التعايش المستحيل مع مربعات الارهاب في مخيم
عين الحلوة
بقلم: محمود زيات
الحساسية الامنية المفرطة التي يتسم بها
مخيم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة، تزيد من تعقيدات ايّ معالجة امنية، لوجود
الجماعات الارهابية في مربعات امنية تقيمها في عدد من احياء المخيم، فيما التعقيدات
القائمة تبقى كفيلة بابقاء اكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان البؤرة الاكثر توترا
في لبنان، بعد ان تم اجتثاث التنظيمات الارهابية في الجرود، بفعل المعارك التي خاضها
«حزب الله» في جرود عرسال، وما تلاها من معركة مشتركة خاضها الجيشان السوري واللبناني
و«حزب الله» على جانبي الحدود عند السلسلة الشرقية.
كان من الطبيعي ان يطفو مجددا وبقوة، الوضع
الامني في مخيم عين الحلوة على السطح السياسي والامني، غداة الانتهاء من معارك الجرود،
انطلاقا من الاثقال الامنية التي يحملها منذ اكثر من عشر سنوات، وان تزايدت الاثقال
مع اندلاع الحرب على سوريا، وتنامي الحركات المستندة الى الفكر الاسلامي التكفيري الذي
صدَّر مقاتلين من كل اصقاع الارض، وكانت حصة للمخيم الذي تحول الى حديقة خليفة للتنظيمات
الارهابية التي تقاتل في سوريا والعراق، فضلا عن الداخل اللبناني الذي كان هدفا دائما
للتفجيرات الارهابية، نفذتها شبكات منتشرة، نجح الجيش اللبناني والامن العام والاجهزة
الامنية الاخرى من تفكيك عدد كبير منها، وتوقيف رموزها والمخططين والمنفذين لاجنداتها
الامنية، فيما بقي المخيم، بنظر الجهات الرسمية اللبنانية، وحتى بنظر جهات فلسطينية
واسعة، ساحة لجذب التورات ومحاولات زج المخيم باجندات الارهاب الوافدة من خارج المخيم.
هذه الصورة المتوترة التي يعيشها المخيم،
وان شعرت القيادات الفلسطينية باستحالة التعايش مع الحالة الارهابية الشاذة والغريبة
عن النسيج الاجتماعي للمخيم، تبقى تستعدي معالجة جدية تُخرج المخيم من تلك الدائرة،
والا ما معنى ان يقول مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم « أن ملف
«عين الحلوة» يجب أن يقفل بكل الوسائل الممكنة مع الحفاظ على المخيم، ولا يجب أن يبقى
ثغرة في الجسمين اللبناني والفلسطيني»، مع الاشارة الى ان ابراهيم قدم الى القيادات
السياسية والعسكرية الفلسطينية الكثير من الاشارات الداعمة للقيام بمسؤولياتها تجاه
المخيم، من خلال المعالجة الامنية الجدية لوجود الجماعات المتطرفة التي تأوي مطلوبين
لبنانيين وفلسطينيين متورطين في عمليات ارهابية.
وفي السياق، ترى اوساط قيادية فلسطينية،
ان خارطة الطريق للمعالجة الامنية تبدأ بحسم القيادات الفلسطينية خيارها في تولي المسؤولية
في المعالجة الامنية التي يستدعيها الوضع في المخيم، لا ان تستدعي معالجات من خارج
المخيم، ستكون مكلفة على الجميع، وعلى مصير المخيمات والعلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية.
في مطلق الاحوال، فانه من حسنات الامور،
ان علاقات ودية وطيبة قائمة اليوم بين القيادات السياسية والعسكرية والامنية الفلسطينية
في المخيم، مع الجهات الامنية والعسكرية اللبنانية، وترجمت هذه العلاقة بتعاون في كافة
الملفات التي تهم الجانبين والتي تتعلق بالوضع الامني في المخيم، اضافة الى وجود ارضية
للتواصل ومواكبة كل تطور او مستجد امني يسجل في المخيم، بصورة دورية تضيف الاوساط،
مع ان الجانب اللبناني متحمس لدور فلسطيني
فاعل ومجدي داخل المخيم، وهو قدم كل التسهيلات لانجاح خطط امنية وعمليات انتشار لمقاتلين
من الفصائل في احياء المخيم، فيما عمل الجيش اللبناني على تخفيف اجراءاته على مداخل
المخيم الاربعة، من خلال الاخلال بقواعد الامن.
