«البيت
الملعون».. يسكنه اللاجئون الفلسطينيون من سورية
كريم عبد الله/ خاص
لاجئ نت
تلعب المعتقدات الموروثة عند كثير من الناس
دوراً كبيراً ومؤثراً على سلوكهم، فمن خلال تجولنا في بعض المخيمات وجدنا عائلات فلسطينية
لاجئة من سورية إلى لبنان تسكن في بيوت أطلق عليها أصحابها أسماء شتى مثل «البيت الملعون»
أو «المسكون» أو غير ذلك وبأجور منخفضة تقل فيه عن مثيلاتها وأحياناً بالمجان دون أي
مقابل.
ففي مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين هناك
منزل مهجور منذ أكثر من عشر سنين؛ والسبب في ذلك أن هذا البيت برأي أصحابه ملعون،
وأن النحس واللعنة سوف تحل بكل من سيسكنه، مستشهدين على ذلك بحوادث ألمّت بمن سكن هذا
البيت على مرّ سنوات خلت.
لقد جاء الوقت الذي وفد فيه اللاجئون الفلسطينيون
من سورية إلى لبنان، وبدأت عملية البحث عن المأوى، فكانت فرصة ذهبية لبعض تلك العائلات
وجود هذا المسكن «البيت الملعون»، فقد رأوا فيه ملاذاً آمناً، رغم هذه التسمية والظروف
السيئة التي تحيط به نتيجة الهجران، فالغرف عشش فيها العنكبوت، والرطوبة أكلت الجدران،
حتى أصبح من المستحيل على من يدخل إليه ألا يشعر بالخوف للوهلة الأولى.
لقد قبل أولئك اللاجئون الجدد السكن في هذا
البيت، وساعدهم في ذلك أهل الخير، فمنهم من قدم لهم الدهان ومنهم قدم شريط الكهرباء
ومنهم من ساعد في إصلاح الأبواب والنوافذ، ليصبح مأوى لخمس عائلات من مخيم اليرموك
تضم حوالي خمسة وثلاثين لاجئاً أصغرهم بعمر ستة أشهر وأكبرهم بعمر 70 عاماً.
دخلنا إلى ذلك البيت وحاورنا أهله، فتبين لنا
كم سترت جدرانه عيوباً وكم خبأت بين ضلوع ساكنيها هموماً، فكل عائلة من تلك العائلات
تحمل همّاً يختلف عن همّ العائلة الأخرى، فالعائلة الأولى لديها وليدٌ في الشهر السادس
من عمره لديه استسقاء كلوي ولاّدي، وهو بحاجة إلى عمل جراحي غير أن والده أخبرني بكل
صدق أنه لا يملك المال لذلك، فهو حتى لو وجد من يدفع تكاليف العملية لا يستطيع دفع
تكاليف الاستشفاء، وذكر لي على ذلك شاهد بأنه عاين ولده في أحد المستوصفات فكتب له
الطبيب دواء بـ60 ألف ليرة لبناني (40 دولاراً) إلا أنه لم تكن لديه المقدرة على شرائه.
أما رب العائلة الثانية كانت شكواه قريبة من
شكوى أخيه، فأولاده يشكون من ضعف بالمناعة، تسبب لهم البعوض والقارص التهاباً دموياً
نجم عنه اختلاجات حرارية جعلته يركض بهم إلى مشفى الهمشري الذي وجد فيه الاستعلاء
والاستكبار بديلاً للعناية والاهتمام – حسب وصفه - وفاجأته أسعار الدواء الموصوف الذي
اقتصره بدوره على أهم ما كتبه الطبيب في الوصفة الطبية أي بما يتناسب مع ما في جيبيه
من مال.
وعند حديثنا إلى الحاجة عمة الشباب تبين أن
معاناتها تنبع من ذات المشكلة وهي الدواء، فالدواء الذي تحصل عليه من الأونروا لا يسكّن
ألمها ولا يحسّن حالتها، وهي مضطرة لتناوله لعدم توافر البديل المناسب، وبنفس الوقت
لا قدرة لديها على شرائه، لقد جاءت إلى لبنان على نفقة أهل الخير، فجيرانها في مخيم
اليرموك يعرفونها ويسعون دائما لمساعدتها، فهي مسجلة لدى الأونروا في سورية ضمن تصنيف
الحالات الصعبة (حالات العسر الشديد)، إلا أن الأونروا في لبنان لم تعاملها على هذا
الأساس واعتبرتها كباقي حالات اللجوء، علماً أن هذا التصنيف موثّق بالأدلة وبدراسات
خاصة يقوم بها باحثون اجتماعيون لدى الأونروا.
لقد استأذنا الإخوة اللاجئين بالتقاط بعض الصور
للمنزل والأولاد، فوجدنا ترحيبا بذلك، إلا أن ما لفت انتباهنا قول أحدهم «لم يعد الأولاد
يخافون من الكاميرا فلطالما جاءت إلينا الصحافة والكاميرات وتصورنا..... إلا أننا ما
استفدنا بشيء»!!
هذا نداء للناس.. فهل من مستجيب؟!