التمثيلات السياسية الفلسطينية
بقلم: ماجد كيالي
ركّز العديد من المقالات النقاش حول مشروعية انعقاد المجلس
الوطني الفلسطيني، وبشكل خاص على إمكان تأمين نصاب هذا الاجتماع، الذي سيعقد في رام
الله، وعلى شرعية اعضائه، الذين بات لهم قرابة عقدين على الأقل، إذ ان أخر دورة التأم
فيها هذا المجلس كانت عام 1996.
الآن، إذا تجاوزنا الاعتبارات السياسية، وهي مفتقدة، وإذا
تجاوزنا الأغراض التي تكمن وراء عقد هذا الاجتماع، والمتعلقة بترتيب اوضاع الساحة الفلسطينية،
وفقا لرؤية الرئيس محمود عباس، وحركته «فتح«، فإن السجال القانوني لا يتوقف على عضوية
المجلس الوطني فقط، بل إنها تطال عضوية الفصائل الفلسطينية ذاتها، وعضوية المنظمات
الشعبية، وعضوية المستقلين.
وللتوضيح أكثر فإن عضوية المجلس الوطني تتأسس على نظام المحاصصة
«الكوتا«، وهي تقسم كحصص، على الفصائل المنضوية في إطار المنظمة، وعلى الاتحادات الشعبية
الفلسطينية، وعلى المستقلين.
وفي الحقيقة فإن هذه قسمة تخضع للتلاعب، فضلا عن انها وصفة
لتكلس النظام السياسي الفلسطيني، وإعادة انتاجه، او تدويره، وكأن القيادة الفلسطينية
السائدة، التي تتحكم بهذا التشكيل، وهي هنا قيادة المنظمة والسلطة وفتح، تقوم بانتخاب
ناخبيها.
الفكرة اننا هنا ازاء نصاب كامل، او جاهز، فعضوية المجلس
ليست ملكا لصاحبها، لأنها لم تتأت من الشعب، ولا عبر صناديق الاقتراع، وانما هي عضوية
تمثيلية تعود ملكيتها للفصيل المعني، ما يعني ان الفصائل هي التي تتحكم بممثليها في
المجلس. وما ينطبق على عضوية الفصائل في المجلس ينطبق، أيضا، على عضوية الاتحادات الشعبية
الفلسطينية (الطلاب والعمال والمرأة والمعلمين والكتاب والأطباء والمحامين والفنانين
الخ)، فهؤلاء، أيضا، تعود تسميتهم في المجلس للهيئة القيادية في الاتحادات ذاتها، وهذه
كلها تسيطر عليها فتح، كما هو معلوم. واللافت ان هذا الأمر ينطبق، أيضا، على «المستقلين«،
الذين هم ليسوا مستقلين، من الناحية الفعلية، اذ ثمة منهم قياديون في فصائل معينة،
فأحمد قريع (أبو العلاء) مثلا، عضو في اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير، هو عضو قيادي
في حركة فتح، وهكذا. بمعنى اخر فإن حصة المستقلين تذهب، في اغلبيتها، للتقاسم بين الفصائل
الموجودة، بحسب توزيعة معينة يتحكم بها الرئيس، ذاته، هذا كان أيام الزعيم الفلسطيني
الراحل ياسر عرفات، وقد استمر في عهد الرئيس ابو مازن.
الفكرة الثانية هنا، هي ان لا الفصائل، ولا الاتحادات الشعبية
المعنية، تتمتع بحياة تنظيمية سليمة، اذ ان كثيرا من الفصائل لم تعقد مؤتمرات لها منذ
فترات طويلة، بل وثمة فصائل لم يعد لها اي وجود يذكر، لا في تجمعات الفلسطينيين، ولا
في مواجهة العدو، وليس لها اي لون او معنى سياسي يبرر وجودها، بمعنى انها مدينة بشرعيتها
بشكل كامل لنظام الكوتا، ولإرادة قيادة «فتح«، أو لإرادات اخرى في حالة الفصائل التابعة
لأنظمة معينة.
