاء" على استهداف
إسرائيل "القوية" من خلال شبكة الانترنيت، دفع بها لتشكيل هيئة خاصة للحرب
المعلوماتية، وتخصيص الاعتمادات المطلوبة لعمل سلطة المعلومات المحوسبة، تخوفاً من
اختراق المواقع الالكترونية، وتسريب معطياتها ضمن حرب محوسبة تهدف إلى شل البنى التحتية
الحيوية للدولة، في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات.
كما قرر الجيش تجميع فرق النخبة من هاكرز الكمبيوتر،
لمواجهة الحرب الالكترونية وعمليات القرصنة المحوسبة، وسط مخاوف من التهديدات المتنامية
على الشبكات المدنية والعسكرية، وقام بتجنيد 300 خبيراً حاسوبياً، لتعزيز قدراته في
مجال الحرب الجديدة، في سياق خطة متعددة السنوات، بعد أن باتت تشعر إسرائيل بالقلق
جراء الهجمات التي تعرضت لها الأسابيع الماضية.
وأنشأت الحكومة وحدة خاصة مسئولة عن تحسين الدفاعات
التقنية، وتنسيق وتطوير البرمجيات، وتعزيز العلاقات بين الدفاعات المحلية في الجيش
والشركات التكنولوجية، بعد الكشف عن إعداد خطة معادية لاستثمار ملايين الدولارات لتطوير
التكنولوجيا، وتوظيف خبراء كمبيوتر بهدف تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية في مجال
الحرب الالكترونية.
ولذلك، انكب الجيش في الآونة الأخيرة على العمل
لتطوير قدراته الدفاعية والهجومية "السايبرية"، وسط المخاوف من تنامي تهديد
الشبكات المدنية والعسكرية في الدولة، مع الإقرار بأنها ليست في المكان الذي يجب أن
تكون فيه فيما يتعلق بعالم الإنترنت، مما يتطلب العمل لتحسين قدراتها في مواجهة ما
انكشف لدى أعدائها من قدرات في هذا المجال.
أخيراً.. فإن تزايد هذه الهجمات الالكترونية الفلسطينية
والعربية، واتساع رقعة مهاجمة إسرائيل عبر شبكة الانترنيت، يجعلها تشكل تهديداً وجودياً
عليها، لأنها تتسبب بشلل منظومات المياه، الكهرباء والطاقة، وانهيار المنظومات البنكية
والمنظومات المحوسبة الوطنية والخاصة عبر هجوم منظم، ويجعل من الدفاع عن حدودها عبر
الدبابات والمدفعية أمراً مستبعداً، لأن الفلسطينيين يعلمون أن مسافة العالم الافتراضي
لا تمر بالحدود، بل يمكنهم مهاجمتها من كل مكان في العالم.
Al-Monitor، 28/2/2013