التنسيق الأمني هو علّة وجود السلطة الفلسطينية
إعداد يوسف حسن/عمّان
"أنتم يا رجال
فلسطين، لم تأتوا إلى هنا لتتعلموا كيف تقاتلون (إسرائيل)، بل جئتم إلى هنا
لتتعلموا كيف تحفظون النظام، وتصونون القانون، وتحترمون حقوق جميع مواطنيكم،
وتطبقون حكم القانون من أجل أن نتمكن من العيش بأمن وسلام ومع (إسرائيل)".
كان ذلك جزءاً من خطاب ضابط فلسطيني كبير، حين خاطب عناصره من خريجي مركز تدريب
الشرطة الدولي في الأردن، كما نقله المنسق الأمني بين الاحتلال والسلطة الجنرال
الأميركي كيث دايتون.
هذه هي العقيدة القتالية
للشرطة وأجهزة الأمن الفلسطينية، والتي لم تأت مصادفة، بل وفق اتفاقيات طويلة
ومفصلة بين السلطة والكيان الصهيوني، تكرّس دور السلطة بالجانب الأمني. وقد تأصلت
هذه الاتفاقيات من خلال ممارسات السلطة والتنسيق الأمني الدائم.
أشارت المادة الثامنة من
وثيقة إعلان المبادئ، في اتفاقية أوسلو، إلى الترتيبات الأمنية بين السلطة
الفلسطينية والكيان الصهيوني. وجاء فيها "من أجل ضمان النظام العام، والأمن
الداخلي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة سينشئ المجلس قوة شرطة قوية،
بينما تستمر إسرائيل في الاضطلاع بمسؤولية الدفاع ضد التهديدات الخارجية، وكذلك
بمسؤولية الأمن الإجمالي للإسرائيليين بغرض حماية أمنهم الداخلي والنظام
العام".
أما المادة العاشرة فتنص
على أنه "من أجل توفير تطبيق هادئ لإعلان المبادئ هذا، ولأية اتفاقات لاحقة
تتعلق بالفترة الانتقالية ستشكل فور دخول إعلان المبادئ هذا حيز التنفيذ لجنة
ارتباط مشتركة إسرائيلية وفلسطينية من أجل معالجة القضايا التي تتطلب التنسيق،
وقضايا أخرى ذات الاهتمام المشتكر، والمنازعات".
كما نص إعلان المبادئ
على صلاحيات إضافية للشرطة تهم الاحتلال وأمنه منها "منع الأعمال التي قد
تترتب عليها مضايقات وإيقاع عقوبات، ومحاربة الإرهاب وأعمال العنف، ومنع التحريض
على أعمال العنف، والقيام بأي مهمات أخرى عادية على عاتق الشرطة".
أما اتفاقية القاهرة
الموقعة في 4/5/1994 فقد تعهدت السلطة الفلسطينية فيها بمنع الحملات الدعائية
والتحريض ضد "إسرائيل" في المناطق التي تسيطر عليها، كما تعهدت باتخاذ
الإجراءات الضرورية لمنع الأعمال "الإرهابية" والجرائم والاعتداءات ضد
الدولة العبرية.
وبعد العمليات التي
نفذتها كتائب القسام، انتقاماً لاغتيال المهندس الشهيد يحيى عياش، عُقد مؤتمر شرم
الشيخ في 13/3/1996، وشاركت فيه السلطة الفلسطينية، ونص على "دعم تنسيق
الجهود من أجل وقف أعمال "الإرهاب" على المستويات الثنائية والإقليمية
والدولية".
عندما اندلعت انتفاضة
الأقصى عام 2000، ضغطت الولايات المتحدة لوقفها، فجرى إنتاج اتفاقية "خارطة
الطريق"، في 30/4/2003، بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، والتي أعادت
تشكيل السلطة سياسياً وأمنياً. ونصت على: "يعلن الفلسطينيون بشكل واضح وضع حد
للعنف وللإرهاب، ويبذلون جهوداً ملحوظة على الأرض لاعتقال وعرقلة عمل ولجم أفراد
أو جماعات ترتكب هجمات عنيفة أو تخطط لارتكابها ضد إسرائيليين في أي مكان".
كما نصت على إعادة هيكلة
الأجهزة الأمنية، بإشراف أمريكي، وضرورة إحداث تغيير في القيادة الفلسطينية،
باستحداث منصب رئيس للوزراء، تكون الأجهزة الأمنية تحت إمرته، فكان محمود عباس أول
رئيس للوزراء. وفي آذار/مارس 2005، جرى الاتفاق بين عباس وإدارة بوش وحكومة شارون،
على تشكيل فريق التنسيق الأمني الأمريكي، مهمته تدريب وتجهيز قوات الأمن
الفلسطينية، والإشراف على عملية التنسيق الأمني بين الاحتلال والسلطة. وتولى
الجنرال الأمريكي كيث دايتون مهمة هيكلة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والتنسيق
الأمني.
خلاصة القول، إن ما
تفعله الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية من تنسيق أمني، إنما هو نتاج
خيارات سياسية، واتفاقات، وهو علّة وجود السلطة الفلسطينية، وسلّم الطامحين إلى
نيل مراتب عليا في هذه السلطة.