الانتفاضة الثالثة بعيون إسرائيلية
د. سفيان ابوزايدة
ما
قاله جون كيري وزير الخارجية الامريكي قبل ايام حول الربط بين فشل المفاوضات
الاسرائيلية الفلسطينية وامكانية انفجار انتفاضة فلسطينية ثالثة اثار جدلا لدى الاوساط الاسرائيلية، حيث اعتبرت قوى
اليمين في اسرائيل ان حديث كيري هوتأليب للرأي العام الفلسطيني وفي نفس الوقت يشجع
القيادة الفلسطينية على تصليب مواقفها التفاوضية.
الجدل
الداخلي الاسرائيلي على المستوى السياسي
والامني وكذلك على مستوى الرأي العام الاسرائيلي لم يتوقف حول كيفية رد الشارع
الفلسطيني اذا ما استمر الاستيطان المتزامن مع تعثر المفاوضات وما اذا كانت
القيادة الفلسطينية قادرة على التحكم في زمام الامور بنفس المستوى الذي تتحكم به
الان بعد انتهاء مهلة التسعة الشهور في ظل النتيجة المعروفه مسبقا ان هذه الجولة
من المفاوضات ستنتهي بالفشل.
اليمين
الاسرائيلي وبأذرعه المختلفة يعتقد ان احتمالية حدوث انتفاضة فلسطينية سواء على
غرار الانتفاضة الاولى وما ميزها من طابع شعبي اوعلى نمط الانتفاضة الثانية وما
ميزها من طابع مُسلح هوغير وارد ومستبعد حدوثه حتى وان انسحبت القيادة الفلسطينية
من المفاوضات واعلنت عن فشلها. هؤلاء يعتقدون ان تجربة الشعب الفلسطيني، خاصة مع
الانتفاضة الثانية، هي تجربة مريرة افقدتهم الكثير دون ان يحققوا اي شيئ يذكر.
هم
يعتقدون ان الانتفاضة الثانية جلبت للفلسطينيين الجدار وعززت من الاستيطان والتهمت
اجزاء كبيرة من القدس واعادة السيطرة الامنية للجيش الاسرائيلي على مناطق الضفة
بعد عملية السور الواقي وبعد ان ذوبت الفوارق بين المناطق وخلفت الالاف من الشهداء
والجرحى والاسرى. اضافة الى ذلك الشعب الفلسطيني يعاني من الانقسام السياسي
والجغرافي ويبحث عن تحسين مستوى حياته المعيشية. باختصار هم يثقون ان روح المقاومه
لدى الشعب الفلسطيني ليست نفس الروح التي انتفضت في اواخر عام 1987، وليست نفس
الروح التي انتفضت بعد انهيار المفاوضات في كامب ديفيد 2000 والتي اشتعلت بعد دخول
شارون الاستفزازي لباحات الاقصى، وليست نفس الروح التي انتفضت في وجه نتنياهوعام
1997 والتي عرفت بالنتفاضة النفق، حيث
اتهموا في حينها الرئيس ابوعمار المحرض والحرك لهذه الانتفاضات.
القناعه
لديهم اليوم ان القيادة الفلسطينية الحالية غير معنية بأن تصل الامور الى حد
الصدام، وان الاولويه هوالحفاظ على الوضع الامني المتماسك وان الذهاب الى مؤسسات
الامم المتحدة اوالمؤسسات الدولية هوافضل من خيار اللجوء للشارع الفلسطيني وزجه في
المعركة. لذلك، من وجهة نظر هؤلاء انتفاضة فلسطينية ثالثة ليست بالحسبان، وعليه
بأمكان اسرائيل ان تواصل سياسيتها الاستيطانية وفرض الحقائق على الارض لان هذه
الفرصة وبهذه الحسبة قد لا تتكرر.
وجهة
النظر الاخرى، والتي في الغالب يحملها قوى اليسار في اسرائيل، تعتقد ان استمرار
الوضع بهذا الشكل سيقود حتما الى انفجار الاوضاع في المناطق الفلسطينية، ليس مهم
ان يسمى هذا الانفجار انتفاضة ثالثة اواي اسم آخر، المهم ان غياب الارادة السياسية
الاسرائيلية في انجاح المفاوضات والاستمرار في سياسة الاستيطان واحراج القيادة
الفلسطينية، هذا الامر سيقود حتما الى انفجار في الاوضاع حتى وان كانت القيادة
الفلسطينية لا ترغب بذلك لان القدرة على التحكم تتآكل بشكل تدريجي.
هؤلاء
يعززون وجهة نظرهم من خلال الاحصاءات التي تشير الى ارتفاع تدريجي في نسبة
الاعتداءات على الجنود والمستوطنين مقارنة مع الفترات السابقة والتي كان آخرها طعن
جندي اسرائيلي اليوم في العفولة على يد شاب فلسطيني لا يتجاوز عمره الستة عشر
ربيعا.
اضافة
الى ذلك وفي رد على اصحاب نظرية ان الفلسطينيين يريدون تحسين مستواهم الاقتصادي،
يقول هؤلاء ان الانتفاضة الاولى عندما انفجرت بشكل مفاجئ كان وضع الشعب الفلسطيني
افضل بكثير مما هوعليه اليوم . للتذكير فقط كل الشعب الفلسطيني كان عبارة عن VIP1، لم يكن هناك حاجز عسكري واحد وكان الجميع يدخل بسيارته وكان يعمل
في اسرائيل مئات آلاف العمال دون الحاجة الى ممغنط اوتصريح دخول. وعندما انفجرت
الانتفاضة الثانية لم يكن هناك حواجز اوجدار وكان الاستيطان ارحم بكثير مما هوعلية
اليوم.
الامر
الاخر والمهم الذي يستند عليه هؤلاء ان المؤسسة الامنية الاسرائيلية، كما هوالحال
اليوم، كانت تثق ان الشعب الفلسطيني مستنزف وليس لديه ارادة في مزيد من المواجهات
وفي كلا الانتفاضتين استغرق وقت حتى استطاعت اعادة السيطرة على زمام الامور والتحكم في مسار الاحداث.
في
كل الاحوال، الجدل الداخلي الاسرائيلي حول امكانية نشوب انتفاضة من عدمها لا يجري
بشكل بريئ مجرد من الموقف السياسي والايديولوجي لكل طرف، ولا يجري دائما وفقا
لمعلومات وتقديرات استخبراتية مجردة، بل يستخدمه كل طرف من اجل اقناع الرأي العام
الاسرائيلي بوجهة نظرة التي يؤمن بها.
على
اية حال وبغض النظر عن الجدل الاسرائيلي الداخلي حول امكانية حدوث انتفاضة من
عدمها، ما يجب ان تفهمه الحكومة والمؤسسة
الامنية والعسكرية الاسرائيلية التي تعتقد انها تعرف وتتابع ادق التفاصيل لما يحدث
في الجانب الفلسطيني، خذوا بعين الاعتبار ان فنادق بيت لحم المليئة بالنزلاء
ومقاهي رام الله المزدهرة لا تعكس الصورة الحقيقة للوضع الفلسطيني.
رأي
اليوم، لندن، 14/11/2013