«التكافل الاجتماعي» وخطة حماس
بقلم: أنيس فوزي قاسم
نشر في الصحف مؤخراً أن الكتلة البرلمانية عن
حماس في المجلس التشريعي الفلسطيني، شرّعت قانوناً جديداً تفرض بموجبه ضريبة على أبناء
قطاع غزة، سميت «ضريبة التكافل الاجتماعي».
وقد شرح أحد نواب حماس أن السلطات سوف تتقاضى
بموجب القانون الجديد مبلغاً نسبياً يفرض على السلع «الكمالية» وعلى معاملات التجار
والمواطنين، وذلك لتحصين المجتمع في القطاع. وأضاف نائب آخر من الكتلة نفسها أن القانون
الجديد جاء من أجل ضمان تقديم المساعدات والإعانات للعائلات المستورة، وبحد أدنى مقداره
مئة دولار شهرياً للعائلة الواحدة.
يواجه القانون انتقادات شديدة، من حيث أنه يزيد
من أعباء المواطنين المرهقة أصلاً بسبب الحصار والتدمير المنظم الذي تمارسه إسرائيل
عليهم، وظروف الحياة التي تزداد قسوة وعنفاً. وأحجم بعض التجار عن استيراد بعض المنتجات،
لأن فرض هذه الضريبة عليهم سوف يحول دون تسويقها لأن أسعارها سوف ترتفع فوق الطاقة
الشرائية للجمهور.
من الثابت أن عبء هذه الضريبة سوف يقع على كاهل
المواطن العادي، وهذا شأن أي ضرائب تفرض على الجمهور. ومن المؤكد أن المشرع الحمساوي
يدرك ذلك ويدرك أيضاً حالة الضنك التي يعيشها مواطنو قطاع غزة، ولا مطعن على نوايا
المشرع الحمساوي من انه قصد إلى دعم «التكافل الاجتماعي» بين أهالي القطاع، إلا انه
من المشكوك فيه أن يكون هذا القانون هو الأداة المثلى للوصول إلى الهدف المنشود، ذلك
أن عبء الضريبة – كما قلنا – سوف ينتهي على كاهل المواطن الذي جاء القانون ليكفله ويدعمه،
أي أن القصد نبيل إلا أن الأداة هي الخطأ.
وإذا أرادت حركة حماس أن تنجز مهمة «التكافل الاجتماعي»
على نحو لا يزيد من أعباء المواطن المسحوق أصلاً، عليها أن تبحث عن بدائل أخرى، وعلى
سبيل المثال، إذا رغبت حماس حقاً وصدقاً في إقامة التكافل الاجتماعي، عليها أن تفرض
ضريبة أو ضرائب أو رسوما عالية على من يعتزم الحج إلى بيت الله الحرام، وفرض رسوم أو
ضرائب أعلى على من يعتزم أداء مناسك العمرة، وفرض ضرائب أو رسوم أعلى من كليهما لمن
أراد أن يكرر الحج أو العمرة. وسوف يجد المشرع الحمساوي – اذا أراد الابتعاد عن الشعبوية
والتحرر من ربقة الانتخابات- في الشريعة الغرّاء وفي التراث الإسلامي، سنداً قوياً.
بداية لابدّ من تقرير أن فريضة الحج لا تؤدى في
ميقات محدد من عمر المسلم، بخلاف الصلاة التي يجب أن تقام في مواعيدها، وبخلاف الصيام
الذي يجب أداؤه في شهر رمضان المبارك. أما الحج، وهو فريضة، يمكن تأجيلها، كما فعل
الرسول الكريم حين عاد إلى مكة في السنة الثامنة للهجرة، إلا انه لم يقم بالحج إلا
بعد سنتين من عودته.
لقد روى ابو هريرة عن رسول الله انه سئل عن أي
الأعمال أفضل عند الله، فقال عليه السلام «إيمان بالله ورسوله. قيل ثم ماذا؟ قال جهاد
في سبيل الله. قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور». (أخرجه البخاري ومسلم). وفي هذا الحديث
الشريف تشريع في غاية الأهمية للظروف التي تحياها الأمة. فالجهاد في سبيل الله مقدّم
عند الرسول الكريم – ولا ينطق عن الهوى -على الحج. ومن باب أولى أن يكون مقدماً على
العمرة التي هي من السنن وليست من الفرائض.
إن دعم أهلنا في الأراضي المحتلة وتعزيز صمودهم
وهم الذين يصدون بأجسادهم موجة الطغيان الصهيوني على باقي أجزاء الأمة، هو أولى عند
الله من أداء مناسك الحج، ومناسك العمرة. إن التكافل الاجتماعي هنا يقوم به من لديه
زيادة في المال، إِما بفرض ضريبة عالية عليه او رفع سقف الضريبة إلى مستويات أعلى،
إذا كانت عملية الحج أو العمرة مكررة. ويجب رصد هذه الضرائب والرسوم لتوزيعها على العائلات
المستورة، وهكذا لا يتحمل المواطن المقصود بالتكافل عبء الضريبة، بل يحملها من توفر
لديه المال حصراً، لأن من يقصد الحج لابدّ انه يحوز نفقات وتكاليف الرحلة وهي ليست
نفقات عادية.
ولنا كذلك في سابقة القاضي الفاضل، وهو من أعلى
فقهاء عصره علماً وقدراً، دليل آخر على أولوية الجهاد على الحج. فقد همَّ صلاح الدين
الأيوبي على السفر لأداء مناسك الحج، فقال له القاضي الفاضل إن رفع المظالم من البلاد
والقعود للإفرنج بالمرصاد، على حين تقطر السيوف دماً أفضل من حجتك. ورضخ صلاح الدين
لرأي قاضيه وعدل عن الحج، أما زالت مهمة أهلنا القعود للطغيان الإفرنجي الاستيطاني
الصهيوني قائمة يومياً، وهل جفت دماء أبنائنا عن جنازير مدرعات المستوطنين؟ أليس من
الأولى أن يعاد توزيع المال وتوجيه إنفاقه على الصامدين على الثغور، وهو أقرب إلى الله
من أداء مناسك الحج أو العمرة في هذه الأوقات العصيبة؟ حتى أن الذين يشيدون مساجد،
وليس جميعهم يقومون بالبناء قربى لله، لكي يرفع فيها اسمه، ينطبق عليه الرأي الخاص
ذاته بالحج والعمرة. لقد قرأت (ولم أطلع بنفسي) عن ان الشيخ عز الدين القسّام بعث فتوى
أثناء الثورة الفلسطينية الكبرى إلى الحاج أمين الحسيني، تقول بأنه لا يجوز جمع المال
وإنفاقه على بناء المساجد، أو ترميمها، بل يجب توجيهها لخدمة الثورة، فالجهاد أولى.
وهذا ينسجم مع ما قاله القاضي الفاضل، ولابدّ أن الشيخ القسام ينهل من حديث الرسول
المشار إليه.
ومن هذه السوابق المضيئة في تراثنا، يجب على المشرع
الحمساوي أن يهتدي ويدير شؤونه بعيداً عن الشعبويه الضارة والاعتبارات الانتخابية الضيقة.
فالوطن أولى والخطر جسيم.
المصدر: القدس العربي