وفي ما يخص الاتحادات الشعبية، فهذه ضمر وجودها منذ زمن،
لاسيما منذ الانتقال الى الداخل، إذ لم تعد تمثل كل الفلسطينيين، وهي لم تعقد مؤتمرا
لها منذ قرابة ربع قرن، ولم يعد احد يلحظ وجودها، واقصد هنا الأمانات العامة تحديدا،
لا الفروع المتواجدة في هذا البلد او ذاك، والتي تتحرك بدورها باعتبارات فصائلية اكثر
منها مهنية او وطنية، أما في ما يخص المستقلين فهؤلاء يأتون على هوى القيادة، في معظم
الاحوال، على النحو الذي ذكرناه. ولعل هذا كله يفسر عدم وجود لائحة جاهزة بأسماء اعضاء
المجلس الوطني، لأن هذه العضوية يفترض التأكيد عليها، من قبل الفصائل والمنظمات الشعبية،
في كل مرة، وقبيل انعقاد الدورة المحددة.
المعنى من كل ذلك اننا ازاء بناء متكامل، وجاهز، من مختلف
الجوانب، ولعل هذا الواقع هو الذي يشجع القيادة الفلسطينية على المضي في قرارها الدعوة
لعقد مجلس وطني فلسطيني، في هذا الظرف، ومن دون تحضيرات مناسبة، ومن دون اي معنى يفيد
بالإقدام على تغيير المعادلات او الخيارات السياسية الفلسطينية، وهو الأمر المطلوب،
اي اننا ازاء مؤتمر غرضه ترتيب الساحة الفلسطينية، وفق رؤية معينة، لا اكثر ولا اقل.
على اي حال، فإن القيادة الفلسطينية ما كانت دعت لعقد دورة
اجتماعات للمجلس الوطني لو لم تكن تدرك بانها قادرة على تأمين النصاب، ثم انها، ومن
باب الاحتياط، لديها مادة في النظام الداخلي للمنظمة تبيح لها عقد الاجتماع بمن حضر،
في الظروف القاهرة، لأغراض ترتيب وضع اللجنة التنفيذية؛ علما انها هي المعنية بتحديد
معنى الظروف القاهرة.
بيد ان الأهم من هاتين التخريجتين القانونيتين لعقد الاجتماع،
ادراك القيادة لحقيقة أن الفصائل لا يمكن لها ان تقف في معارضة هذا التوجه إلى الأخر،
لأن ثمن ذلك سيعني خسارة موقعها في عضوية اللجنة التنفيذية، في ظروف المنافسات الفصائلية،
وفي ظروف لم يعد لبعض الفصائل ما تعمله سوى التعلق بحبال منظمة التحرير او السلطة،
للحفاظ على شرعيتها وعلى ما تبقى من وجودها. وحتى في حال عاند فصيل ما، وهذا ربما يحصل،
كما حصل في مرات سابقة، فإن هذا الفصيل سيتصرف، كما في السابق، على اساس ان القيادة
الفلسطينية ستترك له هذا الهامش، للعودة في وقت لاحق للجنة التنفيذية.
هذه هي ملابسات انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، ولهذا السبب
يمكن القول بأن ما بعد المجلس لن يختلف عن ما قبله، بمعنى ان النظام الفلسطيني، سيبقى
على حاله، فقط الجديد في الامر انه اعاد تجديد ذاته بذاته، ناهيك عن ان انعقاده سيصعب
الوضع على حركة «حماس«، بالنسبة لمطالبتها بتغيير احوال المنظمة، وفقا للاعتبارات الفصائلية،
وهو الوضع المريح لفتح اكثر.
المغزى ان الفلسطينيين سيبقون في اطار النظام السياسي القديم،
وفي اطار الخيارات السياسية القديمة، التي ثبت عقمها، بسبب ان الطبقة السياسية مازالت
متشبثة بمكانتها وخياراتها، وبنظام المحاصصة «الكوتا«، في حين ان المخرج يفترض ان يتأسس
على رؤية سياسية جديدة، وعلى نظام سياسي ينبني على قواعد مؤسسية وديمقراطية وتمثيلية،
ووطنية.
المصدر: المستقبل