يمكن لهذا العلاقات، وفق ما ترى الاوساط
القيادية الفلسطينية، ان تؤسس للدخول في المعالجة الجادة، من خلال تولي الجانب الفلسطيني
المهمة.. لتجنب اي توتر في العلاقات مع لبنان الرسمي والشعبي.. فالرهان اليوم، بات
على القيادات الفلسطينية لمعالجة تنهي الجماعات الارهابية التي تشكل خلايا «مستيقظة»،
ومغادرة موقع التريث والتردد.. وانتظار «شي ما» ! يؤجل فتح الملف الامني في المخيم،
في وقت تواصل الاجهزة الامنية اللبنانية حربها الاستباقية على الخلايا الارهابية النائمة،
فاين المصلحة اللبنانية والفلسطينية في الابقاء على الشبكات الارهابية المستيقظة في
عين الحلوة؟، تسأل الاوساط نفسها، وهل يمكن للفلسطينيين من سكان المخيم، التعايش مع
الحالة الارهابية التي تستنزف دمهم وتدمر ممتلكاتهم وتستبيح حياتهم اليومية؟،.. هل
يمكن للبنان ان يتحمل مربعات مقفلة لخلايا ارهابية تقيم في الداخل اللبناني وتهدد امنه
واستقراره، فيما «امبراطورية» الارهاب في الجرود انهارت.
التساؤلات نفسها طُرِحَت بقوة في الصالونات
السياسية، فيما بعض الاوساط الفلسطينية يخفف من وطأة طرح الملف الامني للمخيم، بالاستناد
الى التجارب السابقة التي كانت تفرض في كل مرة تأجيل المعالجة، خوفاً من التعقيدات
الامنية، لكن هؤلاء لا يقللون من العوامل الكثيرة التي تجعل طرح الملف بهذه الجدية
والحساسية.. فزمن اليوم هو زمن محاربة الارهاب اينما وُجد.. فكيف اذا كان في العمق
اللبناني!، ولا مصلحة لبنانية ولا فلسطينية في الابقاء على «حديقة خلفية» داخل المخيم،
تصدر شبكات ارهابية للداخل اللبناني، وتبقى المخيم اسير اجندتها العابرة لجغرافية المخيم.
لم يعد يكفي، بنظر المتابعين للملف الفلسطيني
في لبنان، ان تُبدي القيادات الفلسطينية، كما فعل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس
خلال زيارته الاخيرة الى لبنان قبل اشهر قليلة، ليونة في التعامل مع ملف السلاح الفلسطيني
داخل المخيمات، والاستعداد لتسليم «السلاح ـ العبء»على حد وصف عباس، في حين ان المطلوب
اقل بكثير من هذه الخطوة، تصفية الحالات الارهابية المنبوذة من سكان المخيم، من خلال
خطة امنية يعدها الاجماع الفلسطيني..فلم يعد من المبكر الحديث عن خطة امنية فلسطينية
جادة وحاسمة، تضمن معالجة نهائية لملف المربعات الامنية للجماعات المرتبطة بالتنظيمات
الارهابية التي تؤمن الحماية والرعاية التمويل لارهابيين لبنانيين وفلسطينيين ملاحقين،
لتورطهم بعمليات ارهابية موصوفة، فضلا عن العشرات من المطلوبين من انصار الشيخ احمد
الاسير، كانوا لجأوا الى داخل المخيم هربا
من ملاحقة الجيش اللبناني لهم، غداة معركة عبرا في حزيران العام 2013.
ثمة من يرى من القيادات الفلسطينية، ان
المعالجة الامنية الفلسطينية للحالة الارهابية داخل المخيم، توفر على الفلسطينيين واللبنانيين
الكثير من الاكلاف والتداعيات غير المرغوب فيها، وهذه المعالجة تكاد تكون عناصرها متوفرة،
اذا ما توفر الاجماع الفلسطيني حول ضرورة اخراج المخيم من اجندات التنظيمات الارهابية،
حماية للمخيم وصونا للعلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية.
المصدر: الديار