البعدالعربي للقضية الفلسطينية مغيب!!
عبد الناصر النجار
فلسطين ما بعد النكبة وحتى حرب الخليج الأولى ليست فلسطين بعد اتفاق أوسلو وما تلاه من ترتيبات دولية للمنطقة، فالاختلاف أصبح واضحاً وربما خطيراً.
ربما تغير كل شيء من الجغرافيا إلى الديمغرافيا إلى السياسة وأبعد من ذلك، فلسطين كانت تعتبر رافعة البعد القومي وضمير الشعوب العربية والحاضرة في وجدان كل مواطن عربي.
أجيال عربية تربّت على أن القضية الفلسطينية هي الرافعة الحقيقية لكل ما يدور في المنطقة، وبقدر ما هي قضية قومية شاملة، فإنها أيضاً قضية كل عربي على المستوى الشخصي، بحيث وصلت في بعض الأحيان إلى حد التقديس شعبياً، وانسياق الأنظمة مع رغبات الجماهير ومعتقداتها .. وقد وصلت حالة الحشد العربية إلى درجة أصبحت فيها شرعية الأنظمة العربية في الدولة الوطنية قائمة في إحدى ركائزها الأساسية على القضية الفلسطينية، ولا شرعية لنظام يخرق هذه القاعدة، وخير دليل على ذلك اتفاقية «كامب ديفيد» وما تلاها من مواقف عربية رسمية منحازة ولو عن غير قناعة لمطالب الجماهير في حينه، باعتبار الاتفاقية خيانة للأمة، ما أجبر هذه الأنظمة على قطع علاقاتها مع مصر، واتخاذ موقف واضح من التطورات المستجدة على المنطقة..؟!
الأنظمة العربية التي كانت تعتبر نفسها «ثورية» كانت تستمد قوتها من مدى ارتباطها أو ارتكازها إلى القضية الفلسطينية. هذه القضية التي كانت حاضرة في كل خطاب زعيم عربي وفي كل مؤتمر صحافي، وفي كل لقاء محلي أو دولي.. بل إن فلسطين لم تكن فقط ضمن دائرة البعد السياسي الداخلي والخارجي لهذه الدول بل في البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
وبعيداً أيضاً عن كيفية النظر إلى الشعب الفلسطيني أو فئاته وحركاته السياسية المختلفة، فإن فلسطين كبعد تاريخي وجغرافي وديني كانت تصل إلى حد التقديس، الذي لا يجوز حتى نقده، فهي فوق الشبهات والنقد.
دون مقدمات، تغيرت المنطقة وانعكس هذا التغير بشكل سلبي متواصل على القضية الفلسطينية «وقدسيتها» وعلى الشعب الفلسطيني أيضاً.
بوادر هذا التغيير جاءت بعد الخروج من بيروت، واختلاف توجهات الثورة، وتبعيتها أكثر للنظام السياسي العربي، وبعدها بمسافة عن القوى الثورية العربية، وبالأخص أجيال جديدة تمثل قطاعات الشباب الركيزة الأساسية لها، إضافة إلى التحولات التكنولوجية السريعة وخاصة على مستوى وسائل الإعلام والاتصال والتي لم ننظر إليها كفلسطينيين أو كقيادة فلسطينية بجدية، تأخرنا عنها كثيراً فتجاوزتنا الأحداث، وخلقت فجوة واسعة بين «قدسية فلسطين» السابقة وبين رؤية الأجيال الجديدة لهذه القضية.
هذا التغير الجديد جاء مع انهيارات وأزمات عربية وانتكاسات حقيقية زجت فيها القضية الفلسطينية غصباً، الأمر الذي انعكس عليها بشكل تراجيدي، وبدأ هناك انهيار واضح في مفهوم القدسية والتعبئة الجماهيرية. أبرز هذه الأحداث انهيار الاتحاد السوفييتي، ثم مأساة احتلال العراق للكويت التي اكتوى بنارها مئات آلاف الفلسطينيين، ثم حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وتفتيته، وإشعال نار المذهبية والطائفية، تلت ذلك سلسلة انهيارات عربية هنا وهناك، توجت هذه الأحداث بالانقسام الفلسطيني الذي قضى بشكل نهائي على مفهوم «قدسية» القضية الفلسطينية. وبدا المجتمع العربي مستقطباً، وبدأت آلة الإعلام الديني تؤثر بشكل كبير على هذا الوضع... وأصبح كثير من العرب ينظرون إلى الشعب الفلسطيني كفئتين متحاربتين متنازعتين حتى وصل الأمر إلى أن يتجرأ البعض ليصف المشهد الفلسطيني بالمشهد الصومالي. وبقدر ما في هذه المقارنة من ظلم حقيقي، فإنها تعبير حقيقي عن انهيار ليس مفهوم القدسية بل أكثر من ذلك بكثير..
وجاء الربيع العربي ليعطي دفعة بأن القضية الفلسطينية ستكون حاضرة من جديد، ولكن للأسف في هذه اللحظات فإن كل المعطيات تشير إلى عكس ذلك.. وأن الشعوب العربية أصبح لديها من المشاكل الداخلية ما يغنيها في كثير من الأحيان عن التفكير بالقضية الفلسطينية وليس اعتبارها قضيتها الأولى والمركزية.
فلسطين اليوم على المستوى العربي، مغيبة إعلامياً، مغيبة ثقافياً، موصومة بأنها مجموعات متناحرة متقاتلة، فاسدة، مرتبطة بمصالح وجهات إقليمية، حتى المساعدات التي تقدم من باب الامتنان مثلها مثل المقدمة إلى شعوب متناحرة أو جائعة في هذا العالم.
أما على المستوى الشبابي فكيف نلوم العرب فيما كثير منا أصبح على بعد كبير عن تاريخ القضية ومفهوم الصراع المتواصل مع الاحتلال.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة لإعادة تغيير الأدوات المستخدمة وبحاجة حقيقية إلى زجّ جيش الشباب في هذه المعركة قبل أن نخسرها للأبد!!.
الدستور، عمان، 26/5/2014